67 قتيلاً، فارقوا مُحبيهم في العام 2011، رحلوا، ولا يعلمون أنّ خلفهم تركوا جراحًا لا تندمل، خلّفوا أحزانًا لا يُداويها الزمن، هل نُعدّد أسماءَهم؟! هل نذكر أعمارهم؟! وماذا يُفيد الضحية ذكرُ إسمها لم تعد تسمع أصلاً نداءاتِنا!

وجعٌ لا يُمكن وصفه، وأفراحٌ لم يعُد لها طعمٌ عند هذه العائلات؟! الضحايا كُثُر ومطلقو الرصاص كثيرون أيضًا، لكنْ مَن المذنب؟! مَن هو كاتبُ سيناريو هذه الجرائم؟! مَن صَورها؟! مَن لَم يُحاربها؟! مَن لم يحاوِل منعها؟!! جميعنا مسؤولٌ عن حصاد العام 2011.

بعضُ مَن فارقونا قُتلوا بالخطأ، وآخرون قتلوا بادعاءاتٍ ولأسبابٍ عديدة، جميعها غيرُ مُبرّرة، فتعددت الأسبابْ والموتُ واحِدٍ، نُلخص حصاد العام الماضي، عَلْنا، نقف قليلاً، أمام هذه الجرائم، ونتساءَل: "مَن المُستفيد؟!"، عندها لا بُدّ أنّ شيئًا ما في داخلنا قدْ يتغيْر، نأمُل ذلك!
 

وها نحنُ نُسجّل 67 حالة قتل شهدها العام 2011، ونخشى كما يبدو، أن يكون الآتي أكثر إيلامًا!

شهر كانون ثاني (1) 2011
*عكا: مصرع فؤاد عمار(24 عاما) رميًا بالرصاص
* العزازمة: اسماعيل سلمان الباشق يرمي ابنه (4 اشهر) فيقتله
* طوبا الزنغرية: مصرع أمير ذياب الهيب (32عامًا) رميًا بالرصاص، في عرس.
*الطيبة: مصرع أسامة حاج يحيى (48 عامًا) رميًا بالرصاص
* حيفا: مصرع آلاء ضاهر (19 عامًا)، رميًا بالرصاص في الرملة
* عكا: مصرع فايز طارق المصري (17 عامًا)، رميًا بالرصاص
* اللد: مصرع زيد الأسد من اللقية (20 عامًا) رميا بالرصاص

شهر شباط (2) 2011
* اللد: مصرع محمود ابو زايد (20 عامًا) رميًا بالرصاص
* رهط: حماة تقتل كنتها علا أبو صيام (19 عامًا) رميًا بالرصاص
*ام الفحم: الشرطة تحقق بمصرع ليلى محاميد (32 عامًا)
* يركا: مصرع فايد أبو حمدة (40 عامًا) رميًا بالرصاص
* رهط: مقتل الشاب قيس أبو صيام (16 عامًا) على يد زميليْه في الدراسة
* كفر قرع: مصرع علاء المصري (في الأربعينات) رميًا بالرصاص

شهر آذار (3) 2011
* الرملة: مصرع صلاح عبد العال (31 عامًا) رميًا بالرصاص
* الطيبة: مصرع اسلام هروش وايوب الغزيّل (في العشرينات) رميًا بالرصاص
* عين الأسد: مقتل أمير انور عامر (21 عامًا) رميا بالرصاص في المغار
* الطيبة: مصرع الشاب أحمد جبالي (20 عاما) رميا بالرصاص

شهر نيسان (4) - 2011
*الطيبة: عملية قتل مزدوجة ومصرع رنان عبد القادر وعدي متاني (في العشرينات من العمر)
*اللد: مصرع ياسمين أبو صعلوك (31 عامًا) قتلاً
*يافا: مصرع الشاب جهاد زينب (20 عامًا) رميًا بالرصاص
*قلنسوة: مقتل وئام زميرو (38 عامًا) رميًا بالرصاص
*المكر: مصرع علاء أبو عيشة (20 عامًا) رميًا بالرصاص
*ام الفحم: العثور على جثة علام ابو رعد (العشرينات)
*عيلوط: محمد صبري أبو زويد عودة الله (26 عامًا) رميًا بالرصاص
*كفر قاسم: مصرع عامر صرصور (58 عامًا) رميًا بالرصاص

شهر آيار (5) 2011
*قلنسوة: مصرع شفاء مرعي (28) رميًا بالرصاص
*حرفيش: مصرع زيد غضبان (62 عامًا) حرقًا!
* يافا: مقتل عبد بواب (28 عامًا) رميًا بالرصاص

شهر حزيران (6) 2011
*الرملة: مصرع شخص(لم يعرف اسمه) (39 عامًا) رميًا بالرصاص
*جلجولية: مصرع سلطان وفرسان صبيحات من سالم رميًا بالرصاص
*اللد: مصرع خضرة أبو غريب (50 عامًا) وإصابة زوجها وابنيها
*يركا: مصرع سامي خطار (32 عامًا) رمياً بالرصاص
*عرابة: مصرع عثمان نصار على يد قاصريْن
* رهط: مصرع فريال خمايسة (30 عامًا)، طعنًا!

شهر تموز (7) 2011
* مجد الكروم: مصرع أمير حمدان (19 عامًا) رميًا بالرصاص، أثناء عرس شقيقه
*المشهد: مصرع الشاب أمير توفيق كريّم (23 عامًا)، رميًا بالرصاص
* الطيبة: مصرع محمد جبالي (40 عامًا) وابن شقيقه علي (23 عامًا) رميًا بالرصاص
* الرامة: العثور على جثة مايا فارس (20 عامًا) بعد أيام مِن قتلها!
* طرعان: مصرع أنصار علي نصار (17 عامًا) دهسًا على يد شقيقها!

شهر آب (8) 2011
* عكا: مصرع شوقي فيليب شاهين (80 عامًا)، جراء انفلات رصاصة
* كابول: مصرع الشاب فضيل أحمد عيد (30 عاما) طعنًا
* تل أبيب: وفاة عابد دعالسية (59 عامًا) طعنًا!
* يافا: مصرع أدهم عياش (23 عامًا) رميًا بالرصاص

* الناصرة: مصرع عوني الفار (50 عامًا) رميًا بالرصاص!

أيلول (9) 2011
* جت: مصرع عمر وتد (23 عاما) وابن عمه محمد وتد (24 عاما) وابن خالتهما هاني حندقلو (24 عاما) رميًا بالرصاص!
*الطيرة: مصرع هاني عبد الحي (54 عامًا) رميًا بالرصاص
*اللد: مصرع محمد ابو صعلوك ( 40 عامًا ) رميًا بالرصاص
*الطيرة: مصرع فاخر ابو خيط (42 عامًا) رميًا بالرصاص

تشرين أول (10) 2011
*أم الفحم: مقتل توفيق ابو هيكل (49 عامًا) ونجليه أحمد ومحمود(20 و19 عامًا) رميًا بالرصاص

تشرين ثاني (11) 2011
*اللد: مصرع نرمين مسعود أبو زيد (في العشرينات من العمر)
*مجد الكروم: مقتل محمود أحمد عبيد (28 عاما) من طوبا على يد الشرطة!
*البعنة: مصرع نصر بدران (25 عاما) رميًا بالرصاص
* باقة الغربية: مصرع علي أحمد زغل أبو مخ (30 عامًا)، رميًا بالرصاص!
*كفر قاسم: مصرع محمد ابو جابر (25 عامًا) رميًا بالرصاص

شهر كانون أول (12) 2011
*الجديدة: مصرع القاصر أنس كيال (12 عامًا) رميًا بالرصاص في شجار عائلي
*عين الأسد: مصرع الطفل حسين عطور (4 سنوات) حرقًا بالخطأ بسيارة عائلته
* الطيرة: مصرع تيسير حمدان (57 عامًا) رميًا بالرصاص
* الناصرة: مصرع مايكل دانيال (24 عامًا) رميًا بالرصاص
* كفر كنا: مقتل الدكتورة سعاد أمارة (26 عامًا) في ألمانيا
*المكر: مقتل زهية سمري (59 عاما) طعنًا في شجار عائلي

العائلات تودع أبنائها

وتظلُ آلاء نجمةٌ تتلألأ في عيون محبيها!

سنة كاملة مرّت على غيابِ آلاء، تاركةً ورائها عائلة ثاكلة، أبويْن لا يزالان يبكيان فراقها، لا تزالُ الصدمةُ أكبر مِن أن تُعيدَ الحياة إلى ما قبل رحيلها، العيدُ ما عادَ عيدًا، والفرحةُ صارت أملاً بالأخوة الذين تركتهم ورائها، وبحفيدٍ صغيرْ لعلهُ يُغيّر بعضًا مِن الجوِ الكئيب الذي يحيوْنه.

آلاء، كما كُل الصبايا الجميلات، كانت لافتةً للنظر بشكلها واهتمامها بنفسها، وتُكملُ هذه الأناقة، بروحٍ طيبةٍ وأحلامٍ كبيرة لا تتسعُ لَها على ما يبدو الحياة، حُلمٌ ظلّ يرافقها منذُ طفولتها أن تُصبح طبيبة، حزمت حقائبها وسافرت في العام 2010 إلى مولدوفا لتدرس طب الأسنان، مرّت السنة الأولى سريعًا، عادت آلاء بلهفةٍ واشتياقٍ لحضنِ أمها "مروة" التي ربّت أربعة أبناء، تعلّقت هي أيضًا بأحلامِ آلاء، وصارت أكثر مِنها رغبةً أن تُنهي دراستها وتعود إلى العائلة دكتورة كبيرة.

كُل شيءٍ كان جميلاً في الحياةِ، فرحٌ يختبئ خلفه موتٌ حطّم العائلة، ذاتَ يومِ في العشرين من كانون ثاني عام 2011، أصابت رصاصةٌ غادرة قلبَ آلاء، فسقطت وانهار معها حلمٌ كبيرٌ سكنَ مكانَهُ الشوقُ والحسرةُ والجراحُ التي لا تندملْ.

بأي حقٍ أدفن ابنتي الحلوة؟

وفي زاويةٍ مِن البيتِ اختارَ والدها أن يجلس على مقعدٍ اعتادت المرحوم آلاء أن تكون قبالته، وتحدثه عن مشوارِ حياتها "الطويل" والمليء بالنجاحات... "تغيرت حياتنا 360 درجة، هي تجربة مريرة أتعبتنا، تجربة تحتاجُ مِنا إلى الصبرِ والجَلَد".

يقول والدها، وائل "عشتُ معها الحلم يومًا بيوم، منذ كانت صغيرة مسؤولة عن مجلة الحائط، تكتبُ الحِكم والنصائح والطرائف، إلى بدايةِ تحقيق الحلم في مشروع الطب، أحببتُ معها أنها ستخدمُ وطنها ومجتمعها، وفي لحظةٍ وبدون تفكير ولا يعنيني الواقع الذي كان يحياه، قتلَ شخصٌ غادرٌ أحلامنا جميعًا، كُلُ الحياة الحلوة التي عشناها 19 عامًا حطمتها رصاصة لا تسوى شيكلاً، ولا أعرفَ على أيِ أساسٍ ولماذا وبأيِ حقٍ، دفنَ أحلام الوالد والابنة الحلوة وجميع أسرتها، آلاء، كانت ستُغيرُ شيئًا لو بسيطًا في صالح مجتمعها".

ويضيف: "هي قلة وعيٍ وانفلاتٌ في المجتمع، تبدّل فيه الترابطُ الأسريُ والاجتماعيُ فتفككت العائلة، واحتربَ الأخوة في البيتِ الواحد، وكادت تمّحي الكرامةُ وصلةُ الرحمِ والاحترام بين البشر، وكأننا نفعل ما يريدهُ الاحتلال تمامًا، أن نتفكك وأن يتدهور حالنا وأن نقتل بعضًا بعضنا، فننشغل عن حقوقنا وحياتنا الحرة بالاقتتالِ والدماء المسكوب على الجراح، متناسين مقولة "العفو عن المقدرة".

"كيف أنساها وكل زاوية تذكرني بها؟!"

رفع صوته الهادئ، وقالَ بنبرةٍ حزينة: "الأسى ما بنتسى، بحاول أتناسى"، لكن كلُ شيءٍ يذكرني بآلاء، حينَ أمرُ يوميًا من حيفا إلى مكان عملي في الطيرة، أشمُ رائحة الموتى في القبور، تناديني بصوتها العذب "أبي..ييييييي"، أهمس في نفسي، "أراكِ عند عودتي"، وفي طريقي للبيت، أعرّج على قبرها، أقف قبالتها، أسمعُ صوتها، تسقطُ دمعةً محبوسة غصبًا عني، أقاومها كي لا تشعرُ أنني ضعيفٌ، فتصدّق أنها لم تعدُ بيننا... تظلُ ذكراها في البيت، كيف أنساها وكل زاوية تذكرني بها؟! أهربُ أحيانًا من كرسيٍ اعتادت أن تجلس عليه؟! فأجلس على آخر جلست عليه أيضًا، تمنيتُ أن تكون معي في مثل هذه الأيام، أيام الأعياد، لكنْ بغيابها لا فرح في البيت أصلاً... لا زلتُ أتحدث معها يوميًا، أنسى أحيانًا أنها تحت التُراب، لكن الحمد لله، كل شيءٍ يهونْ مِن أجلِ عيونها!" 

"آلاء حبيبتي!"
وعلى كرسيٍ قبالته، جلسة مروة، والدة آلاء، لا تستطيعُ حبسَ دموعها المنسابة طوال الوقت، منذ رحيلها قبل عامٍ، تقول بحرقةٍ والدموع لا زالت غزيرة: "اللي صار حطم الحِلم، كنت احلم تصير دكتورة، ذكريات حِلوة، آلاء حبيبتي، كانت مميزة بالبيت، كانت حنونة مطيعة، بتحز بقلبي كانت ترد عليْ، حتى لو رفضت طلبها، كانت تسمع كلامي، لما قالتلي بدي اتعلم كيّفت ووافقت".
"حلمُ السنةِ الأولى بسرعةٍ مرّ، وأقبل الشهرُ الأخيرُ، كنتُ بانتظارها بلهفةٍ، لتأتي بسرعةٍ إلى حضني اشتياقًا، مكثت بقربي بضعُ أيامٍ، قبل أن تقارفني".
تُضيف والدتها: "الحياةُ صعبةٌ ومرّة بدونها، حتى أنني أوهم نفسي، وأصدّقها أنها لم تمت، آلاء "مش ميتة"، آلاء تعيشُ بفرحٍ لتفتح الباب الآن وتحتضني بقوةٍ".

"بعدها..كأنّ لا حياة"
تقول مروة: "تغيرت حياتي بعدها، لم أكن هكذا أبدًا، البيت يملأه الفرح، الضحك، اليوم أخرج للعمل، أعود، كأنّ لا حياة، لكنني أبدو قوية أمام أشقائها لكيْ لا يكتئبوا أكثر، انكسرت، أشعرُ أنّني أعيشُ في غابةِ عنف، صعبةٌ... قبل موتها عندما كنتُ أسمعُ أنّ فتاةً قُتلت، أقولُ في نفسي "الله يساعد أهلها"، لكنّ عندما دخلت المصيبة بيتنا، صرتُ أعرف كم يتوجع الأهلُ وكيفَ أنهم لا ينسوْن أبدًا".
"الله يعين كل أم وكل أب ع المصيبة، صعبة جدًا، لم أكن أتصورها".

"أي ذنب فعلت؟!"
تتوقف عن الكلام ثم تواصل وكأنها تحدّث نفسها: "قبل فترةٍ كنتُ أجلسُ في البيت لوحدي، شممتُ رائحتها مشيتُ إليها، بحثتْ فلم أجدها".وعن شعورها بالظلم تقول مروة: "أشعرُ بظلمٍ كبيرٍ تجاهي وتجاه ابنتي آلاء، ماذا فعلت لتلقى حتفها؟! أيُ ذنبٍ فعلته؟!"
"اليوم، أخافُ على أبنائي كثيرًا، لم أعد أشعرُ بالأمان، أحيانًا أقولُ "يا ربي أموت لأرتاح، لعلي ألتقي بآلاء في السماء"، لم أشبعْ مِنها، مِن رؤيتها، إنها لم تزلْ 19 سنة ونصف، وحين أنام أتمنى أن يكون موتها كذبةً وكابوسٌ أصابني وسيذهب عندما أصحو..".
وعن آلاء قالت: "آلاء كانت جميلة، بتجنن، إذا ما خرجت مع صديقاتي، واتصلت بي فوجدتني لوحدي تعدني أن تعود بسرعة كي لا أبقى وحيدة، إن عرفت أني منزعجة لا تتركني، لا تُحب أن تراني حزينة، "الله يرضى عليها"، كانت فعلاً مميزة، عندي أربعة أخوة، لكنها تختلف عنهم بحنوْها، هذا ما أفقدني صوابي".

الشرطة قتلت ابنتي!
"ألوم الشرطة، هي التي ساهمت بوجود المافيا التي تعمل تحت إمرتها! ويبدو أنها تمولها، ولا بُد أن يأتي يومٍ تُقطع يد الجاني أو رأسه، فنحنُ العرب عُرف عنا التسامح والترابط الأسر والعلاقات الاجتماعية الجيدة، متى بدأت هذه الجرأة بالقتل؟! حتى تحول الإنسان كالباعوض، كالصراصير"، أين دورُ الشرطة؟!

وداع الملاك
وأخرُ ما تذكرته والدة آلاء: "يومَ ودعتها، كانت جميلة في مماتها كما في حياتها، كانت عيونها مفتوحة، وأحسستُ أنها تبتسمُ لي، فمها باسمٌ، ملاكٌ نائمٌ، فكيفَ بعدها أفرحْ، كانت ستكون سعادتي بعودتها إلى بيتها طبيبة ناجحة، كيفَ أفرحْ أخبروني؟!! حسبيَ الله ونِعمَ الوكيل".

والدة ياسمين أبو صعلوك: قتلوا ابنتي بدمٍ بارد!
وضعت ياسمين أبو صعلوك طفلتها السادسة “غالية” قبل أربعة شهور، ووضع زوجها حدًّا لحياتها قبل أسابيع قليلة. ياسمين كانت آخر ضحايا العنف في اللدّ، مدينة أزهقت أرواح نسائها وشبابها دون توّقف.
حاولت عائلة ياسمين إقناعها بعدم الرجوع إلى بيت الزوجية، لكنّ المرحومة قررت أن تعود إلى أطفالها الخمسة بانتظارِ مولودٍ جديد.
لا أحد كان يُمكنه أن يتوقع ما سيجري أكثر من الضحيةِ نفسها، كانت تعرف أنّ القاتل يتربص بِها، ويتحيّن الفُرص، لذا طلبت فتح مخرجٍ لغرفتها يُطل على الأهل لتستطيع الفرار إذا ما اقتربت من الخطر.
ولا أحد يستطيع أن يتفهم أسباب عودة ياسمين إلى البيت، وهي التي أطلق عليها الرصاص فشُلّت رِجلُها، لكنها اختارت نهايتها، فـوحدهم الراحلون، يملكون ردودًا لن نعرفها".
وها هي عائلة ياسمين، تلملم جراحها، تحتضن أبناء المرحومة، وتعيش بصمت، خوفًا مِن جريمةٍ أخرى، لا أحد منهم يعرف مَن سيكون الآتي.

والدة المرحومة ياسمين: ابنتي شهيدة!
تقول مريم أبو صعلوك، ام ياسمين: "الحمل والأطفال الخمسة أجبروا ياسمين على الرجوع إلى بيتها، رغم اطلاق الرصاص عليها، واصابة رجلها بالشلل. جرّت رجلها السليمة ولملمت أغراضها واختارت أن تعود إلى البيت".
أم ياسمين، حملت المولودة الجديدة، ابنة المغدورة، والتي لم تتجاوز الأربعة أشهر، وبيدها الأخرى مفتاح بيتها، وقالت: “طلبتُ مِن زوج ابنتي أن يفتح مخرجًا لغرفتها يطل على بيتنا، حتى يتسنى لياسمين أن تهرب إلينا".
بكت الوالدة وقالت: "مفتاح الغرفة المُطلة على بيتنا لم يُستعمل، فالقاتل اختارَ أن يزج بها في مخزن المنزل، حيثُ لا مخرج ولا مفتاح ولا حتى شباك".
تقول الوالدة، مستندة إلى شهادة الطفلة الصغيرة ابنة السبع سنوات، والتي كانت ترتجف كلما جرّ الأب ياسمين، “ساقها، كالأغنام” إلى المخزن، لتستقر هناك دون أطفالها، قالت ام ياسمين: “أرضعت ابنتي طفلتها “غالية” في العاشرة مساءً وغفت إلى جانبها، فجاء زوجها المتوحش وجرّها بالقوة، من ملابسها ومن شعرها، صارخًا ومستوحشًا في ذاك المخزن... ولم يكن يعرف أنّ أطفاله يسمعون ويروْن ويرتجفون... أخبرتني الطفلة الصغيرة أنها اختبأت تحت اللحاف لكي لا يشعر بها والدها، وفي الليلة الأخيرة، شعرت الطفلة أنها لن ترى أمها مرة أخرى... في ساعة مبكرة من الصباح بكت الرضيعة غالية وانتظرت امها، التي لم تستجِب لبكائها، وحاولت الطفلة الصغيرة ابنة السبع سنوات أن تُسكت شقيقتها، فلم تستطع، فجاءت إليْ... عرفتُ أنّ مكروهًا عظيمًا وقع... قُتلت ابنتي... ياسمين شهيدة عند الله، فحسبي الله ونعم الوكيل".

والدة عثمان نصار من عرابة: ابني ترك في البيت فراغًا ووحشةً

نُصف سنةٍ مرّت على رحيل الطفل عثمان نصار (14 عامًا)، لم تجف دموع الأهل بعد، ولا تزال صوره تملأ المكان، ويُخيل للعائلة أنّ عثمان لم يزل في البيت، فصوته لا يزال مسموعًا "آتيًا من بعيد"، وضحكته لم تزل "تجلل"في زوايا البيت الذي بهت النور فيه... لكن في حياةٍ يجب أن نستمر فيه، لا تزال الأم تستذكر كلماته وحياته ومأساته فتقول: "عثمان كان يملأ البيت حياة وأمل، كان يحركُ مَن في البيت بحضوره، لم أكن أعرف كم كانَت روحه حلوة، إلا بعد رحيله، عندما صمتنا جميعًا. كان يملأ البيت جوًا وحركة، كان صديقًا لي، احكي له مشاكلي ولا يحدثني عن نفسه وعن مشاكله".

"وفي الفترةِ الأخيرة شعرتُ أنه يخُفي عني سرًا ما، لكنه ظلّ يقول لي لا شيء أخبأه عنكِ يا امي، لا شيء. سألته إن كان هناك مَن يُعاديه أو يؤذيه، فردّ عليْ مَن يجرؤ على التعدي علي؟! كنتُ أخبره أنّ هناك مَن يستطيع أن يكون سنده إذا ما احتاج، لكنه لم يخبرني بأي شيء".

تتابع الوالدة سرد الذكريات التي جمعتها بعثمان، وتسردها بعد أيامٍ من غيابه: "كان ينشغل بمباراة كرة القدم مع شقيقه الصغير، الذي كان متعلقًا بِهِ، لكنه في السنة الأخيرة تأخَر كثيرًا في دراسته، ويبدو أنّ المشاكل التي كُنا نظنها بسيطة كانت مخيفة وحملاً ثقيلاً عليه، وظلّ يرجوني أن يترك المدرسة، وفي الشهر الأخير ألحّ بشكلٍ لافت، فقلتُ لَهُ هو شهرٌ وينقضي، كنتُ أصبرهُ لكي يُنهي السنة الدراسية، في الفترة الأخيرة كانَ يتغيب نصف الأسبوع، ويضيّع نصف نهاره، قائلاً أنه مريض، يأخذ بطاقته الطبية، ليتعالج، أحسستُ أنّ شيئًا ما غير عادي في حياته، لكنني لم أتصور أنّ هناك مشاكل جدية، قلتُ له: أنتَ تتمارض!، فردّ علي: لماذا أتحججّ وأتمارض؟!"

"ما كنتُ أتصور أنه يمرُ بأزمةٍ جدية، لأنه كان يملأ البيت بالضحكات، والمرح واللعب، كان الجوُ بيننا لطيفاً، ومزاجه صافٍ، لكنني لم أكن أعرف أن لقب "أعرج" الذي كان يسمعه من قاتله، الذي سمّى نفسه صديقه يجعله يتألم لوحده، آهٍ كم يعذبني رحيله، دوني".

عثمان صديق العائلة!

بكتْ الوالدة لكن بصمت وقالت: "ابني عثمان كان صديقًا للجميع، صديقًا لي ولوالده، ومُحبًا لأشقائه، كان يمسك بشقيقه الصغير بيديه، خارج البيت، قلقًا مِن أجله... انظري إلى ابني الصغير، يمرُ بصدمةٍ كبيرة، أمضى الأربعة أيام بعيدًا عن البيت، لا يريد العودة الى البيت الذي ليسَ فيه عثمان، نامَ أمسِ فقط في البيت، في حِضني، ينتظر عثمان، وابنتايْ تريدان النومَ في حضني، وأنا لا أعرفُ للنومِ طعماً أو معنى".

"وفرنا لَه ما يطلبه، كان مصروفه اليومي 5 شيكل، وإن أحبّ الخروج فإنه لا يَبعُدُ عَنا، إلا إذا أرادَ شراءَ رغيفًا من الفلافل في طرفِ الحارة".

مسرح الجريمة والقاتلان!

"حرموني منه، الله يحرمهن من الحياة"، تردد ام عثمان وتواصل حديثها وكأنهما تتحدث الى نفسها: "استطاعَ عثمان أن يُخفي عني وجود شيءٍ ما يضايقه، كان قويًا ومتحديًا، لا شيء، مَن يسألني يا أمي لن أسكت له، فكان يُبدد قلقي ولو قليلاً".

"الله لا يسامحهن، أخذوه إلى المطعم، تعشوا على حسابه، وجروه الى سهل دير حنا وهناك نفذوا جريمتهم، يا ويلهم من عذاب رب العباد، فليذوقوا ماذا فعلت أيديهم...".

ثم تعود لصيغة (هما، الاثنان): "لا بُدّ أنهما أجبراه على الخروج معهما، لأنّ ابني عثمان لم يكن يستطيع المشي، كانت تقله سيارة خاصة إلى المدرسة، لأنه عانى من إعاقة، وأجرى عملية جراحية، يبدو أنه كان مهددًا."

"كان يقول لي إنه صديقي، فكيفَ لنا أن نَشُكّ بِه، لكنهما أخذاه من العُرس الذي أقامه جيراننا، وأخذهما الى المطعم القريب، وهناك وعلى مسرح الجريمة، نفذا فعلتهما المشينة، لا سامحهما الله".

"قتلاه بدمٍ بارد، يا حسرتي، جفت دموعي، ليحترق قلبهما مثلما أحرقا قلبي وقلب العائلة، كان محبوبًا، متميزًا، أحبه جده، وجيرانه، معلماتُ صفه لم يصدقن ما جرى لعثمان وهو هادئ الطباع، صاحب الأخلاق العالية، لم يكن يومًا شابًا أزعرًا أو منحرفًا، ودليله في ذلك أنّ الحق ظهر بعد ساعةٍ مِن قتله غدرًا، وعرفنا القاتليْن، الله يرحمك ياما".

"وعرفتُ أنّ ابني كان عندما يرى فتاة تنوي مرافقة أحد هذين الشابيْن، كان يُنبهها بقوله: ابعدي عنهما انه "زعران"، وحين سألهم الشرطي عن سبب قتله قالوا: كسرَ هيبتنا في المدرسة، كان يمنع الفتيات من مرافقتنا، تذكرت أنها مَن كانت تنبه عليه قائلة: ياما اهم اشي العرض، لا تسيء لبنت، وكأنها اختك، فكان يقول لا أحب الفتيات أصلاً".

حسرة على غياب عثمان

"كان عثمان محبوبًا أينما كان، بكاه طلاب صفه الذي حضروا، وفي يوم الجريمة، افتقدته مساءً، قالَ زوجي: يبدو أنه ذهب لينام عند جده في السهل، لم أنم ليلتها، كنتُ قلقة، اتصلتُ صباحًا وسألتُ عنه، فأبلغوني أنه لم يذهب الى بيتِ جده، ثم رأيتُ صورته المنشورة، وعرفته رغم "غباش" ملامح وجهه، الأمُ تميّز ابنها، حينَ قلتُ لزوجي ليلتها أنا خائفة على غياب عثمان، قالَ لي: "هل سيُخطَف عثمان؟!"، "ليس لنا أعداء، ولا نعرف المشاكل".

أوصلتني شقيقتي الى المكان، طارت بسيارتها، خرجت من السيارة، وفي السهل ركضتُ رغم الحواجز التي وضعتها الشرطة التي حاولت منعي من الدخول، أسرعتُ نحو الجثة، وبعد التحقيق، وحاولوا إضاعة وقتي، ربما لأنهم متأكدون أنه ابني، صورني وأنا أتلقى خبر مقتله، وعثمان الذي لم يتركا فيه مكانًا إلا وأغرقه بالدماء، ومعفّرٌ بالتراب، ولونه داكنٌ مِن شدة التعذيب، لا تغيب هذه الصورة عن مخيلتي، وحوشٌ بشرية، لم أتوقع يومًا في حياتي أن أرى ميتًا، فكيفَ سيكون وقع النبأ عليّ وهو ولدي، فلذة كبدي؟! امي ماتت وأبي مات، وعمي رحلَ وهو شابٌ وأبناء عمي شباب رحلوا ولم أرَهم في موتهم، بطبيعتي أخاف رؤية الميت، أما أن يكونَ إبني؟!!! ايُ عذابٍ يمكن أن أعيشه، وأيُ حسرةٍ على غيابك يا عثمان؟! وأنا لم أنم منذ رحيله، أخاف رغم محاولاتي أن ابدو قوية أمام العائلة، حتى لا ننهار جميعًا، آخر شيء أتوقعه هو ابني، وصوري تتحدث عن حالتي، حتى أني لم ارَ شيئًا مما كُتب، فالشرطة أخذت الحاسوب منذ يوم الجريمة".

"أكثر ما أذكره عن عثمان الآن هو منظره وهو مغطىً بالدماء، وبعدها حملوه بسيارةِ الإسعاف، بلونه الأسود، لم أراجع ذاكرتي كيفَ كان، ابني كان يعاملني كشقيقه في الصف الأول، أضعه على حضني، وأضع رأسي على حضنه، يلامس شعريَ الأسود، يمازحني، ننتقل الى الحاسوب، ونبحث عن تمارين رياضية، ليُنزل قليلاً مِن وزنه، والغريب أنه لم يكن يحُب أن يُقبل أحد أو أن اقبله، لكنه لم يصارحني يومًا بأنه متضايقٌ أو متعبٌ نفسيًا"."هذا الموت البَشِع، لم أكُن أتصور أن تكون هذه نهاية عثمان".

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]