العنف كلمة واسعة التداول تشير إلى نمط من أنماط السلوك الإنساني ويُعرَّف العنف بأنه عمدي موَّجه نحو هدف سوء لفظي أو غير لفظي ويتضمن مواجهة الآخرين ماديًا أو معنويًا ومصحوبًا بالتعبيرات تهديده وله أساس غريزي وهو كل تصرف يؤدي إلى إلحاق الأذى بالآخرين وقد يكون الأذى جسديًا أو نفسيًا فالسخرية والاستهزاء من الفرد فرض الآراء بالقوة إسماع الكلمات البذيئة جميعها أشكال مختلفة لنفس الظاهرة.
العنف الذي يُمارس هيمنته وسيطرته ويبسط نفوذه على مفاصل مجتمعنا يند الطمأنينة وهداة البال يتآمر على هدوئنا واستقرارنا ويفسد حياتنا ويشوه لحظاتنا ويشع الفزع والرهبة نُبدي كل العجب والدهشة كلما كان الحادث مغايرًا بتفاصيله عن ذلك الذي أصبح مألوفًا لنا وسرعان ما ننسى ونمضي إلى أشغالنا وأعمالنا اليومية موهمين أنفسنا بأن كل شيء سيكون على ما يُرام .
ولكن كيف يكون كل شيء على ما يُرام في وقت تحول فيه العنف والعدوانية إلى لغة يومية بلغت في حالات كثيرة حدود اللامعقول وللامحتمل وباتت تنهش أمان مجتمعنا كيف نطمئن أمام مشاهد ثقافة الأقوى التي أصبحت شائعة في الشارع والحارة والمدرسة والمستشفى وفي كل مكان تقريبًا وكيف باتت أبسط الأسباب إن لم تكن أتفهها تستفز البعض لتصل به لدرجة الغلايان في غضون ثوانٍ حتى يلجأ لقبضته أو لسلاحه لحل الأشكال كيف تغيرت الكلمات والمفاهيم والمصطلحات أثناء الحوار والنقاش وباتت تحمل صفة العداء والعنف والقوة وأصبح العنف كمفهوم يسيطر على مجمل حياتنا وتصرفاتنا وعاداتنا المعيشية البسيطة.
أن العنف بأشكاله وأدواته يُشكل ظاهرة اجتماعية خطيرة وهو دليل على الإنهيار الأخلاقي والإنفلات الإجتماعي الذي يشهده واقعنا الراهن إنه لا يأتي من فراغ وإنما له أسبابه وعوامله ودوافعه ومرتبط بالتطور والتقدم التكنولوجي وعوامل البيئة وعن الأوضاع الإقتصادية والفقر والبطالة والحرمان وتدني مستويات المعيشة والحياة ولا نغفل أيضًا دور الإعلام خاصة الإعلام المرئي في تغذية الروح وثقافة العنف فللمسلسلات التلفزيونية والفضائيات ترتكز على بث ونشر العنف والقتل والمشاهدة الإباحية.
التفكك الأسري والعائلي والتطرف الديني والصراع الطائفي والقبلي وكذلك تراجع الرقابة داخل المدارس والبيوت وترك الأولاد أمام شاشات الحاسوب و "الفيسبوك" ساعات طويلة دون رقيب والإبتعاد عن التربية الدينية وتراجع القيم العالية والأخلاق النبيلة وغياب روح المحبة والتسامح الإنساني، أصبحت كلما تمعن النظر في الدوافع والأسباب تضع يدك على قلبك من الشرار الذي يتطاير في كل مكان وفي كل اتجاه ليداهمك السؤال مدحًا الذي حل بنا؟
انه ليس كثيرًا علينا ولا على أبنائنا العيش في مجتمع آمن لا قتل ولا خوف وعنف فيه غير أنه ينبغي أن نتذكر بأنه ليس هناك أي نوع من الحلول السحرية ولكن بالتربية أولًا وبتعزيز وترسيخ معاني قيم التسامح والتراحم والتفاهم والتحاور وحسن الظن في نفوس الأبناء وتحصينهم من الناحيتين الأخلاقية والإجتماعية ضد قيم الفساد والعدوانية .
ولا بد من التأكد على أنه مهما بلغت حدة الخلاف أي كان نوعه فهذا لا يعني بأي حال من الأحوال اللجوء إلى تبني خيار التعصب والقوة والتشدد حيال المختلفين معًا في الرأي أو القناعة أو الفكر فالمطلوب في كل الأحوال هو التحاور وضبط النفس والتآني والإعتدال وهذا ما يجب أن نغرسه في أبنائنا منذ الصغر وهذا برأي المتواضع هي مسؤوليتنا جميعًا.
إن الخروج من دائرة العنف المتفاقمة يتطلب العمل الدؤوب والمثابرة وتعزيز الوعي التربوي والثقافة ديمقراطية وإكتساب أنماط فكرية وتربوية إيجابية وتنمية روح التسامح والتصافي والمودة وأساليب التكيف والتعاطي مع الآخرين المبنية والقائمة على الإحترام المتبادل والحب والتقدير والإلتزام بالأخلاقيات والقيم والآداب وإحترام القوانين وتذويت المشاركة الإجتماعية الايجابية والتفاعل مع الآخر وترسيخ التضامن والتكافل الاجتماعي وتقديم برامج إرشادية للشباب في المدارس وبيوت الشبيبة والنوادي الرياضية لتنمية مهاراتهم وقدراتهم في مواجهة المواقف الصعبة والسيطرة على الذات والنفس في أوقات ولحظات الغضب والضغط.
إننا مدعوون جميعًا بغض النظر عن انتماءاتنا السياسية والحزبية ومعتقداتنا الفكرية وقناعاتنا الذاتية لأجل بناء مشروع تربوي وبرنامج مستقبلي وحشد كل الجهود لمواجهة هذا الخطر قبل أن يلتهم سكينتنا ونحاول بكل مسؤولية وجدية أن نوقفه عند حده ونتفق على أن محاربته هي مسؤوليتنا جميعًا.
[email protected]
أضف تعليق