قامت عائلة عياش من حي رأس العامود بالقدس، بإحياء ذكرى يوم الأرض الذي صادف يوم الجمعة الفائت 30 آذار 2012، بطريقة مختلفة هذا العام: دعوة الأقارب والأصدقاء، والاستحضار بصمت لذكرى استشهاد ابنها ميلاد قبل عام تقريبا برصاص الاحتلال الإسرائيلي.

عائلة ميلاد تربط بشدة بين استشهاد ابنها الذي كان في الـ 17 من عمره آنذاك، والمعركة اليومية التي يخوضها الفلسطينيون في القدس للدفاع عن مدينتهم ضد محاولات الاحتلال تهوديها، وكما يقول والده سعيد عياش (57 عاما) أن ميلاد باستشهاده، أصبح ملهما للعديد من الشبان الذين مضوا مثله يقاومون الاحتلال والمستوطنين، حتى أن بعضهم في سلوان أطلقوا على أنفسهم اسم "خلية الشهيد ميلاد عياش".

وحيد لأخت وحيدة

وكان ميلاد قد استشهد في 14 أيار 2011، بعد يوم من إصابته برصاصة أطلقت عليه من البؤرة الاستيطانية المسماة "عمارة يونتان" وسط حي سلوان الفلسطيني بالقدس، بينما كان يلقي حجارة وزجاجات حارقة على المستوطنة. ورغم أن التحقيقات الإسرائيلية المشكوك بمصداقيتها، لم تكشف عن شخصية مطلق الرصاص، إلا أن شهود العيان الفلسطينيون يؤكدون أن الرصاصة القاتلة التي أصابت ميلاد في بطنه انطلقت من نافذة في العمارة، وبالتالي فإن القاتل هو أما احد جنود الاحتلال أو أحد المستوطنين أو حراسهم.

والد الشهيد المكلوم يقول في لقاء مع موقع "بكرا": "الوضع في البيت بعد استشهاد ميلاد حزين مؤلم، وغيابه ترك فراغا كبيرا في حياتنا، خاصة والدته التي لا تجد للتنفيس عن حزنها أفضل من القلم والورق لتكتب خواطر عنه".

ويشرح الأب المكلوم بنبرة حزينة:" كنا أسرة صغيرة سعيدة، لميلاد شقيق اسمه مجد (22عاما) وشقيقة اسمها وعد (24 عاما)، وكان ميلاد في السنة الدراسية الأخيرة (صف 12) في مدرسة سخنين الصناعية في القدس، حيث كان يدرس كهربائي سيارات، وكان يحضر نفسه لتقديم امتحان الثانوية العامة الإسرائيلي " البجروت"، وقد كان لديه توجه لاكمال دراسته الجامعية إما تخصص حاسوب أو الفندقة".

مرحًا لا تفارقه الإبتسامة

ويضيف بكلمات تخنقها الدموع:" كان ميلاد شابا مرحا لا تفارقه البسمة، وكان محبوبا للغاية ومؤدبا وخجولا، كما كان السند الفعلي للعائلة من ناحية عملية، خاصة أن أخاه الأكبر يدرس في مصر منذ 4 سنوات، وشقيقته تكون عادة في العمل، فكان هو المتواجد دوما معي ومع أمه وكان يلبي احتياجات المنزل ويساعد أمه في أعمال البيت وشراء الحاجيات"، ويتابع:" على صعيد الأصدقاء كان له علاقات واسعة مع أبناء جيله، وعرف عنه بأنه كان يساعد الجميع ولم يكن يتردد في مد يد العون لسكان الحي، كما كان لديه هواية تربية الحيوانات الأليفة حيث كان يقتني كلبا وأرنبا وكان يحب أن يصحبني أسبوعيا لنمارس هواية صيد السمك في بحر يافاـ كما قبل استشهاده يخطط لاستصدار رخصة سياقة".

ويقول:" ابني ميلاد كان يحب استخدام الانترنت وله أصدقاء كثيرون عبر (الفيسبوك)"، ويضيف:"كان ميلاد أيضا متأثرا بخاله جهاد عبيدي المعتقل سجون الاحتلال منذ 25 عاما، على خلفية مقاومته للاحتلال، وهو ما انعكس في حب ميلاد للوطن وتعليقه صور خاله والأعلام الفلسطينية والشعارات الوطنية في غرفته"، ويتابع الوالد:" أنا أيضا كنت معتقلا لدى سلطات الاحتلال بتهمة المقاومة من عام 1975 إلى عام 1985، وأفرج عني في صفقة لتبادل الأسرى عام 1985 حيث كنت اقضي حكما بالسجن لمدة 25 عاما".

ساعات الإنتظار حتى الوفاة

ويتذكر والد ميلاد يوم استشهاد ابنه وكأنه حدث قبل لحظات كما يقول، ويشرح: " رأيته قبل استشهاده بيوم، كان يتابع الأخبار عبر الانترنت، خاصة أن اليوم التالي كان يصادف ذكرى النكبة"، ويتابع الأب بلهجة حزينة:" كان لدى ميلاد شعور قوي أن مواجهات عنيفة ستندلع في القدس عموما وسلوان خصوصا، وخوفا عليه، قلت له جهز نفسك لان تذهب معي غدا إلى بحر يافا، حيث كان اليوم جمعة، لنمارس هواية صيد السمك كما اعتدنا كل أسبوع، لكنه قال انه لا يرغب بالذهاب هذه المرة ولم يبد اسبابا". ويتابع الأب:"عندما استيقظت صباح اليوم التالي لم أجد ميلاد بالبيت، فخمنت انه ذهب برفقة أصدقائه لتناول الإفطار في القدس كما يفعل عادة، وقد اتصلت به على هاتفه النقال لاستحثه على الإسراع بالمجيء إلى البيت فلم يرد، فتوجهت إلى يافا وحدي". ويضيف الأب فيما الكلمات تتعثر في حلقه:" قرابة الساعة 3.15 عصرا اتصل بي احد أصدقاء ميلاد وسألني أين هو فقلت له لا ادري ليس معي، وشعرت من لهجته أن هنالك أمرا ما فسألته هل حدث شيء ما لميلاد، فقال لي يبدو انه أصيب وتم نقله للمستشفى، فعدت فورا إلى القدس، وللصدق لم أتوقع أن تكون إصابته خطرة، وكان أقصى ما فكرت فيه أن يكون قد أصيب برصاصة مطاطية". ويتابع فيما الدموع تترقرق في عينيه:" ويتابع:" وصلت للمستشفى بعد ساعة، وكان ميلاد حينها لا يزال بغرفة العمليات وبقي هناك نحو خمس ساعات، وأدركت رويدا رويدا أن حالته خطيرة جدا، وان الأمل في بقائه حيا ضعيف جدا، خاصة انه وصل إلى المستشفى في غيبوبة وقلبه متوقف، بقيت في المستشفى طيلة الليل انتظر، والساعة الخامسة من فجر يوم التالي أعلن الأطباء عن استشهاد أبني".

وبغض النظر عن قاتل ميلاد، يحمل الأب حكومة الاحتلال كامل المسؤولية عن قتل ابنه " لأنها هي من أدخلت المستوطنين إلى سلوان الحي الفلسطيني المزدحم بالسكان وهي من تقوم بحماية هؤلاء المستوطنين وتوفير الدعم لهم وتشجيعهم على الاستيطان".

ومع ذلك فالأب فخور بولده بإبنه شهيد العودة والأرض ويتابع:" ما يخفف مصابنا، هو زيارة الكثير من أصدقائه لنا باستمرار، حتى الأطفال الصغار يأتون إلينا ليبدو إعجابهم ببطولته".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]