تداول مؤخرًا رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديوهات ومنشورات، تكشف ويظهر من خلالها، أعمال عنف بحق الأطفال والقاصرين، في ظل الظروف السياسية والأمنية التي تَمُر بها البلاد، وخاصة الأطفال المقدسيين، ونخص بالذكر، الطفل أحمد مناصرة الذي تعرض لشتى أنواع العنف الجسدي، والكلامي والنفسي، والتي من الأكيد لها تبعات سلبية تؤثر عن نفسيته ونشأته.
وفي الوقت ذاته، ما هو التأثير النفسي الذي ينتج عند مشاهدة الأطفال والقاصرين لهذه الفيديوهات المنتشرة عبر صفحات التواصل الاجتماعي والوسائل الإعلامية، وما هو رأي المختصين في هذا الجانب؟
تُشير المختصة النفسية العلاجية رنا شهاب- نعرة، خلال حديث خاص " لبُـكرا"؛ أن الأمر ينقسم إلى جزأين، الأول؛ كيف يتأثر الأطفال بمشاهد الاعتقال والعنف وفقدان الأمان في البيئة الخارجية أو المحيطة بالحياة اليومية، وكيف يؤثر عليهم العنف ذاته للمدى البعيد؟
مع واجب الإشارة إلى أن التطور السليم للطفل، مرتبط في أن ينمو في إطار بيئة سليمة وآمنة، والأمر يبدأ من حيّز العائلة بالدرجة الأولى- الأم والأب، والمجتمع في الدرجة الثانية.
وتابعت: " يعاني مجتمعنا من ظواهر العنف، والفوضى وعدم النظام، وهذه الأمور أساسية ومؤثرة على نمو الطفل، ومن الواجب تحقيق الأمن والأمان للطفل في البيت والمجتمع- مجتمع خالٍ من العنف، في الحيّز القريب من مسكنه، وهو أمر أساسي كي ينضج بشكل صحي وطبيعي، مع التركيز على العلاقة السليمة مع الأهل.
يجب مراقبة المحتويات التي يتلقاها الأطفال
وتؤكد شهاب: ما يحدث اليوم، أمر جدًا مركب، لأن الطفل بالدرجة الاولى يشعر بما يحدث حولة عن طريق الاهل ومن ثم البيئه الخارجيه, مثل ان يشاهد هذه الفيديوهات في الكثير من الأحيان، بوجود الأهل، ودون توجيه صحيح منهم لتفسير، هذه الفيديوهات لهم، والتي ليس من المفروض أن يروها.
في الكثير من الأحيان تصل هذه الفيديوهات للأبناء، دون إرادة أو معرفة الأهل، بسبب سهولة انتشارها عبر مواقع التواصل الاجتماعي- مثلما أشارت، ودون وجود مراقب أو شريك له في المشاهدة يفسر له الأحداث التي يراها.
وتابعت: الأطفال من خلال هذه الفيديوهات يرون مشاهد تفقدهم الشعور بالأمان، ويترجمها الطفل بلغته فقدان للأمان ( العالم حولهم مفزع، العالم الخارجي مخيف، التخوف من أذى الآخرين)- وبالذات أننا نتواجد في مجتمع متنوع ومتعدد اللغات والقوميات، وينتابهم الشعور بالخوف من الشخص المختلف مثلا عند سماع شخص يتكلم لغه اخرى أو عند المرور بجانب رجال شُرطة أو الجنود " عالم غريب عن الطفل"، الشخص المختلف يبعث للطفل الشعور بالخوف وعدم الأمان.
مُشيرة إلى عوارض هذا الخوف التي تظهر على الأطفال تكون " أرق في النوم، هلع لدى الأطفال، وشعور بدقات قلب سريعة، الالتصاق بالأهل، وربما يسبب تبول لا إرادي لدى الطفل". مشاهدة هذه الفيديوهات القاسية، تؤدي إلى تراجع الطفل لمرحلته الأولى من التطور، " العودة إلى الخلف" ("regretion")- في المصطلح العلمي.
كيف نحُد من تأثير الفيديوهات والمشاهد على الطفل؟
وردًا على سؤالنا أجابت شهاب: " المسؤولية تعود في الأساس على الأهل، يجب عليهم البحث في كيفية التخفيف من مظاهر العنف هذه عن الطفل.
وتجدر الإشارة إلى أن المسؤولية تبدأ، بعدم تواجد الأطفال مع الأهل خلال مشاهدة النشرة الإخبارية ومتابعة أحداثها التي في الكثير من الأحيان ترصد مشاهد العنف.
كما ويتوجب على الأهل عدم إبداء اهتمام من قبلهم أو الانشغال الزائد أمام الأطفال في متابعة الأحداث، واستخدام عبارات مثل " قتل، إصابة، جروح".
نصيحة إلى الأهل..
وبدورها كمختصة نفسية، أسدتْ شهاب بنصيحة للأهل، قائلة: " في حال كان الجوّ العام محسوس لدى الطفل، ولديه الوعي بكل ما يحدث حوله، مبديًا اهتمًامًا ويطرح الأسئلة مستفسرًا أكثر عن الأوضاع، يجب على الأهل الرد عليه بالشرح- لكن، دون تزويده تفاصيل أكثر مما يجب، أي على الأهل الاستفسار من أبنائهم ( ماذا يفهم من الأحداث، ما هي الفيديوهات التي شاهدها، ما هو رأي الطفل من الأحداث الجارية). وبعد إبداء رأيه والرد على أسئلة الأهل، يأتي دورهم لتوجيهه والاستفسار حول مشاعره ( خوف، قلق، توتر)، مع واجب الشرح للطفل أن هذه الفيديوهات التي شاهدها بالفعل مخيفة، وطمأنته أن هذه الأحداث بعيدة عنه، وعن البيت، أو الحيّز القريب منه، وتذكيره دائمًا بالأمان والثبات في حياته ومحيطه.
مشاهدة فيديوهات عنف ضد الأطفال
وفيما يتعلق بفيديوهات تعنيف الأطفال المنتشرة عبر الوسائل المتاحة، ردت المختصة النفسية شهاب: " على الأهل، التفسير لأبنائهم، أن التعرض للأطفال وضربهم أمر ممنوع، وهذا خطأ كبير بحق طفولتهم، ويجب أن يُعاقب منفذي أعمال العنف هذه، في المحكمة ومحاسبة المسؤولين عن الفعل، مع التشديد أن هذا التصرف غير مقبول علينا كأفراد ومجتمع.
أطفال القدس
وعن قضية العنف المستخدم ضد الأطفال بالقدس، قالت: هذا الجزء الأصعب، ومن الصعب أيضًا أن نتحدث عن نظريات من دون أن نرتبط بالواقع. مُشيرةً إلى أن الواقع الذي يعيشه المقدسين صعب جدًا نبدأ من المجتمع، وعدم الإنصاف في الحقوق والميزانيات، بالإضافة إلى عدم الإنصاف بوجودهم في بلدهم وفي بيتهم وأرضهم، والأهم، هو عدم شعورهم بالأمان في الحيز الذي يعيشون فيه. وهذا الشعور ملموس أكثر في القدس، عن باقي البلدات العربية في البلاد.
وتابعت: ملامح العنف موجودة في القدس بشتى أنواعها " الاقتصادي، الجسدي، والكلامي، وغيره، وهي متداولة بشكل ظاهرة، وهذا الأمر يصعب على الأهل مَهمة حماية أبنائهم.
وهُنا أرى كوني مختصة نفسية أنه من واجبي أن أقوم بتوعية الأهل، بالرغم من كل الظروف التي تمر عليهم، يجب دائمًا المحاولة لمنع وصول هذه الفيديوهات إلى أبنائهم، أو منع تعرضهم لهذه المواقف، وأن يحاولوا قدر المستطاع إبعاد أبنائهم عن هذه المظاهر.
لكن، إذا هذا العنف، وصل إلى حيّز بيتهم، ومن الصعب منع حدوثه، من المهم أن يشرح الأهل الوضع الحاصل، ومن المهم أيضًا، دفع الأطفال للتعبير عن مشاعرهم، والتعبير عن خوفهم وقلقهم. وعلى الأهل البحث في كيفية إخراج أبنائهم من هذا التوتر، والبحث عن السُبل لحمايتهم، خوفًا من تراكم مشاعر الخوف التي ستُؤثر حتمًا سلبًا عن نفسيتهم.
الأطفال المقدسيون، سُلبت منهم طفولتهم
وأكدت المختصة النفسية رنا شهاب- نعرة، أن ظروف الطفل المقدسي، لا تشبه أي ظروف يعيشها طفل آخر، لأن طفولتهم سُلبت منهم، ومن الصعب مقارنتها، مثلاً، مع طفل يعيش في بلدٍ آمن أكثر، وذلك لأن الاهتمامات والاحتياجات تختلف، فمثلاً الطفل الذي يعيش في بيئة آمنة، اهتمامه سيكون متابعة البرامج التي يحب متابعتها، ومشاهدتها، بينما الطفل المقدسي أهدافه كيف يحمي نفسه، وبيته ويكون بطلاً بالواقع وليس في الخيال، والأطفال بحالتهم الطبيعية يرغبون أن يتشبهوا بأبطال الرسوم المتحركة " سبايدر مان وسوبر مان".
مُشيرةً إلى أن الأطفال المقدسيين وأطفال غزة والضفة، يختلط لديهم الخيال بالواقع ويكون دور البطولة التي يحاول إن يعيشه الطفل بخياله كيف ينقذ أمه، ووالدته وعائلته من الظلم، ويولد لديه تخبط بين الواقع والخيال.
وتساءلت خلال حديثها، " قديه الطفل اللي عايش بالقدس وهو عنجد طفل"، فحسب معاير الطفولة، الصادرة عن الجمعيات والمؤسسات التي تعنى بحقوق الطفل، فإنهم لا يتمتعوا بأدنى حقوق الطفولة.
هؤلاء الأطفال يعانوا من مشاكل نفسية، والتصرف، والانطواء، والاكتئاب، الخوف والهلع، وكل هذه المشاكل تؤثر على نفسيته.
واختتمت الحديث بقولها: " الكبار هم مرآة حياة الأطفال، كيف يتصرف الأهل مع الآخرين، وهُنا أتحدث عن العنف ضد الأطفال، ورد فعل الأطفال بشكل عام، كوننا نعيش في عنف مجتمعي أيضًا.
رد فعل الطفل، يكون نابع من التصرفات التي يربى عليها، أكبر علاج لأطفالنا، هو أن نعالج أنفسنا نحن كأهل، ولا نكون أهلاً دون مسؤولية تجاه أطفالنا، أي عنف يدور في محيط الطفل يؤثر عليه، ويضر به، ويؤثر على شخصيته، وعلينا كمجتمع الاستثمار بأولادنا، من أجل بناء مجتمع صالح، أي عنف في محيط الطفل يضر في نفسيته وتطوره الذهني".
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
شكرًا على المعلومات والتعليق. بالفعل سُلبت الطفولة