تقدّمت الحكومة الإسرائيلية أمس، الأحد، بخطوة إضافية في شرعنة قوانين الابرتهايد التي بدأت فيها حكومة اليمين منذ أن استلمت الحكم، حيث صادق المجلس الوزاري المصغر على مشروع قانون يهدف إلى تقييد المنظمات الحقوقية اليسارية، وبالذات العربية، من خلال إلزامها بكشف مصادر تموليها من الخارج ووصمها بعلامة معينة عند دخولها إلى "الكنيست" الإسرائيلي في خطوة قد تذكر عدد كبير من الإسرائيليين بالنظام النازيّ الذي قام بتوزيع شارات صفراء على اليهود بهدف عزلهم عن بقية السكّان.

وأثار قرار المصادقة على مشروع القانون حفيظة عدد كبير من الإسرائيليين، لا سيما في أوساط اليسار، حيث أعتبرته منظمة "كسر الصمت"، التي تُعنى بكشف انتهاكات الاحتلال في فلسطين المحتلة عبر نشر شهادات من جنود خدموا في المناطق المحتلة ونفذوا تلك الإنتهاكات، "محاولة بائسة من الحكومة لحرف مسار النقاش الجماهيريّ الأخير عن شرعية عمل منظمة كسر الصمت"- حد تعبيرهم.

كما واعتبروه "محاولة للتستر على جرائم اليمين بعد أن نشر فيديو الدم الذي يظهر من خلاله نُشطاء اليمين من فتية التلال يرقصون ويرفعون صورة عائلة دوابشة، التي أحرق 4 من أفرادها أحياءً، ليقوموا بحرق الصور مجددًا مباركين للعملية"!.

وسارع نواب اليسار الصهيوني الإسرائيلي إلى التنديد بمشروع القانون موضحين أنه يستهدف دول اوروبية داعمة لإسرائيل تهدف إلى دفع مسيرة السلام من خلال العمل على فرض تسوية سياسيّة وإنهاء الاحتلال خاصةً دول الإتحاد الأوروبيّ. وشكك نواب اليسار بفرضية الشفافية التي تدعيها مُقترحة القانون، وهي وزيرة القضاء ايليت شاكيد من "البيت اليهودي"، المعروف بتطرفه وعدائيته للعرب، مؤكدين أنّ القانون يلزم المنظمات بكشف مصادر تمويلها من الدول الأوروبية فيما لا يلزم السياسيين بكشف مصادر تمويلهم من أفراد تحركهم مصالح داخلية، وهي ظاهرة منتشرة أكثر في أوساط اليمين.

كما وفنّد اليسار الصهيوني إدعاء اليمين بأن القانون هو نسخة مشابه لقانون تسجيل المنظمات الأجنبية الأمريكي FARA، وهو قانون أمريكي يُلزم تسجيل كل الأفراد والمنظمات التي تعمل نيابة عن مصالح أجنبية، موضحين أن القانون المذكور يتيح للدول الأوروبية أن تنشط على الساحة السياسية الأمريكية في حين أنّ الدول الأوروبية الممولة لمنظمات اليسار لا تتدخل في أجندتها أو تحاول التأثير عليها.

وكخطوة احتجاجية قام زعيم المعارضة الإسرائيلي، يتسحاك هرتسوغ (المعسكر الصهيوني)، اليوم بالتنقل في أروقة "الكنيست" لابسًا شارة مكتوب عليها "اليهودي لا يقوم بوصم يهودي آخر"، في إشارة منه إلى النازية.

المحامية بشارة: الهدف، اذلال المؤسسات الحكوميّة 

إلى المنظمات اليسارية الإسرائيلية انضمت منظمات الحقوقية الفلسطينية داخل الـ 48، والتي تُعد المتضرر الأكبر من القانون الذي يستهدفها بشكل أكبر، خاصةً وأنّ معظمها يحصل على تمويل من مصادر فلسطينية، واعتبرت المحامية سهاد بشارة، مديرة المركز الحقوقي "عدالة" الذي يهتم بالمرافعة القانونية عن فلسطيني الـ 48، انّ القانون وإن كان "يفرض على المنظمات إظهار شارات خاصّة تمييّزها بسبب تلقّيها تمويلًا من دولٍ أجنبيّة إلا أنه في الحقيقة يمييزهم على خلفيّة عملهم، آراءهم، مواقفهم وهويّتهم".

وقالت المحاميّة بشارة أنّ "هذا القانون لا تُشبهه إلا قوانين أنظمةٍ إجراميّة عرفها التاريخ، وهو لا يسعى إلا لإذلال المؤسسات الحقوقيّة والتحريض ضدها".

وأضافت "قانون وصم الجمعيّات يهدف بالأساس إلى استمرار الاحتلال وجرائم الحرب والتمييز العنصريّ، دون أي اعتراضٍ أو مناهضة من منظّمات حقوق الإنسان".

المحامي علي حيدر: انزلاق سريع نحو الفاشية 

بدوره قال المحامي الناشط في القضايا الحقوقيّة علي حيدر، وسبق أن شغل منصب عدد من المؤسسات الحقوقية "أن تشريع القانون هو خطوة عنصرية ويقوض أسس النظام الديمقراطيّ الذي تدعيه إسرائيل".

وأضاف "لا يهدف هذا المشروع تحقيق الشفافية وإنما إلى كم الافواه والتستر والتكتم على ما يقوم به الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، والحكومة ضد المواطنين العرب الفلسطينين داخل الـ48".

وأوضح المحامي حيدر بحكم خبرته "إضافة الى ما ذكر، فأن أغلب الجمعيات تنشر مصادر تمويلها وتعرضها على مسجل الجمعيات والمعلومات متوفرة على شبكة الأنترنت".

وقال "رئيس الحكومة الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأعضاء حكومته يتلقون تمويلا من الخارج؛ لا بل هنالك صحف ووسائل اعلام ممولة من قبل عناصر يمينية اجنبية وجدت لخدمة نتنياهو وحكومته. عليه، فإن هذه الخطوة، بالإضافة الى حظر الحركة الاسلامية ومؤسساتها الاهلية، تهدف الى ضرب المجتمع المدني وتكريس نظام الدولة المستبدة المدعيّة للديموقراطية، لكنها في الواقع تهبط بسرعة نحو الفاشية مدفوعة بماكرثية متعفنة".

الحقوقي محمد زيدان: استمرار في ممارسة الإنتهاكات دون المحاسبة 

بدوره قال الناشط الحقوقي محمد زيدان، مدير المؤسسة العربية لحقوق الإنسان "القضية في التعديلات الجارية على قانون الجمعيات ليست قضية إجرائية فحسب، بل تأتي في سياق المرحلة التي تمر بها السياسة الإسرائيلية الرسمية – وتتماشى مع العنصرية والفاشية ألآخذه بالتوسع في المجتمع الإسرائيلي، وتتسم بالعمل على قوننة وتشريع كافة الأفكار السياسية الفاشية المعادية لمفهوم الديمقراطية الغربية – التي تحب إسرائيل أن تتغنى بها دون الالتزام بها – ونقل هذه الأفكار من حيز الرأي العام العنصري إلى حيز القانون الرسمي العنصري!".

وأضاف "هي بالواقع تضييق لإطار "الديمقراطية"- الضيق أصلاً - ورسم معالمه وحدوده بما يتماشى ومعايير "الدولة اليهودية" – التي تذكر بهذا القانون بالدول الفاشية التي تتستر بمبدأ "السيادة وعدم التدخل" كي تمارس انتهاكاتها لحقوق الإنسان دون أن تقع في طائلة المحاسبة والمسائلة الدولية – خاصة في قضايا جرائم الحرب والاستيطان - الآخذة بالتوسع شعبيًا سياسيًا وقانونيًا في مختلف دول العالم، من خلال حملات المقاطعة لإسرائيل، وزيادة الدعم والتفهم لنضال الشعب الفلسطيني للحرية والعدالة."

ورغم تشخيص الحالة التي قام بها الحقوقيون إلا أنهم لم يتطرقوا إلى سبل مواجهة مشروع القانون المطروح مما يؤكد أنّ مسار تشريعه سيمر دون عقبات في المستقبل القريب. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]