ضمن فعاليات احتفالها بعيد ميلادها الـ47 أجرت مجلة هالو البريطانية هذا الحوار مع الملكة رانيا ملكة الأردن بعد أن صحبتها فى سلسلة من نشاطاتها لخدمة المرأة والطفل، وبعد أن منحتها وسائل الإعلام لقب ملكة التواصل الاجتماعى لقدرتها على التواصل مع الجميع عبر الإنترنت والفيس بوك وإنستجرام.
تزوجت الملكة رانيا الملك عبدالله عام 1993 وأنجبت 4 أولاد أكبرهم الأمير الحسين 22عاما والأميرة إيمان ثم الأميرة سلمى والأمير هاشم، واستطاعت بحضورها القوى فى المحافل العربية والدولية دعم الطفل والمرأة وتطوير التعليم ثم قضايا دعم اللاجئين ومكافحةالإرهاب.
-ماشعورك بعد تخرج ابنك الأكبر من الجامعة؟
طالما افتقدت عبدالله أثناء دراسته فى جامعة واشنطن - جورج تاون ولكن بعد عودته إلى الوطن أشعر بأنه أضفى المزيد من الحيوية على القصر، لكن سرعان ما رحلت شقيقته (إيمان 17عاما) للدراسة فى نفس الجامعة.
-ما نصيحتك الأولى لأبنائك فى حياتهم العملية؟
أركز دائما على البنات (إيمان وسلمى) بضرورة الاجتهاد فى دراستهما وتنمية قدراتهما العقلية والانفتاح على كل الثقافات مع الالتزام بثقافتهما العربية وتراثهما الوطني.
-لماذا تركزين كل نشاطاتك على قضايا التعليم؟
لأن التغيير لايكون إلا ببناء الإنسان، والتعليم هو أداتنا لبناء إنسان قادر على التغيير، كما أن المعلم له تأثير كبير على عقل وروح الجيل القادم والعلم سلاح هذا الجيل لتحقيق إنجازات الوطن.
-لماذا تحرصين على اصطحاب الأميرة إيمان فى النشاطات الخيرية؟
التواصل والعطاء سمة الهاشميين، يتوارثونها أبا عن جد. ولهذا أشجع على أن يرافقني أبنائي فى النشاطات التى فيها تواصل مع أبناء الوطن، لتنمى فيهم الإحساس بالمسئولية تجاه مجتمعهم وأبناء وطنهم وشعبهم. كما أعتقد أن تدريب الأطفال على الإيثار والعطاء والمشاركة والإحساس بالمسئولية الاجتماعية نحو الآخرين ووطنهم واجب علينا جميعا.
كما أن الانخراط فى العمل العام من أجل الغير، سيشعر الطفل وبالتالى الفرد، بأن مجتمعه جزء من مسئوليته، وهو أمر فى غاية الأهمية، وأتمنى أن يكبر كل طفل أردنى وهو يؤمن بأن لديه ما يعطيه، وأن ما لديه ذو قيمة وإضافة لنفسه ومجتمعه، وعلى رأس العطاء الوقت والهمة.
-تمر شعوب المنطقة العربية بأوضاع أمنية وسياسية صعبة، كيف تقيمون واقع التعليم والمدارس فى الدول العربية التى تعانى حالياً من الحروب؟
للأسف الوطن العربى يتمزق من الداخل، والأطفال هم الضحايا لأنهم الأكثر تأثرا بالصراعات وعدم الاستقرار الأمنى والمعيشى. هناك مئات الآلاف من الأطفال العرب خارج المدارس بسبب النزاعات والتشرد واللجوء وانعدام الأمن. فعلى الرغم من أن التعليم أولى ضحايا الحروب والنزاعات إلا أنه من آخر أولويات إعادة الإعمار.
وما بين الدمار والإعمار ينشأ جيل ممزق وغير مؤهل، وبالتأكيد لن يكون قادرا على النهوض بوطنه على أسس متينة. للأسف، الحروب تعود بالأوطان عادة إلى نقطة الصفر، وتتركها دون الأدوات اللازمة لإعادة إعمارها. فالتعليم هو الأداة الرئيسية لتأهيلهم ليواجهوا تحديات الواقع، وتمكينهم من إعادة إعمار أوطانهم بعد أن يعم السلام فيها، أو يعودوا إليها من تشردهم أو تهجيرهم.
-لاشك فى أنّ المملكة الأردنية قد استضافت عددا كبيرا من النازحين واللاجئين فى السنوات الماضية، فما الخطوات الإنسانية التى حرصتم على القيام بها فى هذا المجال؟
الأردن لدول الجوار هو السند الذى يمكن الاعتماد عليه فى كل الظروف رغم صغر حجمه وقلة موارده. فهو يعمل جاهدا لاستيعاب من يلجأ إليه، ولم يبخل الأردنيون على أشقائهم بشيء يستطيعونه.. فتحنا أبوابنا وتشاركنا مع اللاجئين فى قوتنا ومواردنا ومدارسنا ومستشفياتنا. فبلدنا هو الملاذ الآمن فى محيط مضطرب وهو بحمد الله استطاع أن يغير واقع الملايين من النازحين والمهجرين بمنحهم فرصة العيش بأمان، وهذا حال الأردن منذ عقود ومع كل من قصده..ولكن كثافة اللجوء السورى تستنزف قدراتنا، فالوجود السورى فى الأردن يشكل أكثر من 20% من عدد السكان ويتشاركون مع الأردنيين فى كل شيء فى بلد ضعيف الإمكانات أصلا.
وبالتأكيد، وصلتنا تبرعات ومساعدات، لكن مازال هناك عجز كبير فى التكلفة التى قدرتها الأمم المتحدة لتغطية تكاليف استضافة اللاجئين فى الدول المضيفة. أى أن هناك عجزا واضحا فى العطاء الإنسانى. فاحتياجات الدول المضيفة لسداد نفقات استضافة اللاجئين تفوق عطاء المنظمات والدول المانحة بكثير، رغم أن الدول المضيفة تنهض بهذه المسؤولية الكبيرة والمكلفة نيابة عن الإنسانية عموما.
- شاركت مؤخراً فى عدة مسيرات داخل الأردن وخارجها ضد الإرهاب، فما موقفكم اليوم من الإرهاب، وكيف تسهمون سلمياً وإنسانياً فى محاربته؟
المشاركة فى تلك المسيرات تأكيد لموقفنا الداعى لضرورة توحيد الصفوف مع المجتمع الدولى لمقاومة الإرهاب والتطرف، ووقفة دفاع عن ديننا الحنيف وقيمنا الإنسانية المشتركة، والتى فى صلبها احترام قدسية الحياة وتقبل الاختلاف. فالأردن كان وسيظل بإذن الله أنموذجا يحتذى به على التعايش والسلم. وقد زاد إصرار الأردن على محاربة الإرهاب واجتثاثه بعد استشهاد البطل معاذ الكساسبة بشكل وحشى على يد المجرمين الإرهابيين، فكان لذلك الجرح الدامى والعميق أكبر الأثر فى نفوس الأردنيين جميعا.
-اهتمام جلالتكم بالعمل الإنسانى شمل كافة جوانب المجتمع الأردنى بما فى ذلك رعاية الأيتام والعجزة، وحماية الأطفال، ودعم المعلمين والتلاميذ، والاهتمام بالبيئة.. هل من مشروع إنسانى آخر تعمل جلالة الملكة رانيا على تنفيذه؟
معظم المبادرات التى قمت بها أو أعمل عليها تندرج تحت هدف واحد وهو:إعطاء الفرص، لإيمانى بأن تكافؤ الفرص هو الوسيلة الأنجح لتمكين المجتمعات بطريقة مستدامة.
لهذا أركز على التعليم باعتباره العامل الأكثر تأثيرا والقادر على تغيير حياة الفرد بشكل جذرى وهو اللبنة الأولى لحياة كريمة.
وقد أثبتت التجارب أن النقلات النوعية للفرد أو حتى المجتمع تحدث عادة حين تلتقى الحاجة بالفرصة.
واليوم نحن فى أمس الحاجة لتعليم نوعى فى العالم العربى كله؛ وفرصتنا هى التعلم عبر الإنترنت. للارتقاء بالمعرفة العربية، والنهوض بكوادرها.
ولهذا أطلقت العام الماضى منصة «إدراك». وهى منصة عربية إلكترونية غير ربحية للمساقات المفتوحة. تم تطويرها تحت اسم إدراك بالشراكة مع «إد إكس» وهى المؤسسة المختصة فى هذا المجال التى أقامتها جامعة هارفارد ومعهد ماسشوستس للتكنولوجيا. وتحوى فرصا تعليمية يحصل المتعلم على شهادة عند إتمامها. وهذه الفرص إما تم تطويرها باللغة العربية بالتعاون مع أفضل الأكاديميين العرب، أو تمت ترجمتها للعربية. وهناك أيضا دراسات قصيرة الأمد يقوم عليها محترفون وخبراء عرب فى مجالات مختلفة من الفنون والعلوم.
فالتعليم النوعى المفتوح والمتاح عبر الإنترنت قادر على الوصول إلى ملايين العرب فى الوقت نفسه ومجانا. ويمكنه تقديم حلول سريعة وفعّالة لتعليم الفكر الخلاق والمهارات المهنية التى يتطلبها سوق العمل من الخريجين، ولا توفرها نظم التعليم العربية الحالية حتى فى أحسن حالاتها.
-من الواضح أنّ العمل الإنسانى يستأثر بالكثير من وقتك، أفلا يؤثر ذلك على الوقت الذى تمضونه مع العائلة؟
لكل شيء ثمن، وحالى مثل أى امرأة عاملة تحاول أن توفق بين عملها وواجباتها الأسرية. لكن يظل وقت العائلة هو الأولوية. ومن ناحية أخرى أعتبر عملى من أجل مجتمعى واجبا وجزءا كبيرا من حياتى وأشعر بالمسئولية الكبيرة والرغبة لإنجازه. فقد أنعم على سبحانه وتعالى حين وضعنى فى مكان أستطيع من خلاله التأثير فى حياة الناس، لكن مع المقدرة تأتى المسئوليات. وأولادى لم يعودوا أطفالا صغارا، وهم يقدّرون الأعمال التى أقوم بها، بل ويحرصون على المشاركة فى كثير منها.
فحين كانوا صغارا كان من الضرورى تخصيص الوقت الأكبر لهم، لكنهم الآن مشغولون بدراستهم وأصدقائهم. ابنى الكبير الأمير الحسين بن عبدالله ولى العهد تخرج من الجامعة ويستعد للحياة العملية، والأميرة إيمان التحقت بالجامعة.
-حظيت بلقب «ملكة التواصل الاجتماعي» فكنت أول ملكة فى العالم تطلق صفحات خاصة بها تكتب وتتواصل من خلالها عبر الإنترنت مثل فيس بوك وتويتر وإنستجرام أيضا... ما الذى دفعكم إلى ذلك مع أنها خطوة قد يراها البعض جريئة لملكة؟
ربما رآها البعض جرأة فى حينها، لكن الآن أصبح الإنترنت ومواقع التواصل أبرز عناصر التواصل العصري، التى يستطيع من خلالها الفرد الاطلاع على كل جديد، والمشاركة بالحوار وتقديم نفسه للعالم. ومن خلال هذه الأدوات أشعر بقربى من الآخرين وبقربهم لى ويكسر الكثير من الحواجز.
ومن خلال التواصل عبر هذه المواقع، أدركت أهمية المشاركة فى الخبرات والأفكار، وعلى الرغم من أنى مازلت أتفاعل من خلال جميع صفحاتى وجدت إنستجرام طريقة سهلة وخفيفة لأشارك أصدقائى وعائلتى الكبيرة بالأشياء التى تهمنى وببعض ما أقوم به خلال يومي، ولأقدم لهم المملكة الأردنية الهاشمية، وجمالها وأهلها المميزين ليروا الأردن بعيني، والصورة تغنى عن ألف كلمة كما يقال.
[email protected]
أضف تعليق