في كل فترة من المهم أن يكون في مكان العمل/ المصلحة مدير مخاطر. هناك فترات يكون فيها عدد المخاطر التي تتحقّق منخفضًا، وبالمقابل توجد فترات يكون فيها عدد المخاطر التي تتحقّق مرتفعًا. عندما نعدّد المخاطر ونأخذ بالحسبان أيضًا تلك المخاطر التي تحقّقت والتي لا سيطرة للإنسان عليها، مثل الكوارث الطبيعية، عندها تتغيّر وتتعاظم الصورة العامة للمخاطر ولا تترك مجالاً لعدم الاكتراث واللامبالاة أو ما يُسمّى بـ " الإنكار".
على سبيل المثال، في الفترة الحالية، تزداد المخاوف من تحقّق المخاطر في البيئة التجارية والعملية في أعقاب التغييرات السياسية في العالم وعجز بعض الدول عن تسديد ديونها، فقدان أهمية وقيمة توزيع المخاطر في أعقاب إفلاس شركات ومستهلكين وموجات تسويات الديون. في هذه الفترة من واجب مدير المخاطر أن يُدرّج – من بين صورة المخاطر العامة – تلك المخاطر التي قدّ تمسّ مكان عمله بالدرجة الأصغر أو الأكثر إنخفاضًا. لا يستطيع أي شخص في الشركة/ مكان العمل أن يتعهد ويقول بأن خطرًا ما لن يؤثّر على مكان العمل. فمثلاً، لا يستطيع أيّ مدير أن يُقرّر أنه في حالة إنهيار إحدى الدول الأوروبية أو إذا طرأت تغييرات في دول اليورو، مثل إرتفاع حاد على الفائدة أو خفض قيمة اليورو، فلن يكون لذلك تأثير على نشاط مكان عمله، وذلك لأنه غير قادر على تقدير مدى تأثير الموجات الارتدادية على المزوّدين، الزبائن والدول التي ستتأثر سلبًا من تحقّق المخاطر.
في عام 2007 إدّعى مسؤولون كبار في الحكومة الاسرائيلية أن الأزمة في الولايات المتحدة بعيدة ولن يكون لها أي تأثير على إسرائيل. هذه رؤية قصيرة المدى، ولذلك لم يُحسن هؤلاء إدراك وفهم المخاطر وتأثيراتها على إسرائيل- هذا " الإنكار"، بالإضافة إلى عوامل سلبية أخرى، عرّضت إسرائيل إلى أزمة بين السنتين 2008-2009.
إدارة المخاطر في مكان العمل هي مُركّب جوهري وحاسم في تحديد الثقافة التنظيمية. من المهم الإعتراف بالأزمة وإدراك كيف أن موجاتها الارتدادية على المصالح الشركات والدول قد تمسّ بمكان العمل. إن قدرة مكان العمل على عزل إعتباراته الأخرى، مثل: التطوّر الاقتصادي، زيادة عدد العاملين والزبائن أو شراء أجهزة ومعدّات جديدة- تُعتبر جوهرية جدًا لإدارة مهنية للمخاطر بشكل حيادي وبعيد عن التحيّزات. في الشركات الصغيرة التي لا تشغّل مدير مخاطر بوظيفة كاملة، ينبغي على المدير العام أن يُتقن إدارة المخاطر التي قد يتعرّض لها مكان عمله. في الشركات الكبيرة المعرّضة لمستوى خطر عال ومركّب، يجب على مدير المخاطر فحص كيف يمكن أن يؤثر كل خطر على كل جانب وبُعد في إطار نشاط الشركة، زيادة وتكثيف الإشراف والمراقبة، والأزمات الاقتصادية في العقدين الأخيرين والتي مَسّت- أساسًا- في أسواق المال. ولكن أضرّت أيضًا بالعقارات، دفعت الأخصّائيين الأكاديميين إلى التركيز على قياس تأثير المخاطر المالية على أماكن العمل، وهي أدوات يُمكن إستخدامها أيضًا لتقويم قوّة الأضرار الاقتصادية المتوقعة بفعل أزمات من أنواع أخرى.
الضرر المتوقع نتيجة تحقّق المخاطر يدرّس حاليًا في مؤسسات التعليم بواسطة الجمعية الاسرائيلية لإدارة المخاطر، وذلك لمساعدة صنّاع القرار، المديرين والطلاب على التعرّف على المخاطر بشكل سليم وإيجاد الفُرص ومواجهتها في المستقبل.
الإدارة السليمة للمخاطر تعرض على المديرين صورة مُتعدّدة الأبعاد بدلاً من الرؤية الجامدة- الكلاسيكية لإدارة المخاطر، وعندما يرتفع مستوى الخطر، يستطيع المديرون الإحساس بإقتراب الخطر منهم، لأنه ملموس أكثر. ولكن يُفضّل توقّع المخاطر، لأنها أمر متدحرج، وكل هزّة أرضية قد تتدحرج وتتدهور إلى أزمة إئتمان خانقة قد تؤثر على نشاط مكان العمل، وهنا تزداد أهمية وجود مدير مخاطر في مكان العمل.
وبصفتي مستشارًا لشركات في مجال إدارة المخاطر، آمل أن يتحول هذا المجال إلى موضوع دراسة وتخصّص قائم بذاته، وهذا سيتحقق فقط عندما يُدرك المديرون الأهمية والقيمة الاقتصادية لهذا المجال، وليس أقل من ذلك عندما ينجح مديرو المخاطر في إثبات إنهم مستقلّون عن جهات إنتهازية تعمل لخدمة مصالح ذاتية. مكان العمل/ المصلحة الذي يمنح مدير المخاطر حصانة ودعمًا للعمل والتحذير من المخاطر الوشيكة- قادر على الانطلاق قدمًا وتحقيق نمو ملحوظ في المجال الذي يعمل فيه.
إدارة المخاطر هي ثقافة على صعيد الدولة، إدارة الدولة والتربية في عالم الأعمال والقطاع الخاص، إسرائيل هي دولة شابة تعمل وتسعى لمعالجة المخاطر الفورية التي قد تمسّ بأمنها أو معالجة التهديدات الاستراتيجية على المدى الطويل. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت قضايا نظام الشركات، الرفاه والتربية قد أُديرت من منظور إدارة المخاطر، ولذلك ينبغي أن تصبح إدارة المخاطر عاملاً مركزيًا في إتخاذ القرارات وتحديد سلم الأولويات الوطنية في إسرائيل.
الكاتب هو مدير عام مجموعة D&B المتخصّصة في إدارة المخاطر وإيجاد الفرص التجارية.
[email protected]
أضف تعليق