صادقت اللجنة الوزارية الإسرائيلية لشؤون التشريع مؤخرا على اقتراح قانون " الموت بوصفة طبية " الذي قدمه عضو الكنيست " عوفر شيلح " عن حزب" يش عتيد " والذي يتيح للمريض الذي يقف على شفير هاوية الموت بتلقي جرعة سامة تقتله بهدوء دون أن يتحمل الطبيب أية مسؤولية، وهو القانون الذي يحمل في بعض الدول اسم قانون " الموت الرحيم "....ويسمح القانون للأطباء بناء على طلب المريض بعدم وصله بالأجهزة أو فصله عن جهاز التنفس الصناعي بشرط ان يصنف الأطباء المريض كشخص يتعذب من هذا الوضع ولا أمل بالشفاء وان أيامه باتت معدودة وانه وافق على إنهاء حياته وهو بكامل قواه العقلية ..عن هذا الموضوع حاول مراسلنا معرفة رأي الدين والشرع الاسلامي في ذلك،فتحدث الى الشيخ محمد زهرة من عكا وهو امام مسجد اللبابيدي ...

يجوز في حال تعطلت جميع وظائف دماغه

وقال الشيخ زهرة بعد الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى سائر الانبياء والمرسلين:
بالنسبة للسؤال المطروح حول حكم نزع الاجهزة عن المريض والمبتلى بمرض ميئوس منه ، وهو يكون في كامل قواه العقلية والسمعية والادراكية ، فانني انظر الى هذه المسألة من جوانبها الدينية التي بين حكمها اسلامنا العظيم من خلال الادلة النقلية التي وصلت الينا من الكتاب والسنة ومن خلال القواعد الاصولية التي ثبتها علماء المسلمين ومن خلالها يقومون باستنباط الاحكام الشرعية .
وان هذه المسألة - نزع الاجهزة عن المريض - ينظر اليها من جانبين اثنين ، وهذان الجانبان يختلف الواحد منهما عن الاخر ، وبالتالي يختلف فيهما الحكم الشرعي : اما الجانب الاول فهو حكم نزع الاجهزة عن الانسان المريض ، والذي توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه ، او تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل . وفي هذه الحالة فانه يجوز رفع اجهزة الانعاش الموصولة به حتى وان كان القلب لا يزال يعمل بشكل آلي بفعل الاجهزة المركبة . وهذا ما ذهب اليه مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 – 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م .

الشرع لا يجيز الموت الرحيم، والمريض في قواه العقلية والادراكية

وتابع الشيخ زهرة:اما الجانب الثاني فهو نزع الاجهزة عن مريض ابتلاه الله بمرض عضال ويتفق العلماء في حالته انه ميئوس منه وهو لا يزال في قواه العقلية والادراكية ، فهذه المسألة تختلف اختلافا كليا عن سابقتها ، لان هذا الانسان حتى وان كان مرضه ميئوس منه ، وحتى وان كان مدركا لوضعه الصحي ، وحتى وان كان في كامل قواه العقلية ، فانه لا يجوز له باي شكل من الاشكال ان يضع حدا لحياته التي اودعها الله في جسده ، لا سيما وان الله تعالى كرم هذه النفس وفضلها على كثير ممن خلق تفضيلا ، قال تعالى ‭{‬ ولقد كرمنا بني آدم وحملناه في البر والبحر ورزقناه من الطيبات وفضلناه على كثير ممن خلقنا تفضيلا ‭}‬ .
وان الانسان الذي يبتليه الله بمرض عضال يقول عنه الاطباء بانه ميئووس منه ، ويُقدم على وضع حد لحياته ، فان هذا السلوك والاقدام ان دل فانما يدل على ضعف ايمانه ، وعدم صبره على البلاء والضراء ، لأنّ المرض ، إبتلاء من اللَّه تعالى يختبر به عباده فمن حمد اللَّه و صبر على ما أصابه فقد فاز ، و من لم يحمد اللَّه على ما أصابه و سخط و تضجّر فقد خسر و هو ناقص الإيمان لأنّ الرضا بالقضاء و القدر دليل على كمال الإيمان أمّا التضجّر و السخط على ما قدّر اللَّه فهو دليل نقص الإيمان ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم :
(عجباً لأَمرِ المُؤمِنِ ! إنَّ أَمرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ - و ليس ذلكَ لأحدٍ إلاّ للمُؤمِنِ - إنْ أَصابَتْهُ سرّاءُ شَكَرَ فكانَ خَيراً لَهُ ، و إنْ أَصابَتهُ ضرّاءُ صَبَرَ فكَانَ خَيراً لَهُ ) حديث صحيح ، رواه مسلم.
ثم ان الانسان معرّض للإختبار بالعديد من الإبتلاءات ، لان الابتلاءات حق من الله تعالى وينبغي على الانسان ان يصبر عليها ، لانها بمثابة الامتحان والاختبار له ، قال تعالى : ‭{‬ و َلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِالصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّالِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ‭}‬ .

رضى المريض بوقوع الفعل عليه لا قيمة له ولا وزن

وأسهب الشيخ زهرة:ان الناظر الى النصوص الشرعية يرى بان المرض وهو نوع من انواع الابتلاءات التي يبتلي الله بها عباده ، هذا يعني ان الابتلاء هو حق ، بل هو قانون ربانيٌ نافذ ، وبما ان الله امرنا بالصبر عليها هذا يعني ان عدم الصبر وعدم التحمل هو ليس من الدين والايمان ، وفي هذا يقول النبي الكريم (ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول إنّا للَّه و إنّا إليه راجعون ، اللَّهم أؤجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها إلاّ أجَرَه اللَّه في مصيبته و أخلف له خيراً منها ) .
هذا بالاضافة الى ان الابتلاء يعتبر من علامات حبّ اللَّه تعالى للعبد الصالح ، وفي ذلك يقول رسول اللَّه : ( مَنْ يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيْراً يُصِبْ مِنْهُ) ، رواه البخاري .
واخيرا ، فانني ارى بان اختيار المريض رفع الاجهزة طلبا للموت السريع هو إزهاق للروح ، حتى ولو كان مريضاً بمرض ميؤوس من شفائه ، وحتى وان كان المريض موافقا على هذا الفعل وهذا السلوك ، فرضى المريض بوقوع الفعل عليه لا قيمة له ولا وزن حتى وان كان مدركا وواعيا وفي كامل قواه العقلية ، وهنا لا فرق بين هذا المريض الذي يعطي اوامره برفع الاجهزة ليسرع بالموت وبين من فوجىء بنتائج تحاليل طبية تؤكد له باصابته بمرض عضال فيقبل على الانتحار .

لا يجوز انهاء حياة المريض مهما بلغت شدة المرض

وختم الشيخ زهرة:لذلك فانه كلما كان المريض لا يزال على قيد الحياة وطالما أنّ دماغه لم يتحلل بعد ، فينبغي على الطبيب أن يقدم له كل الوسائل العلاجية، لأن المرض ابتلاء من الله وقد يكون كفارة لدخول الجنة أو بداية حياة جديدة، وبالتالي لا يمكن إنهاء حياة مريض مهما وصلت شدة المرض. وكل الوسائل التي تتعلق برفع الأجهزة أو التعجيل بالموت أكان ذلك عن طريق إعطاء أدوية تسرع عملية الموت او نزع الاجهزة فانه يعتبر جريمة تعاقب عليها كل الشرائع بل قوانين كل دول العالم ، حتى وان خرجت احدى هذه الدول عن هذه القاعدة فانها تعتبر دولة نشاز ، قوانينها غير معتبرة وتبعاتها الدنيوية والاخروية مردودة عليها .
والله تعالى أعلم

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]