لا يُمكن أن نَمُر على مُداخلة المهندس المعماري (والمصمم الصناعي)، عبد الخالق بدران، التي ألقاها في المؤتمر العقاري العربي الأول في الناصرة، مؤخرًا مرور الكرام، قررنا التوقف عند ما يقوله وما يُنجزه وما يسعى لتحقيقه من خلال بحثه العلمي الذي يهتم بالعمارة الفلسطينية وكل ما يعنيه الموروث المعماري من أهمية.

وإذا كان الاهتمام يقع على عاتقه، ويسعى المهندس بدران لنشره، لكننا في المقابل، نتحدث عن إجحافٍ بحق الفلسطينيين خاصة في مناطق الـ 48، الذين إما أنهم هُجروا من أرضهم أو هُدمت بيوتهم، أو لا يتم ترميم منازلهم بدون أو مع دراسة، والسبب الرئيسي في ذلك هو الوضع المادي، وعدم اهتمام الدولة بالحفاظ على هذا الموروث، وبذلك تُطمس هذه المعالم المهمّة.

في مقابلة مصوّرة خاصة نتحدث إلى المهندس المعماري عبد الخالق بدران الذي أتحفنا بموضوعٍ شيّق، اليكم الحوار:

ماذا عرضت خلال المؤتمر، وما الهدف مِنه؟!

بدران: خلال المداخلة عرضتُ ثلاثة أشياء الأولى كانت عن تعريف ما هو الموروث المعماري لدينا، أتحدث عن الموروث المعماري الفلسطيني في عرب الـ 48، وتحدثنا أيضًا عن أهمية الموروث المعماري ثقافيًا وتحدثنا أيضًا عن آلية كيف يُمكن أن نرتقي بالموروث المعماري والبيئة العمرانية التاريخية. بالنسبة للنقطة الأولى هنالك عدم علم وإدراك عند الأغلب ما هي العمارة الفلسطينية وأثناء تجوالي في بحثي الذي أجريه حاليًا في جامعة كارديف البريطانية تعرفتُ على بيوت جميلة جدًا، ولكنها مخبأة، كنوز، لا يراها المار مرّ الكرام، فكان لدي تجربة كيف أدخل لها واستكشفها وأعيش فيها لحظات والمس حجرها وتاريخها.

كان الأمر استكشاف ملهم جدًا، لي أيضًا، في عملي كمعماري، في مكتبي، جميع هذه الأمور يمكن أن نتحدث عنها مطولاً، ليس فقط 5 دقائق أو 15 دقيقة في مؤتمر، والقضية هنا كم نستطيع أن نصِل للوعي العام مع هذه الكنوز، وهناك مهام ملقاة على الجميع، الجهات الرسمية والنخبة أو العامة أو الخواص، وأيضًا عاتق على الشعب، مثال ذلك في شفاعمرو اكتشفت أن هناك بيوت من طين، سقفها من تراب وخشب وهناك بيوت حجرية سقفها من خشب مصقول مع تراب أيضًا، وهناك بيوت سقفها من قباب، هناك أقواس، هناك أنابيب، واسقف أسمنتية مجسّرة بالحديد وهذه كانت في فترة بدأ فيها الحديد يدخل بلادنا.

ومهم جدًا أن ينخرط المسؤولون عن المدن، في برامج يتم من خلالها تجنيد كافة الجمهور، وليس فقط وضع مخطط ونعمل مع لجنة التنظيم ونُخرج المخطط لحيز التنفيذ دون إشراك الجمهور، ولكي ينجح العمل هناك نقاط لصالح الناصرة وشفاعمرو وسخنين ولكنها غير كافية لأنّ العمل دائمًا دائرة الترميم يجب أن تكون متكاملة، بما في ذلك: الترميم، السياحة، فإذا كانت مقطوعة سيفشل العمل. ومِن المعروف أنّ الترميم يجلب السياحة، وهي عادة معروفة في كافة أرجاء العالم، أنّ هناك علاقة بين الترميم وبين الاقتصاد، وليس ذلك فقط وإنما الاقتصاد هو داعم ناتج عن الترميم المُحرك عن طريق الترميم يكون داعمًا للبلد.

• هل يُتابع الترميم المعماري مِن قبل مختصين؟

بدران: أستطيع أن أوجز وأقول أنّ العمارة الفلسطينية لها باحثيها، وهناك دراسات في جامعات البلاد أو جامعات فلسطين بما فيها الضفة وغزة، أو في الجامعات العالمية، لكن التوثيق الكلي، أو الشامل للعمارة الفلسطينية في الـ 48 هو جملة صعب أن تُقال، فأغلب التوثيق الذي جرى، كانت جزئية واعتمادًا على العمارة التي كانت موجودة في لبنان أو في الضفة حتى تُفسر ظواهر العمارة لدينا، فهذا أمرٌ مغلوط، ويجب أن تنتج الدراسة من هُنا، فكان هناك بعض الدراسات التي هي تتناول قصة بيت هنا وهنا من ناحية أكاديمية ولكن لم تصل لنظرة عادةً، عن العمارة الفلسطينية وماذا حدث لها.

وقد تناولت في بحثي أيضًا العمارة المُعاصرة، ماذا حدث للعمارة الفلسطينية التقليدية ودرست العمارة الفلسطينية المعاصرة، ومهم جدًا أن نفهم الاثنين، ودراسة مولد العمارة الفلسطينية لا يكفي، يجب أن ندرس أيضًا موتها، هي لم تمت لكنها تختفي من المشهديات اليومية لحياتنا، حتى في خرائطنا الموجودة اليوم في أغلب البلديات هي المشهدية أو الحي التاريخي تقريبًا معدومة ليس لها تأثير المدينة وعلى اتخاذ القرار بماذا يحدث في الأطراف، أطراف المدينة التاريخية.

•  مساهمة الدولة في الحفاظ على التراث المعماري؟!

بدران: الترميم بشكلٍ عام، هو موضوع بدأ من القرن الماضي، لكن الترميم في البلاد لا يتجاوز عمره الـ 25 عامًا. قضية الترميم والوعي للترميم، أتحدث رسميًا وجماهيريًا هو موضوع جديد في البلاد، والقضية هنا كم كانت الـ 25 كافية لحكومات إسرائيل أن تقوم بمبادرة لترميم أو المحافظة على الأقل، الممكن، الموجود، لتركها للأجيال القادمة، القدرة على الترميم غير موجودة، تكاد تكون صفر، وليس فقط ليس هناك ايضًا خطاب، ليس فقط ممارسة، لا يوجد حديث عن هذا الموضوع، على الإطلاق، شفاعمرو حتى اليوم معرّفة في الخارطة الهيكلية كحي الذي يمكن بناء فيه وتعمر وتزيد طبقات، وهناك قيمة عقارية، الحكومة تعطي لصاحب العقار قيمة عقارية أفضل من الترميم، بالمفهوم الدارج، ليبني 4-5 طبقات، فلماذا يذهب إلى الترميم، أن يترك المبنى مثلما هو بل سيصرف عليه الأموال، حتى يقوم بتحسينه، بالآخر أن يعيد له مردوده.

وكان هنالك شبه معجزة أنّ أغلب الحي القديم في شفاعمرو، كان هناك بديل للتطور الذاتي، فانتقلوا لأطراف البلد، كان هناك أراضٍ ولكن هُدمت بيوت قديمة، وأغلب المحافظة كانت أكثر في الحي المسيحي، ثم الدرزي ثم الإسلامي، فالإسلامي هناك الكثير من الإضافات على العمارات، لدرجة أنّ البيوت تختفي معالمها، لا تظهر معالمها، بل وتؤثر على دراستها، فمن الصعب أن تدرس عمارة تمت بها إضافات كثيرة، تحتاج مني لساعات، حتى أفهم إضافة جدار هنا أو هناك في العمارة المتروكة المهجورة الواضحة المعالم، أقضي أحيانًا ساعة.

يجدر الإشارة أنّ هناك قصة لبيت في شفاعمرو، مع جميع التوثيق الصوتي، أو التقائي مع أصحابه لا يذكرون ما هو البيت، لا يذكرون كيف كان في السابق، لم يحدث إضافات أبدًا، باستثناء سُلم ربما أو حمام لا أكثر، أتحدث عن أجيال في الستينات والسبعينات ليس هناك معلومة كيف تأسس هذا البيت، وكيف بُنِيَ ولِمَن وكيف أصبح يحوي فراغات كثيرة، اضطررت أن أعمل به لساعاتٍ حتى أفهم قصته، ولا أحد يستطيع أن يُؤكد القصة الحقيقية، فليس هناك مَن يعرف شيئًا عن البيت، لكن بخبرتي كمهندس إنشائي استطعت أن أفهم كيف أنشأت العمارة الفلسطينية، وكيف تطورت على الأقل في آخر 50 عامًا.

رجوعًا لسؤالك، لا انتظار لأحد من الحكومات، لن يقوم يوم من الأيام أن تقوم حكومة إسرائيل، بمبادرة لترميم الأحياء، لماذا ترممها؟! ما يُجرى حاليًا، ليس دعمًا ماديًا لرصف الأحياء والطرقات والأزقة، أتحدث عن شيء آخر، عن برنامج فيه ارتقاء كامل، أن تتجند كليًا، أموالك ومجهودك نحو إنجاح الارتقاء في هذاالحي، حتى اليوم ما تمّ هو عمليًا ميزانيات على مدار كذا سنة، ضئيلة جدًا ولا تكفي لنقل النوعية التي نريدها، لكن كتب الكثيرون عن الفشل في ترميم الحي التاريخي سخنين والناصرة وما إلى ذلك.

• العمارات التي حافظت على نفسها، هل هي موجودة؟!
بدران:
 صعب جدًا أن أجزم، قد تكون عمارة او اثنتين، لم أتمم سجل معيّن في التوثيق، وما أقوم به من توثيق هو عيني، ولكن القصة واضحة، مَن يدخل الحي يفهم ما كان هنا وما حدث، الإضافات أو حتى الحيطان الخارجية، حيطان الأسوار الخارجية أغلبها هُدمت أغلبها، لكن هناك اسوار بقيت، لكن هناك عمارات تحكي قصتها وهي مهدومة، ترى ماذا كان هنا، رغم هدمها أو تداعت للسقوط، هناك أكثر حي رأيت فيه كمالاً ويمكن أن يكون صاحب معايير عالمية للاعتراف باليونسكو وما إلى ذلك هو الناصرة وشفاعمرو، فبالفعل هناك كمال بالنسيج العمراني التاريخي تشعرين فيه أنّ هناك، رغم أنها اكلت اطرافه، وهُدم بعضه، لكن ما زال متواصل مع بعضه، وواضح المعالم.

كيف تنظر إلى ما يجري في عكا؟!
بدران:
كل عمل إذا لم يكن له رجاله يقومون ويقفوا ويقولوا لاء، فسوف يكون فاشل، بعكا لم اطلع على كافة الأحداث في عكا، إذا كانت هناك عينية أم دائمة، تعحدث، في عكا وحيفا وما على ذلك، هناك مباني قديمة في عكا أنا بتواصل مع أهلنا في عكا، وأعرف أن اهل عكا واعون ولثيس من السهل أن يتركوا الحكومات تنفذ المخطط بعكا، أنا باحث ولستُ رجل سياسي، متواصل مع الجميع، لكن من عملي في البحث استطعت أن اكتسب اصدقاء في معظم البلاد، ونحنُ بعلاقة ونعرف ماذا يجري، وأعرف أن هناك في عكا أناس لن يتركوا الأمور تتداعى، هناك دون ذكر أسماء هناك مؤسسات وباحثين وكتاب واعين لهذا الأمر.

مَن هو عبد الخالق بدران؟!

* طالب سنة أخيرة في الدكتوراة بكلية العمارة ويلز كارديف في أمريكا.
* شهادة بكالوريوس في الهندسة المدنية والماجستير في التصميم الصناعي (درجة شرف) من معهد التخنيون للهندسة التطبيقية.
* بكالوريوس في الهندسة المعمارية من أكاديمية Wizo للتصميم.
* عضو اللجنة المركزية في رابطة المعماريين المتحدين.
* عضو اللجنه المحليه للتخطيط والبناء "الجليل الأسفل"
* باحث مستقل في مؤسسة أيدار (iDAR )- جمعية لأبحاث العمارة و العمران.
* حاصل على جائزة زمالة المركز الفلسطيني- الأمريكي للأبحاث عن أطروحة الدكتوراة "تأثيرات الـمشروع الإسرائيلي على الـعمارة الفلسطينيّة في إسرائيل" * الجائزة الثالثة لأفضل بحث في البلاد AIQ عن أطروحة الماجستير "ألمشهديه الصوتية في الـعمارة"
* منحةORS لأبحاث الدكتوراه من مجلس الجامعات البريطاني.
* مِنحة عميد الطلبة – التخنيون
* منحة أبحاث لطلاب الماجستير.
* منحة المركز العربي للتخطيط البديل، منحة أبحاث
* جائزة وزارة المعارف، عن مسابقة في تصميم العمارة التربوية.
* مثّل كلية العمارة في جامعة كارديف البريطانيّة في مؤتمر عالمي حول الموروث المعماري الإنساني في البرتغال، بمشاركة مئتي باحث ومحاضر اختيروا من بين 500 طالب.
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]