صدر عن دار"الآن ناشرون وموزعون" بعمّان كتاب "مقامات تراثية" للكاتب الدكتور سميح مسعود، وذلك ضمن سلسلة من الكتب التراثية القيّمة التي يعكف مسعود على إصدارها.
وجاء الكتاب الذي يحتوي على صورا ملونة وبأحجام متعددة، وشروحات حول المقتنيات التي جمعها المؤلف منذ الصغر، في148 صفحة من القطع الكبير، مما جعل الكتاب دليلاً مصوراً أظهر المقتنيات الجميلة والمفقودة وبما تتضمنه من نواحٍ فنية وجمالية، وعرّف القارئ عليها ويسعى لترسيخها في ذهنه، عارضا للعديد من المقتنيات حسب اختلاف أنواعها وأشكالها الزخرفية التي أتخذتها.
وتأتي أهمية كتاب "مقامات تراثية" من كونه يعبر عن ذاكرة المكان، فالمقتنيات التراثية قد حظيت بالاهتمام منذ القدم، يتجلى ذلك من خلال اتساع أسواقها وانطلاقاً من وعي الناس لأهميتها الحضارية والثقافية، ومما جاء في مدخل الكتاب على هذا السياق: "فهي جزءٌ أساسيٌّ من الموروثات الماديّة التي تحملُ في طياتِها عبقَ التّاريخ وتفاعلات الزّمان والمكان، وتضمُّ ما تركتهُ الأجيالُ السّالفة من مشغولاتٍ وأدواتٍ وقطعٍ فنيّة صاغتها الأيدي الماهرة بمواد متنوّعةٍ، وفْقَ تراكيب دلالية مميّزة، وزيّنتها بنقوشٍ وتشكيلاتٍ إبداعية غاية في الروعة والإتقان، ولذا فالحفاظُ على هذه القطع الثّمينة، سواء في المتاحفِ أو المعارضِ أو في البيوت، يشكّلُ ذخيرةً معرفيةً وحضارية، وجزءاً لا يتجزّأ من نسيج الحياة الإنسانية".
وقدم الكتاب البروفيسور محمود يزبك؛ ومما كتب:" هذا كتاب قل مثله على رفوف مكتباتنا، لا يتفرد-فقط- لكونه يتناول موضوعاً من نوع آخر، يملك الكثيرون منا بعضاً منه، والأقل منهم يعرفون قيمة ما يملكون. وفي "المقامات التراثية" تتجلى ثروة حبيسة جدران منزل ويكشفها مالكها لكل الناس لتصبح جزءاً من التراث الإنساني والمعرفة العامة".
وقسم الدكتور كتابه في ثمانية أقسام مختلفة نظراً للمادة التي تم صنع المقتنيات منها؛ ويتناول القسمُ الأوّل المقتنيات الخشبية: "هذه المقتنيات صُنِعَت من الخشب الطبيعيّ بأنواعه المتعدّدة، وبخاصّة خشب الجوز والبلّوط والماهوجني والزيتون والصنوبر والأبنوس والزان والليمون والنارنج والورد، وصُنعت بالطريقة التقليدية التي تُعَدّ جزءاً أساسيّاً من التراث العربي، حيث يتمّ الاشتغالُ على القطعة الفنيّة وفق تقنيات يدوية كثيرة من مثل الخَرْط والتّقطيع والحفر والتّثقيب والنّحت والنّقش والزّخرفة والتّرصيع.. تصقِلُها أيدي ماهرة تحوّل الخشب إلى منتوجات فنيّة متعدّدة الألوان والأشكال، نابضةٌ بالحياة ومتألّقة برونقٍ من الجمال الأخّاذ".
وتطرق القسم الثاني إلى المقتنيات الفضيّة :"هذه المقتنياتُ أساسُها مَعْدَن الفضّة الذي يُعدّ من أقدم المواد الخَام التي استخدمها الإنسانُ في الصّناعات الحرفيّة التقليديّة، حيث تشيرُ الحفرياتُ والتّنقيباتُ الأثريّة في كثيرٍ من الدُّول إلى أنّ صناعةَ المَشْغُولاتِ من الفضّة كانت سائدةً في الحضارات القديمة، وبخاصة في مصر القديمة وبلاد ما بين النّهرين، في عهود الفراعِنَة وفي الحقبةِ البابليّة القديمة، ودليلُ ذلك الحُليّ والأدوات المنزليّة الفضيّة التي عُثِرَ عليها خلال عمليات التّنقيب، والتي جاءت وفقَ أشكالٍ جماليةٍ جذَّابة تؤكّد براعةَ الصَّاغة في صُنْعِ المقتنيات الفضيّة".
والثالث حول المقتنيات الزُّجاجيّة:" وهذه المقتنيات أساسها مادّة الزُّجاج، وتشتمل على مجموعة من القطع الأثريّة القديمة، مُصَنّعة في سورية وإيران وتشيكيا، وهي بلدان بدأت فيها صناعة الزُّجاج اليدوية المميّزة بطابعها الشرقيّ التّقليدي منذ زمنٍ بعيد، وبخاصّة سورية التي ازدهرت فيها هذه الصّناعة وراجَت كمهنة تراثيّة، وقد أتقن الحرفيون فنون التّزجيج مبكراً وأبدعوا في تزيين دُوْرِ العبادة والأبنية والقصور الأثريّة، ومعرفة الأصباغ المعدنيّة التي لا تتأثّر بعوامل الجوّ، والتي استخدمها الفنانُ السّوري قبل غير في صنع المنتجات الزجاجية.
وتضمن القسم الرابع المقتنيات الخزفيّة: "صُنعت هذه المقتنيات من تراب أحمر طبيعي خاصّ مُشَبّع بماء المطر، يتحوّل بإضافة الماء إليه إلى كتلٍ طينيّة ناعمة الملمس، تُشَكّل منها يدوياً أواني خزفيّة بأشكالٍ متنوّعة، وأحجام متباينة، ثم يتمّ تجفيفها عبرَ شويها في أفرانٍ خاصّة على درجة حرارة عالية لتصبح مادّة صلبة، وتُعَدّ هذه الصناعات الحرفيّة التقليديّة من أقدم الصناعات التي عرفها الإنسان، حيث عُثر خلال عمليات الحفر والتّنقيب الأثريّ التي تم القيام بها في كثير من الدول على قطعٍ خزفيّة مصقولة ورقيقة، عليها صور بشريّة ونباتيّة وحيوانيّة وهندسيّة، وأخرى خياليّة، ونقوش وأشكال جماليّة جذّابة، يرجع تاريخ بعضها إلى الألف الخامس قبل الميلاد".
والخامس تناول المقتنيات النحاسيّة: "مقتنيات هذا القسم أساسها معدن النُّحاس، وهي تُعدّ جزءاً أساسيّاً من الترّاث العربي، يتّصل بها تقنيات كثيرة مثل الحَفْر والرّسم والنّقش الغائر والنّافر، والزُّخرفة بالخطوط والكتابات والرسوم الآدميّة والحيوانيّة والأشكال الهندسيّة، وكذلك التطعيم بملء الحَفْر بالفضّة والذّهب، وتَنْجزُ هذه القطع أيدي ماهرة، بأدوات يدويّة موروثة تحوّل النّحاس إلى تحفٍ فنيّة".
والسادس، مقتنيات النُّقود: "هذه المقتنيات مصنوعات ذات وزن محدّد وقيمة معلومة، تتميّز بنقوش ورسوم وصور وكلمات تدلّ على قيمتها وتاريخها واسم البلد الـمُصَدِّر لها، وهي من أهم ابتكارات المسكوكات التي أوجدتها الحضارةُ الإنسانية، فقد عرفتها الشُّعوب الغابرة منذ آلاف السّنين وتداولتها في معاملاتها التجارية".
والقسم السابع دار حول مقتنيات الحُلي التقليديّة: "اشتُهرت الحُليّ التقليديّة منذ القِدَم، وتُظْهِر مقتنيات المتاحف العالميّة أنها كانت معروفة لدى الجماعات البشرية في معظم أرجاء العالم منذ آلاف السنين، وتم استخدامها للزّينة، أو لأسباب دينيّة أو سحريّة بوصفها أداة لمعرفة حسن الطّالع والاتّقاء من الشُّرور، وهناك أدّلة أظهرتها الحفريات في دول عدّة ومنها مصر، تبيّن أنّ استخدامَ الحُليّ يعودُ إلى عصور ما قبل التاريخ، حيث تم العثور على خواتم وأساور وأحزمة وأكاليل وخلاخيل بأشكال بسيطة مصنوعة من الحجارة الملوّنة والعَظْم والعاج والطِّين، كما عُثر في المقابر والمعابد الفرعونيّة على قطع حُليّ متطوّرة، وبأشكال جذّابة، محفوظة حالياً في المتحف المصريّ، وقد صُنعت من الذَّهب والفضّة والنّحاس، بعضها مطليّ بالمينا، وُمَطَّعم بالعقيق والفيروز والخرز والبلوّر الصخريّ والزُّجاج الملوّن وحجر الفلسبار".
وعرض القسم الأخير مقتنيات السِّجّاد: "وهي مقتنيات تراثيّة تقليديّة يدويّة، أساسها خامات الصُّوف والقطن والحرير والوَبَر، لها مزاياها الخاصّة من الرّسومات والتّصاميم والنقوش والألوان الطبيعيّة الزّاهية، يستلهمها حائك السّجاد من بيئته وثقافته ومكونات الحياة اليوميّة المحيطة به، وتمتاز بكونها تُحاك بواسطة اليد عقدة عقدة، وتتلاحم عقدُها لتُشكّل عملاً فنّياً دقيقاً يُنجز على فترات زمنية طويلة، إذ قد يستغرق إنتاج قطع مختلفة الرسوم والنقوش والأسماء والمساحات، سنوات عدّة، وهذه القطع تختلف مزاياها من حيث الأناقة والجمال والدّقة والملمس ونوعية الحِرْفة تبعاً للمناطق الـمُنْتِجة لها".
يأمل الدكتور سميح مسعود أن يشجع الكتاب على ظهور كتب مماثلة لآخرين ممن لديهم الاهتمام والمعرفة في هذا المجال لإبراز جوانب مضيئة من التراث العربي الأصيل.
وكتب البروفيسور محمود يزبك على الغلاف الخارجي: "يعرض علينا د.سميح مسعود بين دفّتي هذا الكتاب مقتنيات تراثية جمعها خلال سنوات طِوالْ أثناء تجواله بين مدن وحضارات وثقافات تمتع بمأكلها ومشربها وأبقى لنفسه ولنا تجليات من حضارتها المادية، فحفظها من الضياع ومتّع بها ناظريه، والآن ها هو يشركنا في جمالياتها، بخاصة وأن هذه المقتنيات تمثل مجموعة فنية تظهر بريق ما امتازت به شعوبنا ومجتمعاتنا خلال مئات السنين الماضية حين انفتحت حضارتنا على معارف الآخرين وأشغالهم فأخذت منهم وبزتهم بأجمل الفنون."
الدكتور سميح مسعود كاتب وشاعر، ولد في حيفا، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة بلغراد في يوغسلافيا، عمل مستشاراً سابقاً في ثلاث مؤسسات إقليمية عربية. انتخب رئيساً للاتحاد العام للاقتصاديين الفلسطينيين- فرع الكويت عام 1990، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، يعمل حالياً مديراً للمركز الكندي لدراسات الشرق الأوسط في مونتريال، كندا، ورئيساً للصالون الثقافي الأندلسي في مونتريال التابع لنفس المركز.
نشر مجموعة شعرية بعنوان " الوجه الآخر للأيام"، ونصوصاً نثرية بعنوان " رؤى وتأملات" وكتاب بعنوان " حيفا.. برقة البحث عن الجذور"، وكتاب " متحف الذاكرة الحيفاوية" ومجموعة شعرية بعنوان" حيفا وقصائد أخرى".
وصدر له في مجال إختصاصه العلمي 17 كتاباً في مختلف المجالات الإقتصادية باللغتين العربية والانجليزية؛ منها: "الموسوعة الاقتصادية" و كتاب "الأزمة المالية العالمية، نهاية الليبرالية المتوحشة"
[email protected]
أضف تعليق