أخذت السيارة الصغيرة التي نستقلها إلى منزل حسن عواد (28عاما) تشق طريقها رويدا رويدا، وسط غبار يتطاير من كل مكان، وبين حجارة تنشر في كل جانب من طريق ترابي إلى أن وصلنا إلى منزل وسط بلدة عورتا جنوب مدينة نابلس، تقطنه تمام عواد (55 عاما) مع أبن شقيقها المعاق حسن الذي لا يقوى على الحركة، فهو مصاب بشلل كلي.

فرحة حسن بالضيوف

حسن الذي لا يقوى على الكلام أيضا بدا فرحا بنا فور نزولي وزميلتي إلى منزل عمته تمام، أخذ يطلق نغمات تعبر عن فرحه، لا يستطيع من يتبعها فهم شيء منها، وحاول استخدام يديه قدر الإمكان لتحريك الكرسي المتحرك الذي كان يجلس عليه بضعة سنتمرات في محاولة للاقتراب من المكان الذي نجلس به، فهو وعمته تمام لا يريان كثيرا من الزوار من عورتا، التي لا يوجد فيها أي من أقاربهما، فقد سافروا جميعا إلى الأردن واستقروا هناك في سبعينيات القرن الماضي بحثا عن الرزق والعمل، وبقيت تمام ووالداها في عورتا، وتوفي والداها قبل سنوات قليلة، وبقيت هي وابن آخيها حسن فقط في المنزل.

وبدأت فصول معاناة تمام وحسن مطلع العام 1985 عندما حضر شقيقها العريس وزوجته من الأردن بعد أن نجحت زوجته في الحصول على تصريح زيارة للضفة الغربية من الإدارة المدنية التابعة للاحتلال، وبعد عدة أسابيع وضعت مولودها البكر حسن، الذي اكتشفت بعد أسبوعين من ولادته أنه معاق ولا يقوى على الحركة، فقررت العودة إلى الأردن عند أهلها بسبب انتهاء تصريح زيارتها، وبقي حسن مع عمته وأبيه الذي اضطر هو أيضا لتركه والذهاب إلى الأردن للعمل هناك.

الوالدان تزوجا...وتركا حسن

وبعد عدة شهور قرر والد حسن ووالدته الانفصال، وتزوج كل منهما على حدة، تقول تمام، منذ ذلك اليوم لم تحضر الأم لرؤية حسن ولا حتى مرة واحدة ولم تبادر بالاتصال للاطمئنان عليه، أما والده فكان يحضر بين السنة والأخرى للاطمئنان، لكن حالته المادية الصعبة دفعته إلى عدم القدوم، فلم يعد بمقدوره السفر بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة، وقرر البقاء مع زوجته الجديدة وأبنائه في الأردن فيما بقي حسن مع عمته وحيدين.

وتقول تمام وهي تقوم بإنزال حسن عن الكرسي المتحرك من أجل وضعه على الأرض كي يستريح قليلا:"ربما لحسن حظ ذلك الطفل (وتقصد حسن) أنه ولد في فلسطين وإلا للاقى الويلات بعد أن تركه والداه، فهو يحتاج إلى اهتمام ووضع للحفاظات كي يقضي حاجته بها فهو لا يقوى على الذهاب للحمام أيضا".

وتضيف: "أقضي وقتا طويلا برعاية حسن وأحاول في الوقت القليل المتبقي لدي القيام بالتطريز على آلة خياطة في منزلتي لا تحضر لي إلا القليل من المال، بينما أحتاج كل عدة أيام إلى دواء وحفاظات لحسن بملغ يتجاوز مئة شيكل، فهو بحاجة لأدوية كي تبقى أعصابه طبيعية ولا يتوتر، ويصعب علي توفير هذا المبلغ، كما أن وزارة الشؤون الاجتماعية التي تصرف مساعدة لي لا تتجاوز 750 شيكل كل ثلاثة أشهر، وهي لا تكفي لإطعام حسن الذي لم يعد له أحد سوى الله ثم أنا".

لم أعد أحتمل

وتقول: "أنا تجاوزت الخمسين ولم أعد استطيع أن أحمل حسن كما في السابق لكني لا أزال أقوم بذلك، أتمنى لو كان بالإمكان توفير كرسي كهربائي متحرك حتى يستطيع حسن السير لوحده دون الحاجة لمساعدة أحد".

وتشير إلى أنه عليها أيضا القيام بكل الأعمال المنزلية من شراء للخضروات والطعام، والغاز وشحن الكهرباء والهاتف، وغيرها من الاعمال المنزلية، كما أن عليها العمل مع حسن سويا من أجل إطعامه فهو لا يقوى على اطعام نفسه، وأيضا تنظيفه ورعايته.

وشارع..!

وتتابع قائلة والمرارة تملؤ حديثها: "حلمي أنا وأحسن أن تقوم بلدية عورتا بتعبيد الطريق الذي يصل منزلي بالقرية، فأن لم أعد أقوى على جر الكرسي المتحرك بحسن حتى أصل الشارع الرئيس بين الغبار والحجارة، كما أنني أخشى على هذا الكرسي من الخراب، لأنه في حال خرابه لن يكون لدي أي وسيلة لنقل حسن من مكان لأخر، فهو يشعر بالسعادة كلما تنقل، وتخف معاناته داخل المنزل لانه يشعر نفسه أنه في سجن دائم".

وتشير إلى أنها عندما تريد إخراج حسن من المنزل تقوم بنقل الكرسي المتحرك إلى الشارع الرئيس وتضعه هناك، ثم تعود إلى المنزل وتقوم بنقل حسن على كتفها إلى الشارع الرئيس لوضعه على الكرسي المتحرك والسير به في القرية".

وتضيف أنها ناشدت بلدية عورتا مرارا من أجل القيام بتعبيد الطريق الواصلة إلى منزلها حتى تتمكن بسهولة ويسر من جر الكرسي المتحرك لكنه لا يوجد أجد يجيب، وترى أن ذلك يعود لكونها إمرأة لوحدها لا يوجد من يسعدها أو يقف إلى جانبها ليضغط على البلدية حتى تقوم بتعبيد الطريق الذي لا يتجاوز طوله 50 مترا.

والداخل إلى منزل تمام وحسن يجده منزلا قديما بني في سبعينيات القرن الماضي، وهو صغير ومنخفض وعلى تمام صعود كثير من الدرج للوصول إلى الطريق الترابي قبل الوصول إلى الشارع الرئيس، وهي تحلم أن يقوم أحد بمساعدها من اجل صنع طريق للكرسي المتحرك حتى تتمكن من جر حسن من المنزل إلى الشارع دون الحاجة إلى نقل الكرسي ثم العودة لنقل حسن مرة أخرى".

وتضيف تمام:" توجهت إلى كثير من الجهات في مدينة نابلس ولكنني لم أفلح في الحصول على كرسي متحرك، كما أنني أخشى أن يحصل شيء للكرسي الوحيد الموجود في منزلي"، وتشير إلى أن انشغالها بحسن حال دون تمكنها أيضا من القيام بعملها بشكل جيد وهو التطريز، فكثير من الزبائن لا يرغبون في التطريز لديها بسبب تأخرها عن مواعيدها نظرا لانشغالها بحسن.

وتقول تمام: لم أطلب مالا ولكنني أريد أن أؤمن لحسن الحصول على الحفاظات حتى يتمكن من الحياة بشكل أفضل، كما أنني أسعى لتوفير ثمن الدواء الذي يبقيه بشكل طبيعي لأنه يصاب بحالات نفسية صعبة في حال عدم تناوله للدواء الخاص بالمرضى المصابين بالشلل الكلي، وأريد أن أوفر له الطعام المناسب أيضا".

وتبدو تمام إمرأة متواضعة لا تعرف سبيلا للوصول إلى المؤسسات المتخصصة بإعالة المعاقين، كما أنها تشعر دائما أنه لا يوجد من يقف إلى جانبها، فيما يبدو منزلها بسيطا ويفتقر إلى أبسط أساسيات الحياة الطبيعية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]