لم يولد تنظيم داعش من أجل أن يموت. كما أنه لم يخلق فجأة. صحيح أنه انتشر بشكل سريع منذ ظهوره في العراق عقب خروج الأميركي من البلاد، لكنه كان امتدادا طبيعياً لتنظيم "دولة العراق الإسلامية" الذي انصهر في داخله عشرات التنظيمات الجهادية ذات المنشأ العراقي الصرف، جنباً إلى جنب تنظيم "التوحيد والجهاد" الذي أسسه الأردني أبو مصعب الزرقاوي في العراق.

الظروف التي نشأ فيها التنظيم وترعرع في أحضانها لم تتغير بل تعمقت. وهذا ساعده على تعزيز وجوده، مستفيداً من الإضطرابات السياسية والإقتصادية والإجتماعية الحادة التي طبعت المجتمع العراقي منذ بدء الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003.

أين يذهب داعش؟

من هذا المنطلق من المبكر الإجابة على سؤال أين يذهب داعش بعد استعادة الموصل والرقة ربطاً ببعض التصريحات المتفائلة عن اقتراب القضاء عليه. داعش يتمدد دون أن يغادر المنطقة. هو حالياً يقيم له مناطق نفوذ واسعة في شمال سيناء ودول الساحل الأفريقي، لكن التمركز الأهم له هو في ليبيا. وهو يسعى لتحويل ليبيا إلى نقطة ارتكاز للتوجه منها نحو أوروبا شمالاً وباتجاه عمق القارة الإفريقية جنوباً.

لا يؤدي داعش لعبة لصالح طرف خارجي. هو أيديولوجية فكرية متكاملة. ومن غير الواقعي اختزال ظاهرته باعتباره صنيعة مخابراتية صرفة. ربما تمّ توظيفه أو استخدامه لمآرب ومصالح لم يسع هو لها ولا هو على علم أنه موظف فيها. والمطلع على المراسلات بين قيادات القاعدة وقيادات داعش خلال عملية الانفصال التي تمّت بين التنظيمين يتأكد أن كل التنظيمات مخترقة، وإن بدرجات متفاوتة. وتؤكد القاعدة حالياً أن تنظيم داعش مخترق من رأسه إلى عمقه.

"الإشباع الإيديولوجي"

من الناحية الإيديولوجية لم يستقر تنظيم داعش حتى الآن، بخلاف تنظيم القاعدة الذي وصل مرحلة "الإشباع الإيديولوجي" واستقرت مفاهيمه واتضحت رؤيته. تنظيم داعش متفوق على القاعدة عسكرياً وتجنيداً وإعلامياً لكنه ما زال يستعير أدبيات منظري القاعدة. هو يتطور أيديولوجياً، وليس بإمكاننا التنبؤ بالمستوى الإيديولوجي الذي قد يصل إليه أو يستقر عنده. لكنه مقارنة بالقاعدة فهو يزداد تطرفاً سلوكياً مع افتقاره الواضح للمنظرين الشرعيين المستقلين تماماً عن العباءة "القاعدية".

ويغلب على ظني، أنه سيصل إلى العقيدة نفسها التي حملها تنظيم "الجماعة المسلمة" بقيادة شكري مصطفى في مصر خلال السبعينيات من القرن المنصرم، وهو التنظيم الذي يُعرف إعلاميا بـ"التكفير والهجرة". أي إن فكره سيصل إلى المفاصلة التامة بينه وبين من هو خارج رحمه التنظيمي. فـ"المسلم" فقط من هو مبايع لـ"دولة الخلافة" وما عداه فإما مرتد أو كافر. حتى اللحظة لم يبلغ التنظيم هذا المستوى الإيديولوجي لكن المراقب لصيرورة تطور التنظيم المفتقر لعلماء دين، في ظل هيمنة الجسم العسكري عليه لا يستبعد أن يصل التنظيم إلى هذا المستوى. وعند وصول التنظيم إلى هذا المستوى الإيديولوجي سيتدمر داخلياً، بحيث سينشطر إلى تنظيمات تتقاتل في ما بينها كما تقاتل غيرها. وفي حال بقي التنظيم مسيطراً على بقعة من الأرض ينطلق منها ويقود خلاياه وفروعه، سيبقى متماسكاً إيديولوجياً. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]