بدأ جيل الشباب العرب في مجتمعنا – منذ نحو عقد – بدفع فاتورة انعدام التخطيط والنموّ العمرانيّ العشوائيّ، الذي يميّز بلدات مجتمعنا العربيّ منذ عقود. يرى الشابّ العربيّ أنّ الطريق أمام تحقيق حلم بناء أو شراء البيت يطول ويطول ويطول. وإنّه – بدون أن يعلم – يدفع ثمن الأخطاء والخطايا اليتيمة (فلا أحد يتحمّل مسؤوليّتها) التي "تزيّن" مسيرة النموّ العمرانيّ في مجتمعنا العربيّ. ولربّما يكون استعمال كلمة نموّ في هذا السياق مُضلِّلًا، فهو انتشار أو تضخّم ليس فيه من صفات النموّ أو الارتقاء شيء.
مثلًا، تعالَوا نرافق، معًا، زوجين شابّين متوسّطين، من عائلة متوسّطة، يكسبان دخلًا متوسّطًا، في أواخر العشرينيّات من العمر، يحلمان ببناء عشّ الزوجية في بيتهما الخاصّ. لا يمتلك الشابّ قطعة أرض ولن يرث أيضًا، وهذا مُعطًى واقعيّ واسع الانتشار. سعر قسيمة الأرض للبناء في البلدة التي يعيش فيها الزوج الشابّ يتجاوز الـ 120 ألف دولار (نحو نصف مليون شاقل)، أي أنّ احتمال شراء قسيمة بناء غير وارد في هذه الظروف، وليس في البلدة أيّ مشروع لبناء عمارات سكنية يوفّر للزوجين إمكانية شراء شقّة. فيتبقّى أمام هذين الزوجين خِيار شراء شقّة في أقرب مدينة يهودية (حيفا، "نتسيرت عيليت"، "كرميئيل"، "معالوت"، وما شابه)، لكن أسعار الشقق في تلك المدن تتجاوز المليون شاقل، والزوجة لا تريد، أصلًا، السكن في محيط يعجّ ويضجّ بالعنصرية وبكراهية "الأغيار".
"العشوائيّات" و- 100 الف وحدة سكنية
ما العمل، إذًا؟ في العادة، سيلجأ الزوجان الشابّان المقيمان، حاليًّا، في شقّة مستأجرة، إلى الحلّ الوحيد المتاح، بناء وَحدة سكنية صغيرة فوق/تحت/في/بجانب بيت الأب/الأخ، ليُضاف إلى حارات الفقر والضائقة، أو "العشوائيّات" كما تُسمّى في دول العالم الثالث، عشّ زوجيّ جديد. سنفترض، جدلًا، أنّ هذين الزوجين سيجدان حيّزًا للبناء، مع أنّ كلّ من يسكن في بلدة عربية يعلم أنّ حلّ البناء في حضن العائلة يشارف على الانتهاء؛ فمخزون مِساحات البناء العشوائية ينتهي، وفي جزء كبير من المناطق (كالناصرة، مثلًا) انتهى، فعلًا. وإذا وجد الشابّ مكانًا يحشر فيه وَحدة سكنية فإنّ أخاه الصغير، حتمًا لن يجد.
إنّ معطيات جمعية الجليل للأبحاث، المنشورة قبل أكثر من سنتين، تؤكّد أنّ المجتمع العربيّ سيحتاج إلى أكثر من مئة ألف وَحدة سكنية في العقد القريب، وأنّ 60% ممّن شاركوا في عيّنة البحث قالوا إنّهم لا يملكون قطعة أرض للبناء، وأنّ الحلّ الوحيد المُتاح هو شراء شقّة سكنية. نقول للباحثين عن شقّة: حظًّا سعيدًا! لن يمكنك شراء شقّة سكنية جاهزة إلّا في الناصرة أو لربّما في سخنين (ما أخبار مشروع الإسكان هناك؟). ويُفضّل أن تكون نصف مليونير، أو ابنًا لعائلة ميسورة، إذا كنت تحلم بشقّة ثلاث غرف وما فوق، في واحد من المشاريع الإسكانية القليلة التي يتمّ بناؤها، الآن (متوسّط أسعار الشقق في المشاريع الجديدة في الناصرة أكثر من مليون ومئة ألف شاقل).
الأزمة تتفاقم
إنّنا نشهد تبلور أزمة سكن حقيقية في المجتمع العربيّ. هذه الأزمة ستتفاقم في السنوات القريبة، القريبة جدًّا، لتُصبح المُشكلة الأكبر للعرب في البلاد، تمامًا كما أصبحت مشكلة الإسكان في المجتمع اليهوديّ الهمّ الأثقل على كاهل الحكومة ودوائر صنع القرار. ولأسباب عديدة لا يتحدّث أحد عن مشكلة الإسكان في المجتمع العربيّ. فهل تجهل قيادتنا المحلّية والقطرية وجودها، أم أنّهم يتجاهلونها لمعرفتهم بصعوبة الحلّ، فلا يستعجلون إيقاظ العفاريت؟ حكومة نتنياهو تحاول حلّ الأزمة في المجتمع اليهوديّ من خلال طرح حلول خلّاقة تستثني العرب تمامًا؛ فكلّ ما يُطرح – حتى الآن – من حلول (خُطّة لـﭘيد للإعفاء من ضريبة القيمة المُضافة عند شراء أوّل شقّة، وخُطّة نتنياهو لتحديد "سعر هدف") لا تسري على العرب، لأنّ أسباب الأزمة وشكلها وحلولها عند العرب تختلف جدًّا عنها في المجتمع اليهوديّ. لم تتصدّر أزمة السكن في إسرائيل عناوين الصحف، ولم تتحوّل إلى مطلب شعبيّ جارف إلّا بعد أن نزل المواطنون اليهود إلى الشارع، صيف 2011، فمتى سننزل نحن؟
[email protected]
أضف تعليق