تعمل بحرفية، تتمسك بالقيم التقليدية، تطلع على كافة الشؤون الحياتية لجمع فكرة عن كل شيء، مُستقلة بقدر تجعلها ناجحة في حياتها، مسؤولة ومديرة جيدة، مُنضبطة، فكاهية، تحب الأسرة، والموسيقى، هي كل هذه الصفات وفقا لبرجها الذي ولدت فيه، فـ “شيماء الصباغ” التي جاءت إلى الدنيا في الرابع من يناير عام 1983، أضف إلى صفاتها زوجة، ثم أم، ثم شهيدة.
من يعرفها عن قرب فسيعلم جيدًا أنها تُعاني من لدغة في حرف الراء، تنظر “الصباغ” في ساعتها مليًا، قبل أن تتخذ قرار النزول من بيتها، على ضفاف مدينة “شط الهوى”، قبل أن يلقفها موج الإسكندرية صوب القاهرة، لتُلبي دعوة حزبها المُنضمة إليه منذ زمن “حزب التحالف الشعبي الاشتراكي”، للنزول تكريما لشهداء يناير في ذكرى الثورة الرابعة، وتقديم إكليل من الزهور في قلب الميدان ترحمُا عليهم ورحمة.
ربما لم تلتفت تلك الشابة التي بلغت أوائل الثلاثينات للتو، لصُرخات طفلها “بلال” صاحب الست سنوات والذي يدعوه الجميع “بيبو”، لكن إصرارها كان كفيلاً باتخاذ القرار والذهاب، فمع دعوات النزول إلى الميدان، قالت عبر صفحتها الشخصية على “فيس بوك”: “شكرًا لحزبي اللي فخورة بيه.. ومش مهتمه بأي كلام بيهد عزمتى.. ويقلل منه ومني.. فخورة بيكوا”.
ابتسامة، حلا لأي مشكلة
يبكيها صديقها في الحزب “يحيى الجعفري” حُرقةً، فلم يتعهد أن يرى ذلك الوجه الباسم لـ “شيماء” مُلطخًا بالدماء، فابتسامتها كانت حلا جذريًا لأي مشكلة، وضحكتها تشق صف الخصام بين البشر، فيما يضحى رأيها ثابت لا يتغير، فهي “الصاحبة الجميلة والجدعة” -على حد قول الجعفري.
انسال بكاء “الجعفري” ليصنع اخدودا يلتقي ودموع مدحت الزاهد -نائب رئيس حزب التحالف الشعبي- الذي يبوح بكلمات مُتقطعة، حُزنًا على رحيل “شيماء”، يذكرها في كلمات “هي واحدة من الناس القليلين اللي ممكن تلاقيهم أو تتقابل معاهم”، فهي النقية وصافية القلب، أمينة العمل الجماهيري بالحزب في فرع الإسكندرية.
قالتها صراحة وفي خلفيتها خيام المعتصمين أمام قصر الاتحادية يوم 30 يونيو، حيث قبع الرئيس المعزول “محمد مرسي” لما يقارب العام: “مش معترفة بمرسي ولا حكومته ولا كل القرارات اللى اتخذها، أنا مش معترفة بأي حاجة حصلت في عهد المجلس العسكري، أنا لم أتخطى مرحلة الـ 18 يوم بتوع الثورة لحد دلوقتي”.
البلد دي بقت بتوجع
إسلام أنور ينعيها على الواقع الافتراضي بعد أن انقطع اتصاله بها على الواقع الفعلي: “شيماء واحدة من أكثر الناس اللي كان عندها أمل وبتحاول تعمل حاجة.. قابلتها من حوالي سنتين في الإسكندرية وساعدتني جدًا في ملف صحفي عن النساء في المناطق الشعبية ودخلتني منطقة في فيكتوريا وعرفتني على ناس حقيقين وخلتهم يثقوا فيا لأني من طرفها في الوقت اللي كانت الناس مش طايقه الصحافة.. وتاني يوم قابلتها ومعاها بيبو ابنها الجميل والشقي وعملت مع شيماء حوار صغير ساعتها بوصفها باحثة في المورث الشعبي وحكتلي عن رحلتها لواحة سيوة وعيشتها هناك لفترة انجزت فيهم أبحاث عن تراثهم .. شيماء كانت من أكتر الناس اللي بتحب البلد دي عشان كدا البلد لم تتأخر في سحقها”.
“البلد دي بقت بتوجع.. ومفهاش دفا.. يارب يكون ترابها براح.. وحضن ارضها.. اوسع من سماها” كلمات كتبتها “شيماء” على واقعها الافتراضي يوم 14 يناير، وكأن شعور الموت تخللها ليتملك منها ليلة ذكرى الثورة الرابعة.
[email protected]
أضف تعليق