64 عامًا على النكبة، والشعب الفلسطيني يأبى النسيان، أجيال تَبدلتْ، والنكبة إرث تشاركوه طوال هذه السنوات الماضية، مئات من القرى والمُدن الفلسطينية، استوليّ عليها، وهُجر سُكانها من قِبل العصابات الصهيونية، خلال العام 1948، فشردوا وهاموا في الأرض، بين لاجئ وطريد.

64 عامًا، كانوا كفيلة، في توثيق البعض من أحداثٍ كثيرة عاشها الشعب الفلسطيني، من خلال الذاكرة المصورة والموثقة، والذاكرة الشفوية، من أفواه جيل النكبة. يستذكرها لنا، العم عبد الناصر ناصر الحُصري، المولود في قرية الكابري المهجرة، في العام 1932، التي كانت حسب قوله " جوهرة المنطقة"، حيث الأرض الخصبة والينابيع.

حدثني هذا الرجل الثمانيني، الذي التقيته خلال مسيرة العودة الخامسة عشر، إلى قريتيّ عمقا والكويكات، عن عين العسل، التي كانت تروي بمائها أهل القرية، وتسقي البساتين و كانت " أحلى مَيّ موجودة في فلسطين مية الكابري" - حسب قوله، وكان هُناك أيضًا قناة الباشا، التي كانت تروي أهل عكا والسمرية، وغيرهم من التفاصيل التي كانت مرسومة على لوحة من الكرتون،  قد حملها طوال مسيرة العودة دون كَللٍ أو تعب، وسجل عليها أسماء الحارات، وأسماء أتراب الطفولة، وصوّر لنا الكابري قبل النكبة، ورسم وجه سُكانها الذين وصل تعدداهم حتى عام النكبة حسب قوله إلى نحو 1630 نسمة، وكان يتزعمها شخص يُدعى فارس السرحان وهو صاحب الكلمة في البلدة والمنطقة المجاورة.

وتابع؛ في 23 من شهر تموز من عام 1948، ذاع خبر وصل مسامعه إلى الزعيم فارس سرحان، يُفيد أن قافلة عسكرية، تسير نحو " جِدينْ"، وكما هو معلوم، أنه لم يكن في حيلة الناس شيئًا، للدفاع فيه عن أنفسهم، ولم تكن الأسلحة متوفرة لثمنها المُكلف، وكل من كان له متوفرًا السلاح، قام بالتربص لهذه القافلة العسكرية، واندلعت حينها معركة، قُتل فيها نحو ( 85) يهوديًا، و (7) من العرب، وتم حرق (12) سيارة تابعة للقافلة العَسكرية.

هجوم العصابات الصهيونية على الكابري للمرة الثانية..

لم تتمكن العصابات الصهيونية من احتلال الكابري من المرة الأولى، فعادت بالكَرّةِ من جديد، وقام جيش الانقاذ، بالتحضر لحماية الكابري، حتى لحظة وصول الأوامر من قبل الملك عبد الله، التي تأمُر القوّات العربية من الانسحاب والعودة، الأمر الذي استهجنه سُكان الكابري، متوسلين الحماية منهم لأنهم دون سلاح يحميهم، فكان رد قادة جيش الإنقاذ أن هذه أوامر ويجب أن تُنفذ، وبات سُكان الكابري دون جيش ينقذهم، ففروا إلى الجبال، حتى وصلوا الجنوب اللبناني وتمركز معظمهم في قانا.

أمضى العم عبد الناصر، (15) يومًا في قانا، لكن شوقه إلى الكابري، أعاده إلى أرض فلسطين، لكن العودة إلى الكابري كانت صعبة، فاستقبلته عكــا.

كان العم عبد الناصر الحُصري في العام 1951، ناشطًا في الحزب الشيوعي، وفي العام 1958 قام بتأسيس الكشافة الإسلامية في عكا، ومن ثم أصبح رئيسًا لها، وكان عضوًا في القائمة الحزبية التي ترأسها ميعاري، وغيرها من النشاطات الاجتماعية التي تهدف من أجل بناء المجتمع، وقد أشار خلال حديثه أنه يُناهز الثمانين من عمره، وباتت نشاطاته محدودة أكثر من قبل، لكنه عاهد نفسه أن يعمل من أجل مجتمعه بقدر مستطاعه، من أجل الأجيال القادمة، ومن واجبه، أن يوصل قصته إلى هذه الأجيال، وتوثيق النكبة، وهذه رسالة أوجهها للجميع وخاصة الكبار في السن، أن يوصلوا رسالتهم إلى الأبناء، أن هذه الأرض لنا، ولا ممُكن الاستغناء عنها، صحيح أنهم " الإسرائيليون" هم من يحكُمنا، لكنه سوف يأتي اليوم الذي تُحل فيه القضية، وإن شاء الله سوف يكون قريبًا جدًا.

خميس وصالح حزبوز.. طفلان زرع بهما والدهما حُب أرض الوطن..

تميّزت هذا العام مسيرة العودة (15) بمشاركة واسعة للنساء والأطفال، وكان من بين الأطفال المشاركين خميس وصالح حزبوز، اللذين تحدثا بخجل الطفولة عن مُشاركتهما في المسيرة، وعن الأرض التي سرقها اليهود، وقاموا بطرد العرب منها، وأقاموا مكانها بيوتًا لهم.

وهذا الأمر يلغي المقولة التي قالها بن غريون، أن الكبار يموتون والصغار ينسون، فمات معظم الكبار الذين عايشوا النكبة، لكن الصغار الذين ورثوها، احتضنوها ولم ينسوا أبدًا، أن الأرض باقية والعودة آتية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]