بعد ما يقارب الثمانية عشرة عاما من الشهادات الطبيّة التي تشير إلى أنّ جول سرحان، من قرية المغار هو "مجنون"، وبعد قضاء سنوات طويلة داخل مصحة عقلية يتناول الأدوية والحقن المخصصة للمرضى النفسيّين، جول سرحان يبحث اليوم عن إثبات براءته من تهمة "مجنون" التي حصل عليها من أخصّاء نفسيين من أحدى مستشفيات البلاد، ويحاول إثبات براءته، ويخوض نضالا جماهيريّا، رسميّا، وحتّى قضائيّا!!!.
تفاصيل مقلقة، منها غير قابلة للتصديق، وغيرها التي لم تكن من نسج الخيال، فمن المواد التي وصلت مراسلنا، والتي قام سرحان بإرسالها لكلّ أعضاء الكنيست، للشرطة، الجمعيّات والأطر ذات الصلة، وحتّى الرسائل التي وصلت لرئيس الحكومة ورئيس الدولة – كما يتبيّن من العناوين الموجودة في البريد الإلكتروني- يبدو جليّا انّ هناك من أراد بسرحان أن يكون "مجنون"، ومن التفاصيل ما يمنع نشرها لأسباب قانونيّة، ولكن سرحان تبدأ قصّتة منذ عام 1992

بداية القصة

جول سرحان، تعرّض لوعكة صحيّة حادة تم نقله بسببها إلى المستشفى لاستكمال العلاج، وطلب منه في حينه أن يتقدّم لفحص حالته النفسيّة، وفعلا وبعد أن تتم الإلحاح عليه كثير ومن دون سبب مقنع- على حد تعبيره ليتوجه لطبيب عائلي في قريته مرغما، وهكذا أقنعه طبيب العائلة وذهب برفقته الى المستشفى من أجل فحص حالته النفسية (وذلك بضغوطات مورست أيضا على الطبيب من قبل مقرّبين لسرحان)، وصلا المستشفى هناك لتبدأ رحلته مع "الجنون".

يروي لنا جول سرحان التفاصيل الدقيقة وما يذكره منذ ذلك العام، وتحديدًا اسم الطبيب النفسي الذي عالجه، لتصل فجأة سيّارة إسعاف، تقلّه إلى مكان لم يعلمه بعد!. يقول سرحان: "صعدت سيارة الإسعاف وأنا أحاول الاستفسار أين وجهتي، لم أجد جوابا لهذا، سألت السائق مرارا ولم يجب، ففهمت أنّ علي أن أصمت... وبدؤوا يعاملوني كمجنون, عندما وصلنا إلى هناك ولم أكن أعرف بعد أين أنا، حاولت الاستفسار عن مكاني بدون جدوى، وفي الغد عندما استيقظت وإذا بمريض نفسي كان أمامي فسألته أين أنا فقال لي أنّني في مستشفى للأمراض العقلية.. يومها لم أكن أعرف عن المصحة العقلية التي ذهبت إليها إلا بالاسم، ولم أكن أعرف أين تقع، عندما أخبرني بمكاني المريض النفسي ضحك "وأنا بكيت فورا"

يصف سرحان ردّة فعله فيقول أنّه بدأ يبكي بشكل غريب، ركض مسرعا نحو غرفة الممرضات هناك، وطلب التحدّث بالهاتف، ورغم أنّ الممرّضات – كما يدّعي هدّدوه بالغرفة المنعزلة، لكنّه نجح بالاتصال بوالده وإخباره بمكانه الآن. يقول سرحان أنّ الساعة كانت بوقت متأخر من الليل حين وصل إلى المصحة, وفقط في الصباح وبعد سؤاله للمريض عرف أين هو

شرب الدواء... وحياة الجحيم

الأمر ليس سهلا، فسرحان أدرك أنّ عليه تناول الدواء الجديد بدون مقاومة – لأنّ مجرّد المقاومة سيتّهم أنّ حالته صعبة وسيمنع من الخروج من هناك – كما قال، يتذكّر تلك اللحظات ويقول: "تناولت الدواء رغما عنّي، صحيح أنّني لم أقاوم تناول الدواء، لأنّ مجرّد المقاومة في تناول الدواء يعني أنّ سلوكيّاتي عنيفة وسأمنع من الخروج من هناك، وقد أعاني من الغرفة الانفرادية". الأخصائية ناولته الدواء، وهو قام بشربه، لأنّها كانت تفحص طيلة الوقت إذا ما بقيت حبّة الدواء في فمه أم قام بابتلاعها, ناهيك عن الحقن – يقول سرحان

ويؤكّد سرحان أنّ أمور عديدة تجبر أي "مجنون" البقاء في المصحة العقلية، منها السلوك العدائي وتشكيله الخطر على المجتمع، رفضه ومقاومته لشرب الدواء، أو عدم استطاعة الأهل الاعتناء به، هذا كلّه كان عكسيا في التقارير الطبيّة داخل المصحة، فلماذا تم احتجازه – يتساءل سرحان؟

القصّة لم تنتهِ بعد، فهي طويلة وشائكة، وتكاد لا تصدّق، إلا أنّها بدايات الطريق، فسرحان الذي قضى فترات في المصحة كان كلّ فترة يخرج منها ويعود، إلا أنّ مع خروجه لأوّل مرّة وجد أن ممتلكاته لم تعد باسمه لأنّه "مجنون"، وذلك من خلال قرار غير عادل وغير إنساني ومخالف للشرائع ألسماويه والقضائية ناهيك على أن العالم عامله كمجنون. ومع تناوله الدواء والمعاملة المجنونة بدأت حالته الصحيّة تتدهور بشكل خطير ومقلق، أصبح أخرس ونظره ضعف جدّا جدّا، حتّى بات عاجزا عن الرؤية تقريبا. يومها عاد إلى المصحة وقاموا بتغيير الدواء له بنوع أخطر، لكنّه سرعان ما عاد إلى الدواء القديم بسبب تدهور حالته الصحيّة أكثر وكذب على الأطباء وقال لهم أنّه بدأ يرتاح أكثر مع الدواء الجديد لألا يتورط أكثر مع الأدوية الجديدة ومضاعفاتها

مختصون يقرون، سرحان معافى

يقول سرحان: "كنت أنام على سريري، ابني الصغير جاء ينادى علي، كنت أسمعه لكنّي لم أقوَ على الكلام، ولا على الرؤية، كنت جثّة على السرير، أسمع ابني وهو يحتاج أن يتحدّث إلي، وكانت زوجتي تقول لابني دائما اتركه فهو نائم ويحتاج للراحة". قال الكلام هذا وابنه الصغير الذي لم يكن قد ولد بعد يلازمه أثناء إجراء المقابلة لأنّه رفض الخروج من صالون بيته وتركه ومراسلنا لمفرده!!!. أثناء تردّده على العيادات الطبيّة للمصحة حصل على أوراق تقول أنّ عدم قدرته على الحديث ليس بسبب الأدوية – بل بسبب مرضه النفسي. (الورقة مرفقة في التقرير).

ومع وصوله لعام 2010، ورغم أنّه لم يرتاح أبدا من الدواء – وظنّا منه على أنّه يعاني من حالة نفسيّة صعبة، قرّر الوصول إلى طبيب نفسي من عرابة بنصيحة من صديق لقريب له, والأخر مر بعارض نفسي ولم يساعده اي طبيب إلا الطبيب الإنسان المخلص لمهنته الدكتور توفيق قراقره، ليرى أنّه لم يكن مجنونا أبدا، أنّه لا يعاني من حالة نفسيّة أبدا أبدا، فأمره فورا التخلّي عن الدواء وعدم تناوله.

مع تمسّكه بكذبة "ترك الدواء"، حاول أن يعلّق سرحان الأمل، وقال أنّه لن يخسر شيئا من ذلك، إلا ان تدهور حاد في حالته النفسية/ الاجتماعية/ الاقتصاديه ولأسباب مأساويه لا نود ذكرها في هذه النشرة لموانع قانونية, وفي نهاية الأمر ومع مرور أعوام عده للوضع المجنون, حيث قرر أخيرا اللجوء إلى الطبيب المنقذ توفيق قراقره لوضع حد لهذه المعانات ووضع كل ثقته به لإخراجه من الدواء, فهكذا بدأت صحّته تتعافى، عاد نظره للشكل الطبيعي، حديثه أيضا وقدرته على الكلام، وكذلك أصبح يستطيع العمل في دوام واستقرار، وقيادة السيارة، حتّى قرّر سرحان بأنه حان الوقت ألان ويستطيع الوقوف إمام الجميع لفضح "مؤامرة كبيرة جدا"، وتهمة خطيرة يبحث عن البراءة منها، فقرّر في البداية التوجّه لمختص في علم نفس، وحصل على ورقة بأنّه طبيعي جدّا جدا، وهو من حيفا (الورقة مرفقة بالتقرير)، ومن ثمّ يصل إلى طبيب آخر من منطقة المركز ويعرض أمامه جميع الأوراق الطبيّة بدءً من عام 1992 وحتّى حصوله على تقريرين طبيّين يبرّئانه من تهمة "مجنون"، ومن ثم إلى طبيب أخر ولأخر... وهكذا لتبدأ الصدمة

نضال، لإثبات عدم "جنونه"

تقارير تشير إلى تناقض في حالته الصحيّة النفسيّة، فبدأ بإجراء تسجيلات صوتيّة لعدّة أطراف، وفتح جبهة لاسترداد حقوقه قانونيّا وجماهيريّا ولمواجهة المجتمع فيها، حيث أجرى حتّى الآن ثمانية تظاهرات احتجاجيّة بموافقة قانونية من شرطة إسرائيل كان آخرها اليوم أمام محكمة الصلح في الناصرة احتجاجا على قرار غير الشرعي لأشخاص "عديمي القيم والضمير" – كما وصفهم, حيث صادروا ممتلكاته ومنهم القاضي الذي كان يومئذ محاميا مدعيا وشارك في "الجريمة الشنعاء"!!! ليس هذا فقط، فقد أرسل كافة المستندات والإثباتات إلى كافة أعضاء الكنيست من عرب ويهود، رئيس الحكومة ورئيس الدولة وهو عازم على تبرئة نفسه من تهمة المجتمع له، "ومن أراد له ذلك"

سأل مراسلنا كيف سيقنع الناس أنّه لم يشفى من المرض مثلا، وأنّ الموضوع ليس تلفيقا واتهامه بالجنون، فردّ قائلا أن لديه ما يثبت ذلك، أصلا التقارير الطبية نفسها في المصحة تدين نفسها بنفسها ولسخرية القدر تم تثبيت ذلك في الملفات الطبية من قبل نفس ذات الصلة حيث تؤكّد سلوكيّاته غير العنيفة وغير الغريبة ومن دون علامات للمرض. سرحان الذي رفض الإجابة عن حالة العائلة وأبنائه من معاناته ومدى تأثرهم بحالته، ذلك لأنّ ابنه الصغير رفض الخروج من الصالون وسماعه القصة التي هو بنفسه يعيشها في جنون رهيب وكارثة إنسانية، حاول التأكيد أنّ تأثرّهم لم يكن طبيعيا، تأثروا بشكل سلبي ومجنون جدّا جدا

الغريب المحزن والمضحك في نفس الوقت, إن ادعاءات العائلة للأطباء كانت غير صادقة بتاتا وصادق عليها الأطباء بأني مجنون!!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]