لمناسبة عيد الميلاد المئويّ لمحامي الأرض والشعب، حنّا نقّارة، وبمبادرة من معهد إميل توما للدراسات الفِلَسطينيّة والإسرائيليّة، والمجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ الوطنيّ في حيفا، وعائلة نقّارة، احتضنت قاعة كنيسة مار يوحنّا المعمدان، مساء السبت الأخير، في خاتمة شهر آذار المنصرم، أمسيّةً خاصّة، حضرها عدد كبير من أقرباء وأصدقاء ومحبّي المحامي حنّا نقّارة ورفاق دربه.
تولّى عرافة الأمسيّة المحامي فؤاد نقّارة، الّذي رحّب بالحاضرين وشكرهم على حضورهم هذه الأمسيّة الحميميّة الخاصّة.
يجمعنا.. ونجتمع عليه
وكان أوّل المتحدّثين عضو الكنيست السابق، ومدير معهد إميل توما للدراسات الفِلَسطينيّة الإسرائيليّة، عصام مخّول، الّذي أكّد - في مستهلّ حديثه - أنّ حنّا نقّارة يجمعنا، ونجتمع عليه.. وممّا جاء في كلمته: "دافع حنّا نقّارة عن الحقّ في البقاء، والأرض، والوطن، واللّغة. الحقّ في المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق القوميّة واليوميّة، حيث كان مدرسةً في التثوير (من الثورة) والتعبئة وبناء الثقة لدى العامل والفلّاح والموظف.. معلنًا بذلك أنّ الكفّ الّتي تملك الحقّ قادرة على ملاطمة مخرز الظلم والاستبداد والمصادرة والاقتلاع، وقادرة على الانتصار عليه... كان لمعركة التثوير والوعي ومواجهة الظلم الدور الحاسم في بقاء هذا الجزء الكبير في وطنه، حيث حوّل الفِلَسطينيّ النازح من شعب منكوب إلى شعب متحدٍّ ومواجِه. حنّا نقّارة الّذي ذاق اللجوء كان يعرف معنى البقاء؛ حنّا نقارة الّذي اقتُلع كان يعرف معنى الالتصاق بالأرض. حنّا نقّارة تحدّى التهجير.. ناضل بشكل عادل ومشروع لشعبه الفِلَسطينيّ من أجل حلّ عادل وبناء طريق المستقبل. يبقى حنّا نقّارة خالدًا فينا وخالدًا معنا."
الغائب عنّا.. الحاضر في وجداننا وبيننا
وكانت الكلمة الثانية للقاضي المتقاعد رائق جرجورة، فقال كلمته عن حنّا نقّارة، محامي الأرض، وممّا جاء فيها: "بعد أن قرأت الكتاب والمذكّرات، تذكّرت ذكرياتي الجميلة مع أبي طوني.. الغائب عنّا، الحاضر في وجداننا وبيننا، ما دام فينا قلب ينبض. حنّا نقّارة نجم سطع في سماء بلادنا، في أحلك الفترات الّتي مرّت علينا.. علينا أن نسير في طريق هذا النجم، وأن نستمد النور من نجمه، مكمّلين مسيرته، سائرين على دربه وتعاليمه.. أبو طوني رفض الخضوع والخنوع، ونحن سائرون على دربه. إنّ القضايا الّتي خاضها حنّا نقّارة نجد فيها عبرًا ودروسًا...".
وقد سرد القاضي جرجورة عدّة أحداث جمعته برفيق دربه نقّارة، في أروقة المحاكم والحياة اليوميّة، وقد وصفه من خلالها بصانع العجائب، وقال: "أكيد أنّ حنّا نقّارة كان محاميًا لبقًا وذكيًّا جدًا.. عمل على تحصيل الحقوق، والهُويّات وتوحيد العائلات..".
وشدّد القاضي جرجورة على الحفاظ على لغتنا العربيّة، وهاجم محامِي اليوم الّذين لا يعرفون نَصَّ مكتوب بالعربيّة كما كان يفعل أبو طوني ومحامو السابق.. وقال: "علينا الحفاظ على لغتنا العربيّة للحفاظ على بقائنا".
وأشار إلى أنّه من الواجب ترجمة كتاب "مذكّرات محامٍ فِلَسطينيّ" إلى الإنچليزيّة ليكون مرجعًا.
وقد شكر المحامي فؤاد نقّارة كلّ من ساهم في إصدار "مذكّرات محامٍ فِلَسطينيّ" (الطبعة الثانية)، كما شكر صالح عبّاسي (أبو رانٍ) لإحضاره نسخًا من كتاب "مذكّرات محامٍ فِلَسطينيّ بطبعته الثانية (من إصدار مؤسّسة الدراسات الفِلَسطينيّة).
له فضل على وجودنا وبقائنا
وكانت الكلمة ليوسف خوري، رئيس المجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ في حيفا، ومّما جاء فيها: "له فضل على وجودنا وبقائنا في هذه الأرض، أكبر من الديانات المحلّيّة والطائفيّة، إلّا أنّنا في المجلس الملّيّ الأرثوذكسيّ نفتخر بانتمائه للطائفة الأرثوذكسيّة الحيفاويّة(!!) ولكونه أحد قادتها الخالدين". وقد عدّد مناقب نقّارة وخدماته للطائفة.. كان له تأثير واضح في الطائفة، واشتراكه في نصّ دستور الطائفة وإعادة صياغته، أسّس للتوجّه في سياسة الطائفة، وقد دافع عن عقارات وأملاك الطائفة وخصوصًا تلك الّتي استولى عليها الجيش الإسرائيليّ.
ثمّ قدّمت الفنّانة سلوى نقّارة مقطعًا فنّيًّا من مسرحيّة "كاپوتشينو في رام الله"، لاقى استحسان الحضور.. تطرّقت من خلاله إلى التشريد والطرد وقضيّة الهُويّة..
أحبّ والدي شعبه ووطنه وأخلص له
وتلتها كلمة ابنة المحامي نقّارة، المربّية نائلة نقّارة – أبي منّة، عن حنّا نقّارة الوالد، والّتي استهلّتها بالترحيب بالحاضرين، وبالشكر الجزيل لكلّ من ساهم في إصدار الطبعة الثانية من كتاب "مذكّرات محامٍ فِلَسطينيّ.. وساعد في التحضير لهذه الأمسيّة. ومّما جاء في كلمتها: "أحبّ والدي شعبه ووطنه وأخلص له" وتركّزت كلمتها على الجانب الإنسانيّ في حنّا نقّارة.
وقالت: "نحتفي بصدور الطبعة الثانية من كتاب "مذكّرات محامٍ فِلَسطينيّ. إنّ فكرة نشر طبعة جديدة جاءت بعد طلبات عدّة مهتمّين بمسيرة الوالد النضاليّة، في حين أنّ الجيل الناشئ – للأسف - يجهل مسيرة الرعيل الراحل من قادة شعبه في الوطن، ولا يعرف عن تلك المرحلة شيئًا". وأضافت: "إنّه من الواجب الوطنيّ أن يتعرّف الجيل الجديد بالشخصيّات الوطنيّة وتاريخها، الّتي رافقت والدي لتكون قدوة له ومثالًا للتضحية والعطاء... إنّ هذه الأمسيّة تصادف عيد ميلاد أبي طوني المِائة، فهو أحبّ الحياة والوطن والأرض، وها نحن نتذكّره في حيفا، في يوم الأرض، فهو أحبّ الطبيعة والبحر وجبل الكرمل، وها نحن نحتفل بفصل الربيع معه، احترم المرأة ودافع عن حقوقها، وأحبّ الأمّ والزوجة والابنة، وها أنا أكرّمه باسم المرأة وشهر آذار المرأة".
وأشارت نقّارة - أبو منّة إلى أنّ والدها دافع عن الثوّار وعن حقوق شعبه بعد الـ48، فعطاؤه المتفاني واللّانهائيّ كان أشبه لنا بمشعل ومثل أعلى، حافظنا عليه.. فوقفنا جميعًا إلى جانبه كما وقف إلى جانبنا. كنّا نعيش معه مشاكل المواطنين العرب في حيفا وغيرها، أيّام الحكم العسكريّ وبعدها.. كان البيت مقرًّا ثانيًا.. أحب أبو طوني حزبه الشيوعيّ وافتخر بالانتماء إليه، وكان أحد قادته. كان يعمل من دون أيّ مقابل، أحيانًا، ولم يتذمّر، قطّ؛ لأنّ المادّة لم تهمّه.
كما أكّدت أنّه كان محبًّا للأدب والشعر والزجل، وقد نشأت في حيفا نخبة من الكتّاب والشعراء حول مجلة "الجديد" فنالوا التشجيع، أمثال محمود درويش وسالم جبران وحنّا أبي حنا وسميح القاسم وإميل توما وإميل حبيبي، فكانوا يزورون بيتهم.. وأشارت إلى أنّ نقّارة - ولسبب حبّه للعلم والأدب - عمل على إنشاء الكلّيّة الأرثوذكسيّة..
واختتمت قائلة: "عند زيارتي لقبور الراحلين أشعر بأنّهم ما زالوا بيننا يضيئون لنا الشعلة.. فهم كانوا حماة الدّيار. باقون معنا وفينا..".
ضمن البقاء
هذا ووصلت رسالة "فاكس "من مدير جمعيّة التطوير الاجتماعيّ، حسين إغباريّة، أثني فيها على المحامي حنّا نقّارة، وعلى دوره في النضال والدفاع عن حقوق الشعب الفِلَسطينيّ، ما ضمن بقاءه في أرضه ووطنه ومنع مصادرة الأراضي.
ثمّ قدّم الفنّان سليم ضو - برفقة الملحّن حبيب شحادة - حنّا - مقطعًا فنّيًّا من عرض "ساغ سليم"، تحدّث فيه عن فترة الحكم العسكريّ في قرية البعنة، لاقى استحسان الحاضرين.
أحبّ الأرض والإنسان
ثمّ تحدّث النقابيّ بنيامين غونين وتطرّق إلى حنّا نقّارة في قيادة الحزب الشيوعيّ، فأثنى على الشراكة وحبّ نقّارة ومساعدته للمحتاجين، وكيف كان يشعر لدى دخوله بيت نقّارة بأنّه يدخل بيته؛ لما فيه من الألفة والدفء والحميميّة. أحبّ الأرض، ولكنّه أحبّ الإنسان أكثر. كرّس حياته للدفاع عن العمّال والمسحوقين، وأصدقاؤه كانوا كثرًا، وهم من وقفوا منتصبي القامة وأعطوا الأمل للغير.
وديع كحَمَل.. مفترس كذئب..
ثمّ قدّم المحامي والأديب وليد الفاهوم كلمته في حنّا نقّارة، والّتي حملت عُنوان "حنّا نقّارة الحاضر الغائب"، وممّا جاء فيها: "جميل هذا الحضور والاستحضار لحبيبنا حنّا نقّارة، فهو وديع كحَمَل ومفترس كذئب، وشديد الاستقامة..".
وسأله في عيد ميلاده المِائة، ماذا كان سيقول عمّا يحدث في الدول العربيّة في هذه الأيام، من مصر والعراق وليبيا وتونس وسورية وغيرها.. "العرب لم يعودوا عربين، بل أصبحوا عربًا ومستعرَبين ومستعرِبين.. والنبيل العربي لا نبيل ولا عربي، والإخوان المسلمون لا إخوان ولا مسلمون..!! يا أيّها الجبل الذي ينتمي إلى جيل العمالقة، دعني أطمئنك في ذكرى ميلادك المِائة؛ إنّنا نموت ولا نفنى، وما زلنا نقبض على الجمر ونكمل المسيرة".
وثيقة شاهدة على تاريخ شعب
أمّا كلمة المربّي د. عطا الله قبطي، محرّر كتاب "مذكّرات محامٍ فِلَسطينيّ"، فقد تمحورت حول الجانب التاريخيّ، وممّا جاء فيها: "يُعتبر الكتاب، بحقّ، وثيقة شاهدة على تاريخ شعب، ويشرّفني أن يتصدّر اسمي دفّة الكتاب إلى جانب اسم محامي الأرض والشعب، حنّا نقّارة". وشكر كلّ من ساهم في إصدار الكتاب.. فتناول في كلمته عمليّة تحرير الكتاب، وتطوّر الحسّ القوميّ والوطنيّ لدى أبي طوني.
وقال: "تولّت الابنة الوفيّة نائلة نقّارة - أبو منّة مَهَمّة جمع المذكّرات لترصد محطّات هامّة في حياة أبي طوني. فشمل الباب الأوّل من الكتاب المذكّرات، بدءًا من مرحلة الطفولة والعائلة، مرورًا بالمرحلة الدراسيّة، والعودة إلى أرض الوطن، ثمّ النشاط السياسيّ والاجتماعيّ لأبي طوني. أمّا الباب الثاني فشمل الخطابات والمواقف السياسيّة والوطنيّة لأبي طوني، فرَصَد تاريخه النضاليّ ضدّ مصادرة أراضي الفِلَسطينيّين، لذا يُعتبر هذا الباب وثيقة قانونيّة تاريخيّة هامّة، لا يُستغنى عنه لمعرفة حقيقة ما حدث. وحوى الباب الأخير كلمات تكريميّة بحقّ محامي الأرض من رفاق دربه وباحثين في تراثه، أمثال: حنّا إبراهيم، إميل توما، صليبا خميس، وليد الفاهوم، سلمان ناطور، الپروفيسور مصطفى كبها، د. مصطفى العبّاسي، ليختتم بقصيدة للشاعر والأديب حنّا أبو حنّا".
وأضاف: "كانت الركيزة الهامّة الّتي تميّز شخصيّة أبي طوني والّتي جُبل عليها، هي الثورة على الاضطهاد والقمع في سبيل إظهار الحقّ، ثمّ العروبة والوطنيّة والتعايش العربيّ – اليهوديّ؛ لأنّ التباعد بينهما - حسَب رأيه - كان مؤامرة أدّّت إلى سفك الدماء وتشريد الأهل والأبناء... خلال دراسته للمحاماة في دمشق يزداد أبو طوني تمسّكًا بمبادئه العروبيّة والقوميّة، لمس في دمشق معنى النضال والثورة على الباطل.. في وجه الاحتلال الفرنسيّ، فعلم ما معنى الإضراب والتظاهر والنضال. وتخرّج في كلّيّة الحقوق في دمشق ليعود عام 1933 إلى الوطن، ومنذ أن وطئ أرض وطنه بدأ يدافع عن المضطهدين.. بنى قصورًا وطنيّة ووقف إلى جانب أبناء شعبه في وجه قوانين إسرائيل المجحفة، فدافع عنهم بعد النكبة، فتحوّل إلى محامي الأرض بامتياز".
"هو الّذي جعل الإنسان الفِلَسطينيّ بعد النكبة يمشي منتصب القامة، معتزًّا بعروبته وفِلَسطينيّته.."! - أقوال د. قبطي.
ثمّ قدّمت الفنّانة سلوى نقّارة مقطعًا فنّيًّا مميّزًا حمل عُنوان "بائعة الهريسة"، نال استحسان الحضور.
كما تحدّث توفيق كناعنة عن الدور الهامّ الّذي لعبه حنّا نقّارة في دفاعه عن الأرض والوطن، ونضاله مع الحزب الشيوعيّ في يوم الأرض، وخصوصًا في عرّابة البطوف.
وتحدّث، أيضًا، د. بطرس دلّة عن حنّا نقّارة، معدّدًا مناقبه.
المحامي الإنسان
أمّا الحفيد المهندس حنّا نقّارة، فتحدّث عن حنّا نقّارة الجدّ، فتطرّق إلى الجانب الإنسانيّ في حياته، الجانب الّذي لا يعرفه الجميع.. فأكّد أنّ حنّا نقّارة لم يكن محامي الأرض ومحبًّا لوطنه وأبناء شعبه فحسْب، بل كان، أيضًا، جدًّا عطوفًا حنونًا وإنسانًا. أحبّ وطنه وأبناء شعبه ودافع عنهم، لأنّه عرف كيف يحبّ ويحضن أبناء عائلته.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
تهليق ع