حتى كنيسة مار يوحنا في قرية المنصورة بأقصى شمال فلسطين لم تسلم من عبث المستوطنين ،لقد هجر اهل المنصورة البالغ تعدادهم في عام النكبة حوالي 100 نفرًا، وهدمت القرية كما سائر القرى الفلسطينية التي هدمها المغتصب ...تسمرت قدماي برفقة المرشد السياحي نمر نمر أمام كنيسة مار يوحنا في قرية المنصورة المهجرة، هذه الكنيسة التي بقيت شامخة وتدل على موقعها العربي في اقصى شمال فلسطين، حيث قام المستوطنون بهدم الكنيسة قبل نحو عقدين من الزمن ونهبوا حجارتها .... على انقاض القرية بنيت مستوطنة "نطوعة" .
تقع الكنيسة إلى الشمال الشرقي من مدينة عكا، وتبعد عنها 43 كم وترتفع 675م عن سطح البحر، وهي قرية لبنانية ألحقت بفلسطين عام 1923، وتحيط بها قرى تربيخا وترشيحا وحرفيش، وتقابل المنصورة من الجهة اللبنانية وعلى بعد مئات الامتار قرية "عيثا الشعب "، هذه القرية التي سطرت فيها المقاومة اللبنانية اكبر وأشرس معركة مع الجيش الاسرائيلي في عدوان 2006 .
لقد قام الانجليز والفرنسيين بترسيم الحدود بين فلسطين ولبنان، الحدود الدولية في المنطقة وضموها إلى فلسطين، وكانت طريق فرعية تربطها بالطريق العام الساحلي بين عكا ورأس الناقورة، وكانت منازلها متباعدة بعضها عن بعض، والمنصورة كانت آهلة بالمسحيين الموارنة في أغلبها ولها كنيستها الخاصة بها.
اعتمد سكانها في اقتصادهم أساسا على الزراعة وتربية المواشي، وكانت مياه الشرب تصل إليها إلى الجنوب منها، وبالقرب من القرية كان ثمة خربتان فيهما أسس أبينة ومعاصر وصهاريج للمياه وبقايا قلعة.
وتعد القرية ذات موقع أثري يحتوي على أطلال محلة وأساسات ومعاصر وصهاريج ومغارة بالقرب من العين، وقد هوجمت القرية في تشرين الأول\ أكتوبر 1948 خلال عملية "حيرام"، حيث قرر الجيش الإسرائيلي أن يخلي الجانب الإسرائيلي من الحدود الإسرائيلية – اللبنانية من سكانه وقد صدرت الأوامر إلى سكان المنصورة بإخلائها فعبر بعضهم إلى لبنان غير أن معظمهم نقل بالشاحنات إلى قرية الرامة التي كانت تقع إلى الجنوب، وفي شباط \ فبراير 1949 وجهت الكنيسة المارونية نداء إلى حكومة إسرائيل نيابة عن سكان القرية تطلب فيه السماح لهم بالعودة إلى منازلهم غير أن هذا النداء قوبل بالرفض.
وطوال أعوام لاحقة ثابر سكان المنصورة الذين بقوا في إسرائيل على مراجعة السلطات الإسرائيلية لكن من دون جدوى.
في العام 1949 أنشئت السلطات الإسرائيلية مستعمرة "ألكوش" على جزء من أرض القرية، فيما كانت مستعمر "بيرانيت" قد أنشئت على أراضي القرية في أوائل الخمسينات، على بعد أقل من كيلومتر من موقعها وكان اسمها الأصلي المنصورة، وفي العام 1966 أقامت السلطات الإسرائيلية مستعمرة "نطوعا" على أراضي القرية، كما أنه تم إنشاء مستعمرة "متات" التي أسست في سنة ،1979 ومستعمرة "أبيريم" في سنة 1980 على أراضي القرية.
وقد دمرت منازل القرية تدميرا كليا، وترك المغتصب أكواما من بقايا البيوت المهدمة شاهدة على العصر تظهر بين قطع الأسمنت الكبيرة قضبان من الحديد المستخدم للبناء ويستخدم الموقع مرعى للبقر، والبناء الوحيد الذي بقي قائما في القرية هو كنيسة مار يوحنا، وقد تداعى سقفها وجزء من حائطها ..ولم يكتف المغتصب بذلك وقد اقدم المستوطنون قبل حوالي عقدين من الزمن بهدم اجزاء كبيرة من الكنيسة ونهب حجارتها البازلتية السوداء ...
سكان المنصورة هم لبنانيون في الاصل ومن سكان قرية عين ابل اللبنانية
رافقنا في هذه الجولة الى قرية المنصورة المهجرة المرشد السياحي والكاتب نمر نمر حيث قال :هذه الاطلال التي نشاهدها امامنا ما تبقى من كنيسة المنصورة، وحجم الكنيسة الصغير نسبيا يدل على صغر القرية التي كان تعداد سكانها حتى النكبة حوالي 100 نسمة . وقد وثق الدكتور وليد الخالدي في كتابه " لكي لا ننسى" القرى المهجرة وكما تشاهد في الصور فقد كانت الكنيسة قائمة وشامخة حتى عام 1991 لكنها هدمت فيما بعد ليس بفعل الطبيعة انما بفعل فاعل وهم المستوطنون الذين هدموها ونهبوا حجارتها.
وأضاف: لقد بنيت هذه الكنيسة على طريقة بناء ما يسمى "بعمارة كلين " وتعني بناء حائطين متلاصقين خارجي وداخلي، ففي الشتاء كانت الكنيسة دافئة وفي الصيف باردة .
وتابع الشيخ نمر: في اتفاقية سايس بيكو تم الاتفاق بين فرنسا وبريطانيا العظمى باعادة ترسيم الحدود بين سوريا ولبنان وفلسطين ،حيث انتدبت لاحقا فرنسا كل من سوريا ولبنان اما انجلترا فقد انتدبت فلسطين وشرق الاردن ،الانجليز كانوا يضمرون الشر لهذه المنطقة وعلى سبيل المثال فقد اهتموا ان تكون منابع المياه داخل "جغرافيتهم " ولذلك فقد ضموا عدة قرى لبنانية الى فلسطين ومنها :تربيخا ،سروح ،المنصورة ،المالكية والنبي يوشع .هذه القرى ضمت الى فلسطين التاريخية وبقي سكانها يتكلمون باللكنة اللبنانية دلالة على اصلهم اللبناني ،وحين هجر اهالي هذه القرى في عام النكبة نزح بعضهم الى لبنان وتعاملت الدولة اللبنانية معهم على انهم مواطنون لبنانيون من الدرجة الاولى.
وقال: سكان المنصورة بالأصل هم من سكان قرية عين ابل في جنوب لبنان .الشيئ بالشيئ يذكر فقد اشتهرت قرية المنصورة "بطبيبها قبل النكبة وكان اسمه ابو الياس مارون مطر، هذا الطبيب "المجبر العربي " كان يطبب الناس حين كان يصاب احدهم بكسر في احد انحاء جسمه ودون مقابل ،ابو الياس نزح بعد النكبة الى مدينة حيفا وقد توفاه الله قبل نحو ثلاثة عقود.
[email protected]
أضف تعليق