يقبع الأسير وليد دقة (52 عامًا)، منذ ما يقارب الست وعشرون عامًا في ظلمة سجون الإحتلال، على خلفية إدانته بــعلاقات مع تنظيم معادٍ لإسرائيل، الجبهة الشعبية، وخلال كل هذه السنوات الـ 26، بقي لوليد حلمًا واحدًا لم يفارق هواجسه، وهو أن يصبح أبًا، فقد كتب وليد العديد من القصص القصيرة والخواطر، خلال وجوده في السجن، تحدث خلالها عن حلمه هذا وعن أمله في أن لا يترك الحياة دون أن يكون قد ترك فوقها طفلاً أو طفلة تحمل اسمه...

صباح اليوم، تجمعت عائلة وليد في ردهات المحكمة المركزية في الناصرة، رفقة المحامية عبير بكر من مركز "عدالة" لحضور جلسة المحكمة للبت في قضية "الإبن الحلم" لوليد...

عند وصولنا هناك علمنا أن الجلسة ستعقد في القاعة رقم "12 أ" في الطابق الأول من المبنى، وكم كانت فرحة "أم وليد" عظيمة لأنها وجدت بعد استكشاف سريع لتقسيم القاعة، أنها لا تحتوي قفصًا للاتهام بين جدرانها، فقد بدا لها لوهلة أن "العدل الإسرائيلي" سيمنحها فرصة متابعة الجلسة بينما يجلس وليد قربها فتلمسه وتمسك يداه بعد طول شوق...

غير أننا فوجئنا، بعد برهة من رسم مخيلتنا لشكل اللقاء الحر بين الأم وابنها في قاعة سمح هيكلها بدخول فسحة من العدالة داخله، فوجئنا بخبر انتقال الجلسة إلى قاعة مقابلة اكتشفنا حين دخلناها أنها لا تختلف عن القاعة السابقة سوى بقفص حديدي كبير احتل إحدى زواياها...

أم وليد تبكي وشقيقه يأمل خيرًا...!

جلسنا هناك، وأم وليد، هي الأخرى، جلست على مقربة منّا بينما تحمل في مقلتيها دمعة بدا لنا أنها تسكن هناك منذ أُسر وليد، قبيل 26 عامًا، سألناها إن كانت تتوقع أن يسمح لها القضاء الإسرائيلي في أن تصبح جدّة لطفل سينجبه وليد..!؟، فأجابتنا بحرقة تجلت في صوتها:"مش رح يسمحوا بإشي..."، ثم أجهشت بالبكاء..، وبعد برهة، همست وكأنها تهلل لحفيدها المنتظر:"إن شاء الله يسمحوا...إن شاء الله...!"، وأدارت وجهها عنا لزاوية أخرى وبدأت بالدعاء، بهمس أيضًا...

أما حسني دقّة، وهو الشقيق الأكبر لوليد، فقد قال لنا أنه يأمل أن يتحقق أمل أخاه، مشيرًا إلى أن الحلم الوحيد الذي يعيشه وليد هو أن يصبح أبًا، وقال:"أعتقد أن الحق الطبيعي لأي إنسان هو أن يكون أبًا لطفل أو لطفلة، فلماذا يُسلب هذا الحق من شقيقي، فهناك سجناء اتهموا بأمور أكثر خطرًا على أمن الدولة وسمح لهم أن يجتمعوا بزوجاتهم بخلوة وينجبوا...، فلماذا لا يسمح لوليد بالأمر نفسه، ألأنه عربي...؟، إن هذا الحلم هو حق طبيعي وآمل أن تتحقق العدالة ونرى ابنًا لشقيقي في الفترة المقبلة..."

المحامية بكر: يدّعون أن طفل وليد سيكون خطرًا على المجتمع...!

في حديث لنا مع عبير بكر، المحامية المسؤولة عن القضية من مركز "عدالة"، قالت:"إنني أعتقد أن هذه القضية مبنية على اللامنطق، حيث سمحت المحكمة لأكثر من سجين يهودي متهم بقضايا أكبر من تلك التي يتهم بها وليد، أن يصبحوا آباءً بينما هم داخل السجن، وعندما طلبنا الحجة لمنعهم من تحقيق حلم وليد في هذا المجال تم إخباري بأن وليد لا يزال على علاقة مع أجهزة معادية لإسرائيل ومهددة لأمنها، مشيرين إلى امتلاكهم وثائق تثبت صحة ما يقولون (رفضوا الكشف عنها أمامنا أبدًا)، والمضحك المبكِ في الأمر أنهم يعتقدون أن وليد إن أنجب فإن طفله سيكون "خطرًا على أمن الدولة"...!

تابعت:"إنني أرى أن المحكمة تحاول الإصرار على رفضها الأمر لأنها لا تريد أن تفتح بابًا لأن تصبح "الأبوّة" مطلب الأسرى في السجون، وبرأيي أن القضية مجحفة بحق وليد وزوجته وعائلته لأنه في السجن منذ 26 عامًا وليس منذ 4 سنوات مثلاً، وآمل أن تنجح مساعينا وننجح في مساعدة وليد على تحقيق حلمه..."

المحكمة تمنع وليد من مصافحة والدته...!

هنا، دخل وليد إلى القفص الموجود في القاعة وسط فرحة عائلته بلقائه، دخل مبتسمًا بارتياح سمح لأمه أن تقفز بلهفة من مكانها لتحرر شوقها نحوه وتصافحه، وقبل تَلامُس الأكف ببعض الإنشات فقط، منع الشرطي الذي رافق وليد هذه المصافحة أن تتم...!

لكن وليد صافح والدته بعينيه أكثر من مرّة، قبّل شقيقته أيضًا بالطريقة نفسها وعبر عن شوقه لكل هذه الوجوه التي افتقدها بينهم... بابتسامته فقط!
لم يتحدث وليد كثيرًا قبيل دخول القاضي وانطلاق الجلسة رسميًا، لكننا جميعًا سمعناه يعبر عن سخريته وغضبه من رفض المحكمة المستمر لطلبه في أن يصبح أبًا..."

لحظات ودخل القاضي، عم الهدوء في القاعة، وانطلقت الجلسة رسميًا وبعد جدل بين طويل بين أطرافها تم تأجيل إطلاق الحكم في القضية حتى موعد الجلسة المقبلة.

وهنا بقي لنا أن نطرح السؤال الأهم في هذه القضية:"ترى هل سيتحقق حلم وليد بالفعل، ويصبح أبًا...؟"

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]