استمرارًا لسلسلة الندوات التي ينظمها مركز "إعلام" لمناقشة التقرير الاستراتيجي مع عددٍ متنوّع من شرائح المجتمع مما يتيح المجال للتعمق في مسالة التحديات التي يوجهها مجتمعنا وسبل الحل لها، نُظمت، الثلاثاء، وبالتعاون مع كوادر طمرة، ندوة تم من خلالها مناقشة التقرير الذي بدء العمل عليه قبل 5 سنوات من قبل مجموعة من الاكاديميين والقياديين الاجتماعيين والثقافيين في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل.
ويسعى التقرير للمساهمة في الجهود الرامية لتحسين ظروف العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل، عبر تفكير استراتيجي ينطلق من وضعهم الحالي صوب تطلعاتهم المستقبلية، كشرط أساسي للعمل على تحقيق أهدافهم، كما ويقوم بتفكيك التعقيد القائم بنظام حياة السكان العرب ووضع سيناريوهات مستقبلية محتملة، مع تحديد التدابير المطلوبة لضمان تحقيق النتائج المواتية ودرء ما هو غير مرغوب منها.
وجاءت الندوة تحت عنوان "السيناريوهات المستقبلية الممكنة والتحديات التي تواجه فلسطيني الـ1948" حيث شارك بها كل من؛ بروفسور أسعد غانم، بروفسور أمل جمّال، ود. يسري خيرزان، فيما اعتذرت الناشطة النسوية والسياسية نبيلة اسبنيولي لظرف صحي، وأدارها المحامي والناشط السياسيّ نضال عثمان.
التحديات والتقرير الإستراتيجي
وبدأت الندوة بكلمة ترحيبية من المحامي نضال عثمان الذي عدد التحديات المحليّة والقطرية التي يواجهها المجتمع الطمراوي خاصةً والفلسطيني عامةً، موضحًا أنّ قضية الأرض والمسكن، خاصةً بسبب تنفيذ عدد من اوامر الهدم مؤخرًا، هو تحدي حارق بحاجة إلى التكاتف والالتفاف من أجل التعامل معه بالطريقة الصحيحة. كما وتطرق المحامي عثمان إلى تحدي العنف المتفشي بصورة كبيرة في مجتمعنا مع ضرورة "وضعه في صلب اهتمامنا ومحاور عملنا".
إلى ذلك، تطرق المحامي عثمان إلى دور لجنة المتابعة ومركباتها في مواجهة التحديات وإلى دور رؤساء السلطات المحليّة، المتخاذلة نوعًا ما، في تحصيل حقوقنا، ليس فقط المدنية إنما ايضًا القومية.
وأكد المحامي عثمان إلى أنّ الحل الأفضل للتحديات التي تواجهنا هو تلاحم ثلاث أضلع للمعادلة وهم؛ المستوى السياسي، المستوى الأكاديمي، ومستوى الحكم المحلي.
بدوره، رحب بروفسور أمل جمّال بالحضور مشيرًا إلى أنّ "إعلام" تعمل منذ 5 سنوات مع مجموعة التفكير الاستراتيجي من أجل صياغة مستند يعمل على تشخيص الوضع ويطرح السيناريوهات المحتملة ويهيئ الأرض لإمكانية بناء خطة عمل استراتيجية لمواجهة التحديات التي يواجها فلسطينيو الـ 48.
وأوضح جمّال أنّ الندوة في طمرة تصب في خانة محاولة استشراف وسماع التحديات التي تواجهها جماهيرنا العربية أملا في تحويل تلك التحديات إلى مجموعة التفكير للتعامل معها.
وتطرق جمّال إلى وثائق التصور المستقبلي مشيرًا إلى أنها تحدثت عن المنشود إلا أنها لم تتحدث عن الموجود ولم تتحوّل مع الأسف إلى مشروع سياسي من قبل القيادات، فجاء هذا العمل ليشخص الواقع الحالي، ليس من باب البرغماتيّة إنما من باب محاولة اقتناص الفرص المتاحة.
وتطرق بروفسور جّمال إلى أسس نجاح الحراكات المجتمعية والسياسية أين كانت موضحًا أنّ هذه الأسس هي؛ فحص بنية الإمكانيات المتاحة لنا سياسيا وإقتصاديًا، الموارد البشرية والمالية، وقدرة القيادات على تأطير وبناء مشروع سياسي.
كما وتحدث بروفسور جمّال عن نوعية النخب مشيرًا إلى أنّ نخب اليوم مختلفة عن نخب السابق التي كانت ممثلة حمائلية وعائلية اما نخب اليوم فهي ايدلوجية قادرة على بناء مشروع سياسي مثنيًا على انتخاب النائب السابق محمد بركة في رئاسة لجنة المتابعة مؤكدًا أنها خطوة صحيحة في اعادة بناء لجنة المتبعة وإستقراء سبل مواجهة التحديات التي تواجه فلسطيني الـ 48 .
وعودة إلى التقرير الاستراتيجي، قال بروفسور جمّال على أنّ التقرير يعمل على البحث على القواسم المشتركة في مجتمعنا ويستند على فرضية التهميش المزدوج، فمجتمعنا في الـ 48 مهمش على المستوى الإسرائيلي وايضًا على المستوى الفلسطيني.
وأضاف بروفسور جمّال أنّ التقرير المشار اليه يطرح عدد من السيناريوهات ووضع فلسطيني الـ 48 داخل هذه السيناريوهات، منها احتمالية إقامة الدولتين لشعبين وهي إمكانية تضعف في الآونة الأخيرة مع تعاظم حكومة اليمين وأخذّا بعين الاعتبار أنّ أراضي الضفة الغربية (بلغة إسرائيل يهودا والسامرة) تحمل أهمية تاريخية لإسرائيل ليس أقل من منطقة الساحل عليه التنازل عنها إمكانية قد تبدو مستحيلة، وإمكانية إقامة الدولة الواحدة إلا أنّ حينه هوية هذه الدولة غير معلومة، هل الحديث عن دولة ابرتهايد أو فدرالية مع سيادة مشتركة.
كما وأضاف البروفسور جمّال أن التقرير يتطرق ليس فقط لصورة الحل النهائي، إنما ايضًا لطريقة الوصول إلى الحل النهائي، هل هي تصادمية أم أنها عن طريق الحوار والتصالح.
بصيص من الأمل وملاحظات على التقرير
بدوره اكد بروفسور أسعد غانم على أهمية هذا اللقاء، الذي يهدف إلى السماع من الشرائح المجتمعية المختلفة إشراكها في تحديد مسارات الحل المستقبلية موضحًا انّ هذا التصرف مؤشر واضح أننا نتصرف كشعب ونتشارك كلنا في نفس الهم الوطني.
وأختلف بروفسور غانم مع جمّال فيما يتعلق بوثائق التصور المستقبلي مؤكدًا أنها شكلت بوصلة وتوجه للجماهير وأقلقت النظام السياسي في إسرائيل حتى أنّ رد الفعل عليها وصل من قيادة الأمن العام الشاباك.
وقال بروفسور غانم انّ غياب تطور مشروع سياسي بعد وثائق التصور المستقبلي لا يلغي أهميتها ولا ينتقص منها على العكس فهي لا زالت وثيقة موجهة وملائمة لتشخيص حالتنا، وبالأساس تؤكد تشرذمنا وضرورة التكاتف.
وفي قراءة للحالة الحالية، قال غانم أن ما يميز فلسطينيو الـ 48 هو قوتهم، فهم أقوى مجموعة عربيًا، وهذا يبعث الأمل بحد ذاته رغم السوداوية التي تحيط وضعنا والأمل يميزه 5 أعمدة وهي؛ وجود مجتمع مدني قوي يعمل في مجال النضال المجتمعي محليًا ودوليًا؛ التكاتف الذي ابداه الأكاديميون في قراءة الوضع الحالي وخلق تصور مستقبلي، وجود القائمة المشتركة مع كل الملاحظات التي عليها، وجود لجنة متابعة أقوى من الأول ايضًا رغم ما نسمعه من ملاحظات على عملها، وايضًا وجود نخبة أكاديمية خاصة جدًا في مجتمعنا بدأت في الآونة الأخير بالتعاظم في قوتها فالمعطي 25% من طلاب التخنيون هم من العرب مهم جدًا ويؤكد على هذا الأمل.
وأضاف بروفسور غانم متطرقًا إلى القيادة السياسية الإسرائيلية موضحًا أنها مع توجه يميني وستبقى كذلك حتى مع غياب رئيس الحكومة الحاليّ، بنيامين نتنياهو، عن الساحة السياسية، فالحكم سيبقى مع اليمين إلا أن هذا الحكم يتعامل بجدية أكبر مع العرب وتضييق الخناق علينا في مستويات مختلفة مؤشر على تعامل هذه الحكومة مع جماهيرنا العربية.
كما وتطرق بروفسور غانم إلى الالتفاف الشعبي والتضامن الذي تبديه الجماهير العربية مع قضايانا وهو مؤشر انّ جمهورنا اليوم واع أكثر وبحاجة إلى تصويب للمسار النضاليّ.
اما د. يسري خيرزان فتطرق من خلال مداخلته إلى اهم النقاط التي برأيه كان من الهم أن يلتفت إليها التقرير الاستراتيجي وهي؛ تقكك العالم العربي وإسقاطات هذا التفكك على الجماهير العربية فمن غير الممكن أن نشخص حالتنا دون وضعها في السياق العربي العام، كما وأنّ الوضع السياسي الحالي المأزوم لمجتمعنا خلقت حالة ولاءات وعززت أخرى لم تكن موجودة سابقًا وهي بالأساس ولاءات طائفية وأخرى حمائلية، وتطرق د. خيزران إلى غياب الاقتصاد من التقرير فمن الواضح أن المؤسسة الإسرائيلية شخصت حالتنا وطرق تفكيكنا من خلال اغراءات بمخططات اقتصادية أملا في حرف مطالبنا من المستوى القومي إلى المدني، كما وأن التقرير لم يتعامل مع مسألة يهودية الدولة التي تتخطى الرموز والنشيد الوطني اليهودي إلى مشروع قومي صهيوني يهدف إلى توزيع الموارد بشكل مختلف.
إلى ذلك أشار د. خيزران أنّ التقرير ما زال يأخذ بعين الاعتبار احتمالية حل الدولتين مع العالم أن إسرائيل لم تُقام لتتشاطر هذه الأرض مع أي شعب آخر، وكل الحديث عن حل الدولتين، حتى في صفوف اليسار هو مؤقت فقط للوصول إلى "إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين".
كما وأنتقد د. خيزران الفرضية أن قيام الدولة الفلسطينية قد تحل وتساهم في مواجهة التحديات التي يعاني منها فلسطينيو الـ 48، مضيفًا انتقاد آخر أنّ معدي التقرير هم ذات المجموعة النخبوية المستثنية لفئات المجتمع الأخرى، مؤكدًا ايضًا على استحالة التوصل إلى قواسم مشتركة في واقع القطبية فيه واضحة والفجوات واسعة منها الفجوة بين العلمانيين والمتدينين.
مقابل النقد على التقرير قال د. خيزران انّ التقرير يقرأ بصورة صحيحة الواقع الاجتماعي وضرورة بناء تصور اجتماعي للخروج من المأزق ومواجهة التحديات.
وانتهت الندوة بمداخلات قدمها المشاركون في الحوار حيث أكدوا على أهمية التقرير وعلى ضرورة أخذه بعين الاعتبار عدد من النقاط المهمة وهي؛ أن التشخيص الذي عرض لم يعرض بصورة مفصلة سبل الحل وهنالك حاجة للعمل عليه أخذًا بعين الاعتبار أن حل الدولتين هو الأمثل في هذه الحالة.
بقي أن نشير إلى أنّ مركز "إعلام" يرعى مشروع التفكير الاستراتيجي ويقدم له الخدمات اللازمة لإنجاحه، هادفاً الاستمرار في تحليل التحديات التي يواجهها المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل من أجل تقديم اوراق عمل متخصصة، تهدف الى تدعيم المجتمع العربي وتساعد في تنجيع دور القيادات العربية في التأثير السياسي والاجتماعي، من اجل تحقيق التجاوب من قبل كل الاطراف المعنية بما في ذلك مؤسسات الدولة مع احتياجات المجتمع وعلى رأسها القطاعات الشابة.
[email protected]
أضف تعليق