كانت الخلافات والمشاكل الناشبة بين الناس في الداخل الفلسطيني، كما في معظم بقاع العالم العربي، كانت تحتكم الى الصلح العشائري القائم على العادات والتقاليد والأعراف والمواريث، إلا أن اتساع رقعة البيئة الاجتماعية، والتطور التكنولوجي والعلاقات الإنسانية التي تربط بين الناس زادت وتطورت، وأضحت غالبية الخلافات مادية تتبع المصلحة الشخصية ، ما يتطلب من رجل الإصلاح الذي توكل إليه مهمة التوفيق بين الأطراف أن يكون على قدر من التنور والتروي، لإيصال الطرفين المتنازعين إلى حل يُضمد الجراح ويثلج القلوب بمشاعر الألفة، لكن في السنوات الاخيرة اتسعت ظاهرة العنف واستشرت بشكل غير طبيعي ، والسؤال، لماذا تقزم دور جاهات الصلح في مجتمعنا ؟ ما الاسباب؟
تمرد البعض على هذا الموروث
الكاتب محمد علي طه الذي خاض تجربة ومشوارا طويلا في جاهات الصلح حتى قبل سنة واحدة، قال: في السابق كان هنالك دورًا بارزًا لجاهات الصلح في مجتمعنا، لكن في السنوات الاخيرة بدأ التراجع الكبير في دور هذه اللجان لعدة اسباب ومنها، أن لا عنوان حقيقي داخل العائلة للتعاطي معه، حيث تفككت العائلة في مجتمعنا القروي، ونلمس جيلا متمردا وشريحة كبيرة من شبيبة اليوم لا تعطي وزنا وقيمة لجاهة الصلح .
وتابع طه: في السابق كانت جاهة الصلح تفرض "هدنة" بين الاطراف المتنازعة ومن ثم تباشر في رأب الصدع واصلاح ذات البين بين الاطراف، أما في زمننا هذا فقد "تمرد" البعض على جاهات الصلح واحيانا يوجهون اتهامات باطلة لهذه الجاهات على انها غير محايدة وفي الحقيقة هذا الامر بعيد كل البعد عن الحقيقة .
على المتابعة ان تبادر لانتخاب لجنة صلح قطرية
وتابع طه: يبدو ان التطور التكنولوجي والانفلات الاجتماعي والتربية الغير سليمة أدت بالتالي الى تقزيم دور جاهات الصلح، ففي الماضي البعيد كان حادث قتل في مكان ما يثير السخط والغضب في كل المجتمع العربي، أما اليوم فحوادث القتل تحدث بشكل يومي تقريبا في مجتمعنا وكأن الامر اصبح عاديا وروتينيا، أي هناك حالة لا مبالاة في مجتمعنا، من جهة اخرى فقد تغير الزمن وكل رجال جاهات الصلح المشهورة كالشيخ صالح خنيفس ويحيى محمد علي وغيرهم ممن كان لهم تأثير مباشر في مجتمعنا وكانوا اصحاب رأي ومشورة، هذه الشخصيات المرموقة والتي كان لها دور بارز في اصلاح ذات البين في مجتمعنا اصبحوا في خبر كان دون وريث.
وختم طه: لا شك ان الوضع صعب جدا في مجتمعنا، لذلك لا بد من اعادة دور لجان الصلح من خلال التعاون مع السلطات المحلية واقترح على لجنة المتابعة ان تبادر الى اقامة لجنة صلح قطرية واسعة تعيد الأمل والثقة لمجتمع اصابه التمزق.
ما زلنا نسعى لإصلاح ذات البين في المجتمع
بدوره فقد قال رئيس لجنة الصلح العشائرية في مدينة الطيبة زياد جبارة: لا شك اننا نعيش في زمن غير ذي زمن، لكن والحمد لله ما زلنا نعمل على اصلاح ذات البين بين الناس وما زالت شريحة كبيرة في الطيبة تحترم عملنا وتسمع كلمتنا .
وتابع جبارة: بدون ادنى شك فقد طغت المادة على غالبية مجتمعنا، وهذا الامر له تأثير سلبي في تعاملنا مع هذه القضايا، لكن بالمجمل العام يمكن القول اننا ما زلنا نسعى وننجح في اصلاح ذات البين بين الاشخاص او العائلات المتنازعة من خلال الحكمة والاساليب الترغيبية في تهدئة الاوضاع.
وختم جبارة: لا يمكن قياس هذه الفترة بالفترات الماضية، فاليوم اصبح التطور الحضاري والتكنولوجي والعدو وراء المادة بكل الاساليب سببا هاما في ارتفاع ظواهر الجريمة والربا وغيرها من الظواهر السلبية، وذلك بعكس ازمنة ماضية، فيها كان الصغير يحترم الكبير وكان الطالب يحترم المعلم، فهذه القيم اصبحت تقريبا هامشية في مجتمعنا ولا وزن لها وهذا بطبيعة الحال يعود للتربية البيتية اولا وأخيرا.
[email protected]
أضف تعليق