يجلس محمد رضا عميرة (43 عاما) في منزله الكائن في قرية عناتا شمال شرق مدينة القدس والدموع تترقرق في عينه، فيما ينظر إلى صورة ابنته مروى (5 سنوات) التي قتلت، أمس، في حادث سير مروع وقع لحافلة أطفال في طريقها إلى رحلة.

ومروى هي واحدة من حوالي ثمانين طفلا من روضة ومدرسة "نور الهدى" في قرية عناتا، كانوا في طريقهم إلى مدينة العاب في رام الله، قبل أن تصطدم حافلتهم بشاحنة على طريق الالتفافي الموصل لرام الله، فيقتل ما لا يقل عن 6 أشخاص ويجرح باقي ركاب الحافلة وجلهم من الأطفال الذين لا تتجاوز أعمارهم 5 سنوات.

الدفاتر والكتب لا تزال على السرير

ويبدو محمد كمن لا يصدق نفسه، وهو يرى سرير اصغر أطفاله لا يزال على حاله، تتناثر عليه الدفاتر والألعاب، لكنه يفتقد إلى دفئ جسد صاحبته مروى، التي اثر القدر وأخطاء إدارة الروضة القاتلة إلا أن تبيت الطفلة ليلتها في ظلمة وبرد القبر.

ويقول محمد بصوت متهدج والدموع تملا عينيه، أن ابنته التي هي في الصف "التمهيدي" استيقظت يوم الحادث مبكرا جدا قرابة الساعة الخامسة صباحا على غير عادتها، وبدأ بتحضير حقيبة الرحلة واضعة فيها الساندويتشات والعصائر والسكاكر، فيما الفرح يملأ وجهها خاصة "أنها تحب الرحلات كثيرا".

ويتابع محمد انه أوصل ابنته إلى حافلة الروضة، وأطمأن عليها أنها صعدت، ثم غادر إلى مدينة رام الله للعمل، وذلك لنقل بعض الركاب من رام الله الى القدس.

خلال طريقي إلى العمل ...شاهدت الحادث

ويتابع:" غادرت رام الله قرابة الساعة الثامنة والنصف صباحا، وبينما كنت بالطريق متوجها إلى القدس عبر طريق جبع وذلك لتفادي المرور عبر حاجز قلنديا الإسرائيلي المزدحم دوما، فوجئت بأزمة سير شديدة في الطريق، فسألت المارة عن سببها فقالوا لي أن سيارتين تصادمتا بالطريق، وان النيران مشتعلة بأحدهما".

ويقول:" لم يخطر حينها ببالي أني ابنتي قد تكون من ضحايا الحادث، خاصة إنني لم اتركها إلا بعد أن اطمأنيت على سلامتها"، ويضيف:" عندما اقتربت اكثر من مكان الحادث، سألت أحد المارة عما حصل، فقال لي ان حافلة تنقل طلاب برحلة تعرضت لحادث، وان هذه الحافلة تعود لمدرسة نور الهدى في عناتا".

وجدت كل الأقارب ...إلا مروى

ويتابع محمد بإنفعال:" حينها لم اتمالك نفسي وغادرت سيارتي وبدأت اركض بإتجاه موقع الحادث، وكم خفت عندما رأيت الحافلة وقد تفحمت فيما السنة النيران لا تزال تتصاعد منها". ويضيف:" علمت ان الضحايا قد تم نقلهم إلى المستشفيات في رام الله، فركضت كالمجنون إلى هناك، وفي مستشفى رام الله بدأت ابحث بين الاسرة، فوجدت ابن جاري الطفل زين المشعشع وابن ابن عمي الطفل محمد عميرة وابن ابن عمي الاخر الطفل فهمي عميرة، وكانوا والحمد الله بخير، ولكني لم اجد ابنتي".

ويوضح محمد انه جلس ينتظر لا يدري ماذا يفعل، ولم يكن يملك غير الاتصال بزوجته التي توجهت إلى مستشفى هداسا العيسوية الاسرائيلي بالقدس للبحث عن مروى هناك، بعدما سمعت ان الإسعاف الاسرائيلي نقل بعض ضحايا الحادث إليها.

ربطة الجدائل والمفتاح ...وجثة متفحمة

ويقول:" بينما أنا كذلك جاءني المدعي العام الفلسطيني وسألني:" ما أوصاف ابنتك؟" فأخبرته عن أوصافها، فقال لي هل كانت تربط شعرها على هيئة جدائل، فقلت له نعم، فقال وهل يوجد عندها علامة فارقة، فقلت كانت تربط مفتاح باب المنزل بخيط ابيض وازرق على رقبتها، خاصة أنها تعود للبيت أحيانا ولا يكون احد فيه فتفتح الباب وتدخل، فقال لي:" بعوضك الله"، ويقول محمد:" عندها شعرت بجسمي كله يرتجف وأني على وشك الانهيار، وبدأت أمشي وراء المدعي العام دونما وعي، أما أخي عمار الذي كان معي فتوقف عن الحركة وتصلب في مكانه".

ويضيف محمد بصوت حزين:" دخلت إلى غرفة، وهناك رأيت جثة لطفلة متفحمة، وكانت جثة طفلتي، ولم يظهر منها إلا بعض ملامح وجهها والمفتاح على رقبتها، وقد احترقت ملابسها وذابت عليها".

مسؤولية على إدارة الروضة

محمد يعتقد أن الحادث كان قضاء وقدرا، ولكنه يحمل إدارة الروضة جزءا من المسؤولية، إذ كيف لم تلغ الرحلة في هذه الطقس السيء، خاصة أنها كانت قد حاولت تنظيم رحلة في العام الماضي في ظروف جوية مشابهة وأجلتها مرتين حينها لحين تحسن الجو. ولدى سؤاله :" ان إدارة الروضة أبلغت الأهالي قبل أسبوع عن نيتها تنظيم الرحلة، ونحن علمنا بأن هنالك منخفض جوي قبل ثلاثة أيام فقط، وقد حاولت زوجتي إقناع مروة بعدم الذهاب إلى الرحلة لكن الطفلة أصرت على الذهاب، ولم يكن احد يتوقع هذا يخبؤه القدر".

الإحتلال ايضًا مسؤول

ويرى محمد كذلك ان الاحتلال الاسرائيلي مسئول عما حدث لابنته، إذ كان بإمكانه السماح لسيارات الإسعاف وطواقم الدفاع المدني الفلسطيني المرور عبر حاجز قلنديا ومن ثم عبر بوابة بجدار الفصل العنصري إلى الرام فجبع حيث مكان الحادث، ولكن وجود الحاجز وإغلاقه في وجه الإسعاف وطواقم الدفاع المدني الفلسطينية جعلها تعلق في أزمة السير وتصل إلى الموقع متأخرة بنحو نصف ساعة، بحيث كان بالإمكان لو وصلت قبل ذلك إنقاذ العديد من الضحايا قبل ان تشتعل النار في الحافلة.

محمد لا يملك الآن إلى النظر في جهاز الكمبيوتر إلى صور التقطها لابنته مروة قبل أسبوع حين ذهبت مع العائلة في رحلة إلى ايلات وكانت البسمة لا تفارق وجهها في كافة الصور، ولسان حاله يقول:" الموت يلاحق أطفال فلسطين، وحتى وهم في طريقهم إلى الفرح".
 
إقرأ في هذا السياق:

حداد بفلسطين لمصرع 10 اطفال وعشرات الجرحى باشتعال حافلة في القدس
جماهير عناتا تشيّع المربية علا والطفلة مروة
2000 مشيّع في جنازة الطفلة مروة من عناتا
"بكرا" ينشر اسماء الضحايا الـ6 من حادث جبع

رؤى لم تعد تستطيع الكلام بعد "فاجعة عناتا"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]