تذكّر يا ولدي هنا كان لنا بيت.. وهناك كان لنا بيت!
في أمسية وطنية تاريخية راقية يشهد لها تاريخ الثقافة الوطنية وبحضور المئات من رواد الفكر الوطني الحر والوفيين للقضية الوطنية الملتزمة من مختلف القرى والمدن الفلسطينية، أحيت كفر قرع الذكرى السادسة والثلاثين ليوم الأرض الخالد من خلال أمسية ثقافية وطنية زاخرة بالرموز الفكرية التي تُجسد الرواية الفلسطينية وإستمرار تناقل الذاكرة الجماعية لهذا الشعب، وذلك من خلال التنقل بين سراديب ذاكرة القرى الفلسطينية المهجرة ودراسة جغرافيا تاريخ فلسطين بروح رؤيا "كي لا ننسى" من خلال المسرحية التاريخية الرائعة "سحماتا" للفنان لطف نويصر والفنان ميسرة مصري ومن إنتاج مسرح الميدان .
مهرجان آذار الأرض والوطن وشهر الثقافة الفلسطينية
وتندرج الفعالية ضمن سلسلة البرامج التي يعدها قسم الثقافة والتربية اللا منهجية في مجلس كفر قرع المحلي في إطار مهرجان آذار الأرض والوطن وشهر الثقافة الفلسطينية، استمرار للبرنامج الذي انطلق مع فعالية "الذاكرة الفلسطينية بلسان عيون الأجداد مع الأديب سلمان ناطور، بالإضافة إلى مسرحية قمر على باب الشام ومسرحية سحماتا والتي تختتم مهرجان آذار الأرض والوطن، وتأتي الفعالية بدعم سخي من وزارة الثقافة الفلسطينية وبالتعاون المبارك مع مركز مساواة،وذلك في إطار مشروع مركز مساواة"آذار الثقافة الثقافة الفلسطينية-حقوق وفضاءات".
افتتحت اللقاء الثقافي الإختتامي لمهرجان آذار الأرض والوطن في كفر قرع السيدة مها زحالقة مصالحة، مديرة قسم الثقافة والتربية اللا منهجية والتي حيت بدورها المحامي نزيه سليمان مصاروة، رئيس المجلس المحلي والسيد جعفر فرح، مدير عام مركز مساواة في حيفا والسيدة عرين عابدي زعبي مركزة مشاريع في مساواة، كما وحيت أسرة الحوارنة الثقافية من كل القرى والبلدان العربية من ام الفحم، كفر قرع، جت، باقة الغربية، الناصرة، حيفا،عارة،عرعرة، زلفة، مشيرفة، العريان،يافا تل ابيب واعبلين وغيرها من البلدان العربية، مؤكدة اعتزاز كفر قرع برواد الفكر الوطني الحر. كما وأكدت ان كفر قرع تهدي العمل المسرحي والأمسية الثقافية لشهداء يوم الأرض، أولئك الذين أغمضوا عيونهم ليُزهر سنديان بلادي على أرضنا ...في وجه حرب مصادرة الأراضي الغير منتهية حتى كتابة هذه السطور...لهم ننشد سوية موطني موطني هذا المساء ونتذكرهم.
استحضاراً للذاكرة الفلسطينية
وفي مستهل كلمتها لإفتتاح الأمسية الثقافية قالت عريفة الحفل:"اجتمعنا هذا المساء لإحياء الذكرى السادس والثلاثين ليوم الأرض الخالد من خلال مسرحية سحماتا واختتام مهرجان آذار الأرض والوطن ومهرجان الذاكرة الفلسطينية بعيون الأجداد -كي لا ننسى، وإن كان ذكرى يوم الأرض الجمعة القادم! تذكر يا ولدي هنا كان لنا البيت وهناك كان لنا بيت! هذا المساء وبالتعاون المبارك مع مركز مساواة وبدعم من وزارة الثقافة الفلسطينية ومن خلال شهر الثقافة الفلسطيني وضمن مشروع الثقافة الفلسطينية-حقوق وفضاءات ننظم سوية برنامج هذا المساء، وقد ارتأينا في كفر قرع أن نعرض مسرحية سحماتا، التي نرى فيها استحضاراً للذاكرة الفلسطينية وجغرافيا تاريخ هذا الوطن، تاريخ القرى الفلسطينية المهجرة المستعمرة منها وتلك التي يستوطنها الدمار والهدم والأطلال. رؤيانا من خلال المسرحية السحماتية هي محاكاة وجع الذاكرة الفلسطينية ونبضها في كل القرى المهجرة، سحماتا هذا المساء هي أيضا وباختلاف الأقضية، جبول الحمرا، خربة الطاقة، دنة، الساخنة، سيرين، السامرية، الطيرة، عرب البواطي، عرب الصفا، كوكب الهوا، عين حوض، كفر لام ، ياجور، صفورية، معلول وأبو كشك قضاء يافا، العباسية، بيت دجن، السيخ مونس، وغيرها ويطول العد ويطول..فعلاً يطول..علينا أن ندرك يقينا ثم نعلم أبناءنا عبرنة الأسماء للقرى المهجرة والمدمرة.. "
المؤامرة الامبريالية الثقافية
وحول الرؤيا الفكرية الرمزية التي تقف من وراء الاختيار المحدد لمسرحية سحماتا ففي هذا السياق أكدت عريفة الحفل لمراسلنا: "بما أن القرى مهجرة، فعلينا النضال بكل السبل الفكرية للوقوف أمام المؤامرة الامبريالية الثقافية الهادفة لتهجير عصافير الذاكرة الفلسطينية الجماعية أيضا بغية محو وطمس هويتنا وإدراكنا لمعالمنا الجغرافية على هذه الأرض والتي هي بنهاية المطاف، تاريخ فلسطين. مؤامرة لأسرلة الأنا وقتل الأنا الفلسطيني في تلك المعركة الديماغوغية والفكرية..والانعكاسات تقاس بالأجيال وليس بالأيام والمواقف المنفردة..نحن نتحدث عن صراع تناقل الذاكرة بين الأجداد والأحفاد.. صيرورة توثيق تاريخنا..كي لا تأكلنا الضباع فعلا إن بقينا بلا ذاكرة كما يقول الأديب سلمان ناطور."
كما ووجهت عريفة الحفل تحيتها وتحية كفر قرع للفنان لطف نويصر وميسرة مصري ولمسرح الميدان، والعمل المسرحي سحماتا الذي يسعى لتجسيد الحوار الجدلي بين الجد السحماتي الأصل والحفيد الذي يثبت لنفسه ولنا في محصلة الأمر بأن الذاكرة هي جزء من اللا وعي الجماعي الذي نتوارثه من جيل إلى آخر، إلا أن الأمر مقرون بجهد روائي قصصي من الأهل وأصحاب الذاكرة مغزول بعشق الانتماء لذلك المفتاح على صدر اللاجئ. صراع الذاكرة فعلاً! وكيف تمضي أمسية وطنية دون الاستظلال بأحد حماة الأدب الفلسطيني، إذ استشهدت عريفة الحفل السيدة مها زحالقة مصالحة بالمناضل الفكري والشهيد غسان كنفاني من مواليد عكا والمستشهد عام 1972 القائل إن قضية الموت ليست على الإطلاق قضية الميت..إنها قضية الباقين. ... فلنزرع شهداءنا في رحم هذا التراب المُتخن بالنزيف، فدائماً يوجد في الأرض متسع لشهيد آخر.
مسيرة الثقافة المجتمعية والوطنية
من جهته وجه المحامي نزيه سليمان مصاروة، رئيس المجلس المحلي تحية عميقة لأرواح شهداء يوم الأرض الأبرار الذين فدوا الأرض بأرواحهم، كفر قرع تعتز بإحياء الذكرى السادسة والثلاثين ليوم الأرض الخالد وسوف نسعى دوماً إلى تثقيف شبيبتنا نحو ثقافة إنسانية تاريخية صادقة تحمل رموز روايتنا الفلسطينية وتزويدهم بالآليات الفكرية للتعامل مع تركيبة وجودنا في هذه البلاد بهدف الحفاظ عليهم وعلى رفاهية وجودهم على هذه الأرض، ارض الرباط، كما وأكد رئيس المجلس المحلي السيد مصاروة اعتزازه بالحضور القطري النوعي والذي يُعزز في كفر قرع الرغبة والنية الصادقة في الاستمرار قدما في مسيرة الثقافة المجتمعية والوطنية على حد سواء مؤكدا نجاح كفر قرع في بناء قاعدة جماهيرية ثقافية متينة".
كما ودعت عريفة الحفل السيد محمد مرة، لينوب عن رئيس المجلس المحلي ويقدم تحية المجلس المحلي للسيدات والسادة الحضور، بدوره أكد السيد مرة فخر المجلس المحلي بفعاليات آذار الأرض والوطن والتي يعكف قسم الثقافة والتربية اللا منهجية على إخراجها إلى حيز التنفيذ بأبهى حلة تنظيمية فكرية مدروسة، مؤكداً أن من يتعمق في ألم يوم الأرض يؤيد بكل جوارحه هذه الكثافة في فعاليات شهر آذار الأرض والوطن التي تميزت بها كفر قرع والتي باتت منوالا سنوياً لقسم الثقافة، مروراً ببعض المحطات الخاصة بيوم الأرض والتي أشار إليها السيد مرة في كلمته الترحيبية.
تساهم بمأسسة التثقيف الوطني لدى جيل الشبيبة
ثم اعتلى المسرح، السيد جعفر فرح، مدير عام مركز مساواة والذي حيى كفر قرع على روعة البرامج الثقافية الوطنية التي ينظمها قسم الثقافة والمجلس المحلي كفر قرع، كما ووجه تحية خاصة لرئيس المجلس المحلي المحامي نزيه مصاروة على إتاحة المجال لتنظيم مثل هذه الأمسيات الوطنية التي ترفع اسم كفر قرع عالياً وتساهم بمأسسة التثقيف الوطني لدى جيل الشبيبة، كما وأثنى على الحضور في المركز الجماهيري الحوارنة كماً وفكراً مقارنة بباقي البلدان، مشيراً إلى الرؤيا التي تقف من وراء فكرة مشروع مركز مساواة"آذار الثقافة الثقافة الفلسطينية-حقوق وفضاءات"، فقد أشار السيد فرح إلى أن "الإنسان،الأرض والحرية" كانت ولا تزال موضوعات الثقافة الفلسطينية الأولى، وعندما جمعت مساواة في "اذار الثقافة" بين اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية وبين يوم الأرض الخالد فلكي نؤكد أولا على موضوعات هذه الثقافة التي تجعل عطاءنا الإبداعي مشحوناً بمضامين إنسانية ووطنية وأخلاقية راقية ولكي تتجلى وحدة هذه الثقافة بأبهى أشكالها متخطية كل الحدود والحواجز والجدارات لتحلق في فضاءاتها الثلاثة: الفلسطينية والعربية والكونية على حد تعبيره.
"أنا إنسان" لسيد الأبجدية محمود درويش
من جهتها شكرت السيدة زحالقة مصالحة مركز مساواة واثنت على نضالاتهم الثقافية والاقتصادية لأجل تدعيم مكانة الأقلية العربية الفلسطينية في البلاد، كما ووجهت جزيل الشكر أيضا لوزارة الثقافة الفلسطينية متمنين توسيع رقعة الدعم في العام القادم .. مؤكدة أن اختيار كفرقرع في سلة المشروع هو اختيار لكل وادي عارة والمثلث. لأن كفر قرع تعتز حقاً بحضورنا القطري، على أمل توسيع رقعة الدعم في العام القادم، لأن مهرجان آذار الأرض والوطن بات منوالا سنوياً نعتز به في كفر قرع على حد تعبيرها.
وبعد ذلك طلبت عريفة الحفل من جمهور الحضور الذين أمُوا المركز الجماهيري الحوارنة لإحياء ذكرى يوم الأرض السادس والثلاثين الوقوف دقيقة حداد وصمت على أرواح شهداء يوم الأرض الخالد والذين سردت ذكرهم عريفة الحفل على النحو التالي:الشهيدة خديجة شواهنة والشهيد رجا أبو ريا والشهيد خضر خلايلة من أهالي سخنين، والشهيد خير أحمد ياسين من قرية عرَّابة والشهيد محسن طه من قرية كفركنا والشهيد رأفت علي زهدي من قرية نور شمس واستُشهد في قرية الطيبة، هذا بالإضافة لعشرات الجرحى والمصابين والمعتقلين. كما وطلبت عريفة الحفل من الجمهور الوقوف لقراءة موطني ..موطني لتُهدى إلى أرواح شهداء يوم الأرض الأبرار.
وبأروع إلقاء لقصيدة "أنا إنسان" لسيد الأبجدية محمود درويش، فقد تألق الطفل المعجزة براء غنامة في الحضور على المسرح ليبعث الأمل في الجماهير بأن أطفال الغد يحملون الرسالة الوطنية ولا يبدلون تبديلاً.
صراع الذاكرة بين الجد والحفيد
وبعدها، ولمدة ساعة وربع من الزمن، فقد عاشت كفر قرع رحلة بين القرى المهجرة وبين حجارة قرية سحماتا وصراع الذاكرة بين الجد والحفيد حبيب الذي يضيع غرقاً في مستنقع حضارة المحتل، إذ أن المسرحية عبارة عن رحلة لشخصيتين، الجد السحماتي الأصل، الذي يبحث عن ذاكرته المدفونة في خرائب سحماتا المدمرة. وحبيب الحفيد اليافع الذي ولد في مدينة حيفا، يقوم الجد بمحاولة تقريب واشراك الحفيد بذاكرته من خلال التنقل بين الأحداث والقصص والشخصيات التي تنبعث من ذاكرته حّية ليشترك في لعبها الجد والحفيد. وهكذا تنبعث الذكريات حية في ذاكرة حبيب التي هي جزء من اللاوعي الجماعي الذي ينتقل من جيل الى آخر.
ولشحذ الهمم وتربية الأمل عاد ليحتل المسرح بجآشة صوته المبدع براء غنامة ابن سخنين مجدداً في فقرات شعرية درويشية وقاسمية وأخرى مختارة، جعلتنا نُيقن بأن الذاكرة الفلسطينية بألف خير.
وهكذا عاشت كفر قرع الأمسية الأخيرة من مهرجان آذار الأرض والوطن للسنة الثانية على التوالي ليكون لوحة في معرض نجاحات هذا البلد الطيب أهله.
[email protected]
أضف تعليق