نظمت حملة " الى قرانا نعود" التي تطلقها الحركة الاسلامية في الدّاخل الفلسطيني احياءً لذكرى النكبة للعام الثاني على التوالي، يوم أمس السبت، زيارة ميدانية للعشرات من المصورين والمصورات الشباب للقرى المهجرة قضاء مدينة حيفا.
وتأتي الجولة، استمرارا لزيارات عدّة نُظمت خلال الاسابيع الماضية، الى قرى فلسطينية مهجرة، على امتداد البلاد، بمشاركة العشرات من الاهالي والطلاب، برفقة خبراء في الاثار ومرشدين عارفين بتضاريس القرى، في مسعى الى توريث رواية خالية من التشويه، وتثبيت الحق الذي يأبى النسيان.
من عين حوض
وانطلقت الزيارة من قرية عين حوض التي هجر اهلها الى منطقة مجاورة عام 1948، حيث تعرف المشاركون على أهم معالم القرية التي تعد واحدة من ضمن قرى قليلة سلمت من الهدم الكامل، وما زالت اثارها شاهدة على تاريخها.
وحولت عين حوض الى قرية يسكنها الفنانين الاسرائيليين، وتحتوي على متاحف فنون واثار، وقد حافظت بعض منازلها وحواريها على بنائها الاصلي، فيما تعرض اسمها للتهويد والتزوير، حيث يطلق عليها اسرائيليًا قري عين هود.
ويعيش سكان القرية المهجرين على تخومها، في قرية عون حوض التي يسكنها العرب، ويعانون نتيجة التضييق المستمر، وخاصة على صعيد بناء المنازل والتوسع بالعمران، وفق المرشد الاعلامي سمير ابو الهيجاء ابن القرية.
وتعرضت نحو 59 قرية فلسطينية في منطقة حيفا الساحلية الى التهجير، فيما بدأ المشروع الاسرائيلي الرسمي لإزالة آثار هذه القرى والقضاء على معالمها عام 1965.
وقدم مدير وحدة الاثار في " مؤسسة الاقصى للوقف والتراث" عبد الراق متاني خلال فعالية الانطلاق للجولة، التي اقيمت في فناء احد المنازل في عين حوض، شرحًا عن أهم القرى التي تعرضت للتهجير في المنطقة، مشيرًا الى أنها تتعرض الان لمحاولة سرقة آثارها، وحجارة منازلها، لغرض بناء مساكن لأثرياء الإسرائيليين.
وأكّد متاني على أهمية الصورة في توثيق تاريخ القرى الفلسطينية التي تتعرض للنهب الاسرائيبي والتشويه المستمر، مستدلا على مواقف مختلفة، استطاعت الصورة فيها كشف محاولات التهويد، من خلال توثيق التضاريس والاثار، خاصة في منطقة القدس المحتلة.
مشروع وطني
واشار الى أن مشروع تصوير القرى الفلسطينية يعد مشروعًا وطنيًا من الطراز الرفيع، ذلك أن السلطات الاسرائيلية سعت منذ عام 1948 الى تزوير الحقائق وتشويهها، وحاولت خلق صلة تاريخية مكذوبة للإسرائيليين مع بعض المناطق.
ودعا رئيس وحدة الاثار المصورين الشباب، الى الاحتفاظ بقدر من الصور التي يلتقطونها في ارشيفهم الخاص، مؤكدًا على سعي مؤسسة الاقصى للاحتفاظ بهذه الصور وارشفتها، للدفاع عن الحق الفلسطيني، وحفظ القرى من التشويه والتهويد، ومواجهة مساعي تشويه الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني.
واشار في ذات السياق الى أن الصندوق القومي الاسرائيلي اعلن الانتهاء من مشروع لزراعة نحو 100 مليون شجرة عام 1970، لطمس معالم نحو 531 قرية فلسطينية مهجرة.
ودعا الى الحرص على التقاط الصور التي توثق الحياة الاجتماعية لسكان القرى المهجرة، وتلك التي تشير الى هويتها وتاريخها.
وزار المصورون الشباب عدة قرى مهجرة في منطقة حيفا، من ضمنها قرية " صرفند" التي تعرضت للهدم الكامل، ولا يظهر منها الا جزء من منزل قديم، ومقبرتها التي سعت السلطات الاسرائيلية الى تجريفها، ومسجدها الذي تعرض للهدم عام 2004.
ووثقت كاميرات الشبان والشابات، ما تعرضت له مقبرة قرية عين غزال المهجرة من تجريف ومحالات لطمس معالمها العربية، اضافة الى مقبرة قرية جبع وما تبقى منها، فيما كانت آخر المحطات في قرية عين غزال، التي تحتوي على اثار لحمام من العصر الرماني، واثار فلسطيني عريقة تعود للعصرين الاموي والعباسي.
ورافق الشبان والشابات، المعمر الفلسطيني راجح مريسات ابو فرج وزوجته أم فرج، اللذان يعدان من شهود العيان على فصول التهجير والنكبة، تلك الفصول التي رويت على مسامع المشاركين واكملت ما مشاهد الحقيقة في اذهانهم.
وعلى وقع انغام اليرغول التي يعزفها ابو فرج، والفلكلور الفلسطيني العريق، تجول المصورون في انحاء القرى المهجرة واضطلعوا على ما تبقى فيها من آثار.
جمع اكبر قدر من الصور للقرى المهجرة
وقال منسق زيارة المصورين عمر أبو صيام إن "الهدف من تنظيم زيارات للمصورين، هو جمع اكبر قدر من الصور للقرى المهجرة لحفظها في الارشيف والاستعانة بها لإظهار الحق والتأكيد عليه".
واشار الى أن حملة " الى قرانا نعود" ستعمل على " طباعة الصور وعرضها خلال المهرجان الختامي المقرر تنظيمه في 15/5/2015 في قرية إجزم المهجرة قضاء حيفا، ليتسنى للأهالي الاضطلاع على تاريخهم، وتوثيق للحياة الاجتماعية لأجدادهم.
من ناحيتها، قالت الناشطة الشابة يقين غرابا من سكان قرية الرينة قضاء الناصرة إن " الشعور بالمسؤولية والواجب تجاه الوطن، هو الدافع للمشاركة في زيارة القرى المهجرة".
وترى الشابة أن من واجب الجيل الفلسطيني الناشئ التزود بالمعلومات الكافية عن حياة اجداده المهجرين اصحاب الارض، " والاحاطة بتاريخ وطنه، ما تعرض له السكان من تهجير وترويع ابان النكبة".
واشارت الى انها تشارك بدورها كمصورة " من أجل نقل الصورة الحقيقية غير المشوهة للعالم عن تاريخ أرض فلسطين، مستعينة بالطفرة التكنولوجية ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من المنابر المتاحة.
وأكدت الشابة على أهمية الصورة والعدسة في عصرنا الحديث " وفي ظل التطور والانفتاح التكنولوجي، فرب صورة تحمل حكايات كثيرة تصل الى قلوب ووعي المطلعين اكثر من مجلدات مكتوبة عن قرية او بلدة معينة. وكذلك للتوثيق اهمية لبناء وحفظ ارشيف موثق لهذه البقايا فنحن لا نعلم هل ستبقى على حالها بالمستقبل".
ولفتت الى ان دور الجيل الشاب يكمن في " نثبت للمحتل وللجيل القادم ان ارتباطنا بوطننا ليس فقط من خلال الشعارات وخلف الشاشات بل بين الاشجار وعلى اطلال قرانا".
وتعتقد يقين أن مشاركة الفتيات في هذه الفعاليات، تعد خطوة بالغة الاهمية، " على فتيات جيلنا الاهتمام على بناء ثقافتهن ووعيهن الوطني والتاريخ، فعلى كاهلهن تقع مسؤولية تربية اجيال جديدة، وكيف لجيل جديد ان ينبع على الرسوخ والتوثق بالأرض اذا لم يتغذ تلك القيم وكان المنبع جافا وخاليا؟".
وبرزت بين المشاركين، المصورة الطفلة حماس فادي صغير، هي حفيدة لمهجرين من قرية " ميعار" الفلسطينية قضاء عكا.
كشف الظلم
وقالت الطفلة صغير إنها تشارك في جولة التصوير من أجل " ان التقط صورًا يراها العالم كله، ليضطلع على مدى الظلم الذي وقع على ابناء شعبي، ويرانا اجيالا شابة لاجئين في اوطاننا، ونحيا على بعد امتار من ارضنا، ولا يسمح لنا بالعودة اليها".
وكانت الحركة اطلقت حملتها الثانية، من النقب قبل عدة اسابيع، حيث شارك العشرات في زراعة الأشجار، وترميم المنازل والمساجد ضمن فعاليات معسكر التواصل مع النقب العاشر، معلنة استمرار الحملة حتى ذكرى النكبة في 15/5/2015، ومن المقرر ان تختتم الحملة بمهرجان في قرية اجزم على تخوم مدينة حيفا شمالي البلاد.
وتهدف الحملة المذكورة الى تنظيم زيارات ميدانية الى قرى فلسطينية مهجرة على امتداد أرض الوطن، بمشاركة العشرات من المواطنين والمصورين وعدد من اللاجئين الذين ارتبطت حياتهم واسماءهم بتلك القرى.
[email protected]
أضف تعليق