إنّ الذي يميز الإنسان عن الحيوان هو قدرته على التصور والخيال، وحتى يستطيع الإنسان أن يتحمل ظروف الحاضر وأن يجري تغييرات في حياته فلا بد أن تكون له صورة جميلة للمستقبل، وكما قال أحدهم: إنّ أفضل طريقة لأن نتوقع المستقبل هو أن نخلقه، لذلك فإن الخطوة التالية لإدارة ميزانية الأسرة إدارة ناجعة وفعالة بعد أن نجرى إحصاءً لنفقات ومدخلات وديون الأسرة لنعرف وضعنا اليوم هي أن نضع أهدافا مستقبلية تحفّزنا لإجراء تغيرات وتقليصات في النفقات، وإجراء تعديلات في سلّم الأولويات، أهدافا بعيدة المدى.. أهدافا طموحة.. ولكنها في نفس الوقت تتلاءم مع مقدرات الأسرة، في هذا المقال سنتحدث عن هذه الأهداف وعن أهميتها في التحفيز على إجراء التغيير في الحاضر.
إنّ التخلص من الديون ليس هدفا محفزا، فقد تكتشف الأسرة بعد أن درست واقعها المالي أنها تعاني من مديونية عالية، وأنها تودّ التخلص من الديون في أسرع وقت، لكن هدفا كهذا لن يكون بوسعه وحدهُ أن يكون محفّزا لإجراء التغيير، هنالك أهداف كثيرة مثل تعليم الأولاد أو شراء بيت جديد أو شراء سيارة أو تعلم لقب آخر أو فتح مصلحة أو السفر في رحلة إلى خارج البلاد... طبعا دون الدخول هنا إلى سلم أولويات كل شخص، لكن يجب على الشخص أن يكون راغبا ومتشوّقا لتحقيق هذا الهدف، وأيضا أن لا يكون على حساب أمور أساسية بالنسبة للأسرة، وأيضا أن تكون تكلفته متلائمة مع قدرات الأسرة.
هذه الأهداف تبقى أحلاما إن لم يتمّ حساب تكلفتها والتوفير لها من الآن، فالحلم يتحول إلى هدف إنْ وضعت له خطة مدروسة واضحة، لذلك على الأسرة أن تثمّن كل أهدافها المستقبلية (مثلا تعليم واحد من الأولاد يكلف الأسرة 120 ألف شاقل)، وبعد ذلك أن تعدّ كم من السنوات بقي لتحقيق الهدف (بعد 10 سنوات سيدخل الولد الجامعة)، وبعد ذلك تقسيم المبلغ على عدد الشهور (120 ألف شاقل قسمة 120 شهر)، ينتج أن الأسرة يجب أن تقتطع 1000 شاقل شهريا من الآن ليكون بمقدورها أن تعلم الابن بعد 10 سنوات.
هكذا نفعل مع كل الأهداف المستقبلية؛ السيارة والبيت والتعليم، ليخرج عندنا المبلغ الشهري الذي يجب أن نقتطعه حتى نستطيع أن نحقّق هذه الأهداف.. الآن دون هذه العملية – تحديد الأهداف وتقييمها والتوفير الشهري - يكون من الصعب علينا أن نتنازل عن كثير من العادات الاستهلاكية والنفقات في الحاضر، ستعرف على سبيل المثال أن شراءً بـ 100 شاقل زيادة في كل شروة أسبوعية سيمنع ابنك من الدراسة. .
قد يتساءل البعض هل نقوم بالتوفير ونحن مديونون.. الصراحة أن الأفضل والأحسن والأجود هو التخلص من الديون قبل البدء في التوفير، لكن مهم جدا أن نكون قد حددنا أهدافنا المستقبلية وقيّمناها حتى تكون لنا صورة جميلة للمستقبل، ولنعرف أننا نتخلص من الديون ليس من أجل التخلص من الديون، وإنما ليكون بوسعنا أن نحقّق هذه الأهداف..
مسار التغيير: إنّ تحديد الأهداف المستقبلية التي نحبها والتي تتلاءم مع مقدرات الأسرة ومن ثم تقييمها سيكون عبارة عن المستقبل الجميل الذي نريد أن نخلقه، والصورة الحلوة التي نودّ أن نرى أنفسنا فيها، وهذا الأمر بحدّ ذاته سيجعلنا أكثر انفتاحا للتغيير، وهذا بدوره سيجعلنا نأخذ مسؤولية على حياتنا وعلى مستقبلنا، ومن ثم نتخذ القرارات اللازمة ومن ثم ننطلق للتنفيذ، لنرى بعد ذلك النتائج في المدى القصير والبعيد.
[email protected]
أضف تعليق