منذُ أن بدأت تنتهج دولة الرّفاه الاقتصادي! سياسة خصخصة شركاتها الحكومية، مثل شركة الكهرباء وبيزك والبنوك، وبيعها إلى أصحاب رؤوس الأموال، بهدف "تخفيف عبء" الإعانات المالية عن خزينتها، لم تتوقّف عن انتهاج هذه السّياسة، التي وجدتها وسيلة رسمية، لكي تُشجّع المنافسة التجارية! لدرجة أن الدّولة ألغت إعانتها الماليّة للمنتجات الأساسيّة مثل الخبز ومنتوجات الحليب والأجبان، فقرّرت أن تخطو خطوةً أخرى في هذا المجال، وسيطرت اقتصاديًّا على أحد أهم الموارد الطّبيعيّة، وهي المياه، فمنحتها صبغةً شرعيّة، أقامت مضخّات اتحادات المياه، التي تضخ المزيد من الأموال إلى سلطة المياه، هكذا أظهرت الحكومة وجهها الرّأس مالي الحقيقي لعامّة الشّعب!!
كل محافظة عفوًا... كل اتحاد يضم تحت رايته! عدد من المدن والقرى، مهمّتها الأساسيّة تلقين المواطنين درسًا في كيفيّة توفير هدر المياه هباءً، وفي كيفيّة دفعهم للفاتورة بشكلٍ منظّم، لأن هذه الاتحادات تدّعي أنها توفّر لهم خدماتها الفوريّة والمهنيّة حالاً! رغم أنه في حالات الطّوارئ، بعض المواطنين لا "ينعمون" بهذه الخدمات كما يجب، وغالبًا ما يتذمّرون من عدم اكتراثها لنداءاتهم!!
آبار المياه الجوفية
آبار المياه الجوفيّة، تحوّلت إلى سيولة نقدية، مُسرّبة من جيوب المواطنين، لتصب في خزينة الدّولة، والمياه التي كانت بالماضي استهلاكًا حيويًا، جلبت معها اليوم هلاكًا اقتصاديًا على جيبة المواطن البسيط، إذ نراه يُصعَق عندما يَفتح فاتورة المياه، ويرى المبلغ المترتّب عليه، فيضطّر أن يدفعها دون أن ينبس بكلمة، خوفًا من قطع المياه عنه، رغم أنه لم تُبلوَر بعد قواعد منظّمة لاتحادات المياه، تحدّد لهم متى يجب قطع المياه عن المواطن، اللجنة الاقتصادية التابعة للكنيست، ستبحث قريبًا هذه القضيّة، لتُصدر أنظمة، ترتّب هذا الشّأن، يعني "أنطُر يا جديش".
إذا عُدنا بالتّاريخ إلى الوراء، فبعد احتلال العراق للكويت في آب 1990، كانت أسعار الوقود بالحضيض، فانتهزت الحكومة هذه الأزمة حينها، وفرضت على البترول المستورد حزمة غريبة عجيبة من الضرائب المباشرة وغير المباشرة، فتضاعَف سعر البنزين، بينما إذا نظرنا إلى أزمة المياه، فإنّها أزمة مزمنة، ليس لها أي أبعاد سياسية أو أمنيّة! بل إنها أزمة طبيعيّة، تحصل نتيجة شح موسم الأمطار، ولكن بالنّسبة للدولة، كانت فرصة ذهبيّة، كي تُرهب الشّعب إعلاميًّا، وبشكل يومي عبر وسائل الإعلام، من خلال إعلان "إسرائيل تجِف"، الذي يُنذِره بقرب حدوث نكبة استهلاكيّة بالمياه، رغم أن جيوب المواطن هي التي تجِف، ولكن تبيّن مؤخّرًا أن هذا التهويل الإعلامي كان كذبًا.
رفع أسعار المياه
إن رفع أسعار المياه، بشكل جنوني، يعتبر إجراءً عقابيًا للسّلطات المحلية، نتيجة إهمالها لصيانة البنى التّحتيّة للمياه كما يدّعي مركز السلطة المحليّة، برأيي يجب التعامل مع المياه، حسب التقسيم لمناطق، وفقًا لنسبة عدد سكان كل مدينة وقرية، بشكل يتناسب مع مستوى دخلهم، كما هو متّبع في ضريبة الأرنونا، التي تفرضها وزارة الداخلية على السّكان، وأعتبرها رسوم إيجار رسميّة على البيوت والمتاجر.
نجحت الدّولة "بضمّ" المياه، إلى نادي الأغنياء!! وحسب آخر المعطيات التي نشرَتها الصحافة الإسرائيليّة، اتحادات المياه جرفت خلال العامَين الماضيين، سيول أرباح بقيمة 200 مليون شيكل. المواطن الذي يروي عطشه من المياه، ويقضي احتياجاته اليوميّة منها، يجهل أنه يروي أيضًا عَطش الاتحادات إلى ري مصاريفها الشّهرية الجارية، لتستطيع أداء واجب الصيانة للبنى التحتيّة على أحسن وجه!! فنخَال أنها تسقينا مياهًا معدنيّة، أو ربّما مواسير المياه الجديدة المدفونة تحت الأرض، عليها أجهزة استشعار إلكترونيّة، تشخّص عن بُعد العُطل الفنّي لدى المواطنين!!
وثيقة خدمة الزّبائن التي طُرِحَت مؤخّرًا، تخلو من الشّفافيّة، عديمة الاستقلاليّة، لأنها برأيي لا تحتاج إلى ورشات دراسيّة تحت أنظار اتحادات المياه! فالمتعارف عليه، أن كل مؤسّسة كُبرى في البلاد، تُرسل استمارة إلى زبائنها، تحتوي على مجموعة من الأسئلة، حول جودة خدماتها ومدى رضى المواطن عنها. فمن هنا يجب أن تتمتّع اتحادات المياه بالشجاعة الكافيَة، وتقوم بتحضير استمارة تحتوي على مجموعة من الأسئلة الصريحة، تتعلّق بنجاعة خدماتها عند الطّوارئ خاصّة...
مندوب خدمة الزبائن
حول مستوى مندوب خدمة الزّبائن وغيرها من الأسئلة، فترسلها إلى المواطنين، إمّا عبر البريد الإلكتروني كما هو متّبع لدى بعض الشّركات المنظّمة، أو تُرسلها عبر البريد الاعتيادي.
المواطن اليوم أصبح مساهمًا اقتصاديًا كبيرًا دون أن يدري، في تمويل النفقات الباهظة لتحلية المياه... للأسف قضيّة المياه لم تعُد نكبة طبيعيّة، بل عارٌ تجاري، أدّى إلى حدوث نكبة استهلاكيّة، ألحقت الضّرر بجيوب النّاس، هجّرت حشود احتجاجهم من ميادين حقوقهم، لأنه ليس بمقدورهم فِعلَ شيءٍ إزاء غلاء أسعار المياه، يشعرون أن المياه باتت من الكماليّات!! حتّى الكنيست الإسرائيلي لا يستطيع إلغاء هذه الاتحادات، ولكن يبدو أن الشعب في هذه البلاد، فَقَدَ إحساسه بضائقته، اعتاد على المعاناة من تفاقم حُمّى الأسعار.
[email protected]
أضف تعليق