تابع المعهد الموسيقي في عبلين نشاطاته الشائقة من خلال إحياء أمسيات موسيقية راقية تضمّنت مقطوعات عزف على الآلات المختلفة ووصلات غناء رائعة. ومرّة أخرى يثبت المعهد الموسيقي بإدارة الأستاذ القدير المايسترو نبيه عوّاد أنّه معقل الأصالة وأنّه يمثّل صمّام الأمان للثقافة العربية والفنّ العربيّ الأصيل في زمن الزيف الّذي أضعنا فيه بوصلة الرقيّ فتاه شبابنا فلم يعودوا قادرين على التمييز بين ما هو ثابتٌ متين وما هو دخيل هدّام. لقد كنّا هناك ولمسنا الدور الكبير الّذي يلعبه المعهد الموسيقيّ وتابعنا عمل المايسترو نبيه عوّاد عن كثب، فأدركنا أنّنا أمام أستاذ كبير يحمل على عاتقه مسؤوليات جِسامًا وأمانة ثقيلة ورسالة مفادها أنّنا شعب ذو حضارة متأصّلة وأنّ الموسيقى هي أحد أركان الحضارة العربيّة من هنا كان لزامًا على من أنعم الله عليهم بالحسّ الموسيقي أن يأخذوا زمام الأمور وأن يحلّقوا بالموسيقى العربية إلى العلا حتّى نبلغ المكانة الّتي نستحقّ لنؤكّد أنّنا كنّا في الصدارة بين شعوب الأرض وسنعود إلى هذه الصدارة عندما نتمسّك بالأصول دون الإغفال عن مستجدّات عصرنا هذا الّذي بات يتحوّل خلال فترات متسارعة.

وكنّا قد تابعنا أخبار صعود نجمة شابّة رائعة أبهرت الجميع بصوتها الساحر الّذي يحمل في طيّاته ألغازًا وطلاسمَ لا يفكّها إلّا من يملك حسًّا موسيقيًا مرهفًا وأحاسيس جيّاشة، إنّه "شحرورة الجليل" ساندرا الّتي خطفت الأنظار بعد أن خطفت القلوب بصوتها الّذي لا يقهر، صوتٌ يتكسّر بين خلجات الآهات، فتتمايل معه الأفئدة كما تتمايل الأفنان كلّما لامستها النسمات، غنّت للضيعة فاختزلت المسافات وسافرت بنا حتّى بيروت وأعادتنا إلى قاعة المعهد الموسيقي. وإذا كان المعهد الموسيقي قد اكتشف ونمّى هذه الموهبة فإنّنا نكاد نجزم أنّه "دفيئة" المواهب الّتي لم تكن لتبلغ ما بلغت لولا الرعاية الطيّبة الّتي قدّمها المعهد لها، وهذا ما صرّحت به ساندرا في المقابلة الحصرية الشائقة الّتي نشرناها عبر صفحاتنا قبل شهور.

صافي دعيم

وفي أمسية الجمعة الماضية كنّا على موعد مع الموهبة "الفريدة" صافي دعيم الّذي اشتهر من خلال برنامج المواهب على قناة معا الفلسطينية، فهو يعزف على آلة القانون باحتراف كبير وهو لا يزال في هذه السنّ الصغيرة، ولو أغمض المستمع عينيه لما صدّق أنّ تلك الأنامل الّتي "تحاور" الأوتار لتحرّر أجمل الألحان وأعذبها تتبع للطفل الموهبة صافي دعيم، الّذي أبهر الجميع بما يملك من موهبة باتت تقترب رويدًا رويدًا من العالمية.

وليس فيما ذُكر انتقاصٌ من العازفين الآخرين الّذين أبدعوا في كلّ ما قدّموه في أمسيات المعهد بشهادة وتقدير من الحضور الغفير الّذين غصّت بهم قاعة المعهد، حيث أثبت الحضور الكبير أنّ الموسيقى الشرقية بخير بدليل التنوّع في الفئات العمرية من متذوقي الفنّ الأصيل الّذين اجتمعوا رغم انشغالاتهم الكبيرة ليشجعوا العازفين ويثنوا على المستوى الراقي الّذي بلغوه بفضل رعاية معلميهم ومدربيهم.

"وكان مساء يوم الجمعة الماضية، مساءً مميزًا عندما التقى العود بالقانون وكان الإيقاع ثالثهما فيما انضمَ الكمان بحياءٍ لهذه الصحبة فتشكّلت توليفة موسيقية رائعة" وقد أدارت الأمسية الساجية الفنانة المبدعة مها عوّاد وافتتحتها بكلمات رقيقة حيّت فيها الحضور وتمنّت لهم قضاء أوقاتٍ سعيدة في رحاب الموسيقى الشرقية الأصيلة، وافتتحت الحفل بوصلة موسيقية غنائية من تقديم لمى وأسل غطّاس مع أغنية "روح زورهن" للسيّدة فيروز ثمّ تنوّعت الوصلات ما بين القانون والعود والكمان والإيقاع والأورغ. حيث قدّمت الفنّانة مها عوّاد طلابها على آلة القانون والأورغ فقدّموا وصلات راقية والطلّاب هم: إيفا حبيب، وردة خوري، رنيم أسامة، صافي دعيم، بشّار شوملي، عازر سلمان، شفيق جرّوس، كامل حيدر، مجد يعقوب، مها زيدان، ماريا حاج وهديل حاج. كما شاركت الفنّانة مها بنفسها في عدّة وصلات. أمّا طلّاب العود فقد أثبتوا مجدّدًا أنّهم يسيرون بخطىً ثابتة نحو الاحترافية وقد أحسن الأستاذ المبدع عنان عوّاد في اختيار المقطوعات الشرقية الأصيلة ليحلّق طلّابه من خلالها ليبلغوا الذروة الّتي قرعت أذن نشوة الحاضرين، ولعلّ مشاركة عازفي العود مع عازفي القانون والكمان والإيقاع قد أضفت نكهة خاصّة. وقد تمثّل كادر عازفي العود بالطلّاب: راني أسامة، لطفي صبح، لجين صبح، هيثم أسامة وأمين فرهود.

وقدّم المدرّب الشاب الموهوب كميل تيّم طلّاب الإيقاع الّذين تركوا بصمة طيّبة على الاحتفال وأكملوا اللوحات الموسيقية بإضافة دلّت على المستوى الراقي الّذي بلغوه، وقد مثّل الإيقاع في الحفلة كلّ من: يزن حاج، جورج خوري، مسعود شاهين، زاهي قسّيس، أسل غطّاس، ماريا سليم وجلال زهران.

وقبل إسدال الستار عن لوحات الإبداع قدّم الأستاذ المتألّق سامر عوّاد طلّاب الكمان وهم عروة حاج علي، أوليفر مطر، محمود خليفة، جورج دعيم وشادي جرّوس.

تجدر الإشارة هنا أن الطلّاب قد قدّموا وصلات منفردة وأخرى جماعية وقد شارك المعلمون أنفسهم بالمعزوفات الجماعية لتكتمل الصورة الفنّية الراقية الّتي تركت أثرًا رائعًا في نفوس الحاضرين من الأهل ومن عشّاق الموسيقى الشرقية. وقد كشف الحفل عن موهبة غنائية فتيّة تمثّلت بطالبة المعهد اليسار هشام حاج الّتي أبهرت الحضور بصوتها الشجيّ، قبل أن يتمّ تتويج الاحتفال بوصلة رائعة قدّمتها شحرورة الجليل المطربة الصاعدة ساندرا لتكون العلامة الفارقة للاحتفال.

وبعد ذلك تم إفساح المجال لطلبة الجيتار الّذين يشرف على تدريبهن الأستاذ القدير وعازف الجيتار المخضرم الفنّان فريد وقد قدّم طلابه وصلات رائعة لم يغب عنها الرقيّ وقد اتّخذت المعزوفات ألوانًا موسيقيّة منوّعة أمّا طلّاب الجيتار الّذين ساهموا في الاحتفال فكانوا: نيرا نجمي، عيسى ريا، جواد حسين، يونتان حاج، آية رسلان، سميرة بركة، وليم حاج، جودي سعيد، سفين أبو شحادة، سارة سواعد، محمود سواعد، توفيق نصر الله، إلياس نصر الله ونقولا سعيد.

كنّا هناك فاستمعنا واستمتعنا بكلّ ما قُدّم من وصلات تنمّ عن الذوق الرفيع وأدركنا أنّه حيثما وجدت الإرادة تحقّقت الغايات، فالفنّ العربيّ ليس فنًّا هابطًا، ولكنّ الابتعاد عن الفنّ الأصيل هو الهبوط والانحدار على حدّ قول الأستاذ المايسترو نبيه عوّاد، الّذي جلس في الصفّ الأخير، يراقب ويتابع أداء طلاب المعهد والابتسامة لا تفارق محيّاه، هذه الابتسامة الّتي تحمل في طيّاتها معانيَ كبيرة قد يكشفها صاحبها بنفسه في مقابلات لاحقة...

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]