تأسّس "البيت المسيحيّ" في حيفا منذ عام 1978 بجانب كنيسة مار إلياس للروم الملكيين الكاثوليك، ثم انتقل إلى مقر جديد (في شارع شوماخر)، تمّ اختياره بالتعاون مع بلديّة حيفا.
أصبح "البيت المسيحيّ" جمعيّة رسميّة، وتحوّل بعدها إلى مؤسّسة جماهيريّة على مرّ السنين، وكان محطّ أنظار كافّة سكان المدينة. وقد اتبع نهجًا خاصًا بتقديم الخدمات للجمهور دون تفرقة بين أبناء دين ودين، أو بين أبناء طائفة وطائفة. وجعل يمارس النشاطات الّتي ذاع صيتها للقاصي والداني، من دورات تثقيفيّة وتعليميّة، وفعاليّات ترفيهيّة وفنيّة، مخيّمات صيفيّة ورحلات اجتماعيّة ومنح دراسيّة. ولم يقتصر ذلك على الجهد التعليميّ، بل اتّسع إلى التعاون مع مؤسسات أكاديميّة عالميّة ومحليّة، لتربية الجيل الجديد وتقديم أفضل الوسائل والسبل العلميّة والتكنولوجيّة لبناء مستقبله. وبلغ عدد المستفيدين من هذه الخدمات الآلاف من سكّان المدينة.
وكانت إدارة المؤسّسة حريصة على الدوام لتجديد الفعاليّات والنشاطات، وبذلت جلّ اهتمامها لكي يبقى أثر فعّال لـ"البيت المسيحيّ" في أفكار ونفوس المواطنين؛ فنظّمت الدورات التعليميّة، والندوات الفكريّة والمحاضرات التثقيفيّة على مدى شهور السنة. وتكلّلت جميع هذه الفعاليّات بالنجاح، واستطاعت الإدارة كسب ثقة وزارة الثقافة الّتي أمدّتها بالميزانيّات المطلوبة لكي تواصل أعمالها ونشاطاتها.
ونظرًا لأنّ الجمعيّة تعتبر مؤسّسة جماهيريّة، فقد تعاقبت على رئاستها إدارات مختلفة، سعت جميعها للسير في النهج المرسوم، وبموجب الدستور الداخليّ. وتألّفت هيئة إداريّة جديدة - قبل أكثر من عامين - لتواصل رسالة المؤسسة الهامّة. وتقف اليوم على رئاسة الجمعيّة هيئة إداريّة من الشباب النشيط والمتحمّس، الّذين لا ينفكّون يتدارسون ويعدّون البرامج والنشاطات.
المهندس إدوار مطر: «توفير الميزانيات المطلوبة هو أمر شاق»
يترأس المهندس إدوار مطر مؤسّسة "البيت المسيحيّ"، وتعاونه هيئة إداريّة من العاملين في الحقول الثقافيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة، وعدد من الشباب الواعد. ويقول المهندس مطر عن إدارة "البيت المسيحيّ"، ردًا على سؤالنا عن المصاعب التي يواجهها: "الحقيقة هناك مصاعب وتحدّيات جمّة الّتي نواجهها، وخاصّةً في مجالين، الأوّل اقتصاديّ والثاني جماهيريّ. فالاقتصاد مرتبط بالميزانيّات الّتي تُصادق عليها وزارة الثقافة، ووزارات أخرى، إضافةً إلى تجنيد أموال بجهودنا الخاصّة. ونحن نشهد ما تمرّ به المؤسسات المختلفة من صعوبات في تحصيل أموالها من الميزانيّات المستحقّة. وهذا الأمر جعل «البيت المسيحيّ» في وضع حرج من قبل، بسبب الديون، أو القروض التي اضطر أن يأخذها لكي يواصل نشاطاته. هذا عدا الصعوبات والعراقيل التي تضعها الحكومة أو الكنيست اليوم أمام الجمعيّات غير الحكوميّة، الّتي ترغب بتجنيد أموال من جهات مختلفة في الداخل أو الخارج. ولا شك بأنّ مسألة توفير الميزانيات المطلوبة أمر شاق، ولولاه لما استطعنا مواصلة عملنا. ولكن، وبفضل جهود المتبرّعين، تمكّنّا من التغلّب على الأوضاع الصعبة، وقطعنا شوطًا لا بأس به بهذا الصدد".
ويضيف: "من ناحية أخرى تشترط الوزارات على كافّة المؤسسات تجنيد أموال بطرقها الخاصّة وبجهدها الذاتيّ، وذلك بنسبة معيّنة من الميزانيّة. وهنا لا بدّ من الإشادة بالجمهور الذي يقبل على الانخراط بنشاطات البيت، ويدفع جزءًا من أقساط الدورات والفعاليّات المختلفة التي نقيمها. ولكن، وهنا الشطر الآخر من الاهتمام، بحيث نطالب جمهورنا الحبيب بالمزيد، وبالمشاركة الفعّالة في النشاطات المقبلة التي ستلاقي استحسانه دون أدنى شك. وهنا بودّي الإشارة إلى أن إقبال الجمهور مرهون بنوعيّة الفعّاليّات، ومرتبط بمواعيدها؛ وكثيرًا ما كنّا ندعو إلى الاستماع للمحاضرات ولكنّ الجمهور ينشغل عنها بأمور أخرى مثل مناسبات الأعراس، الأعياد، أحوال الطقس، برامج تلفزيونيّة وغيرها.. ومع كلّ ذلك فإنّنا نضع عددًا من النشاطات الّتي من شأنها جذب أكبر عدد من فئات المجتمع، البالغين والشباب، الأولاد والأطفال، رجالا ونساءً".
** ما هي البرامج والمشاريع التي تنوون افتتاحها؟
لقد افتتحنا هذه السنة عددًا من النشاطات؛ ولكن ما ينتظرنا في العام القادم لا يقلّ أهميّة، بل يفوق. ونبدأ على صعيد الأطفال، حيث تعمل في مبنى البيت حضانة للأطفال من سن 3 أشهر وحتّى 3 سنوات. وهذه الحضانة تختلف عن سائر الحضانات المنتشرة في المدينة، بأنّها أقيمت بموجب أعلى المواصفات وأهمّ المتطلّبات، وتديرها أخصّائيات تربويّات، ومربّيات لهن من الخبرة والمعرفة ما يلبّي ويستوفي شروطًا صحيّة وتعليميّة وتربويّة ما هو على مستوى عالميّ! وما يميّز هذه الحضانة أنّ الأمهات، وأولياء الأمور يمكنهم مواكبة ما يقوم به أطفالهم بوساطة الـ"إنترنت"، حيث نُصبت آلات التصوير (الكاميرات) في كلّ الغرف والصفوف، وهي تبثّ طيلة فترة وجود الأطفال في الحضانة، ويستطيع الأهل الاطمئنان على أولادهم من خلالها بكلّ سهولة. زد على ذلك، الألعاب ووسائل التعليم ووسائل اللهو، والأطعمة والأغذية الّتي تقدّم للأطفال تخضع دائمًا للمراقبة والحرص على سلامة الأطفال ومنفعتهم. ونظرًا للثّقة التي كسبتها هذه الحضانة بين الجمهور، فإنّ عدد الأطفال يزداد أضعافًا بين عام وعام، ويتزايد إقبال الأهالي، بصورة ملحوظة، فيأتون بأطفالهم إلى الحضانة، والتي أطلقنا عليها - وبحقّ - اسم "حضانة الملائكة".
** كيف تختارون الدورات التي يقبل عليها الطلاب؟
إنّ مسألة الدورات تأتي بناءً على نظرة موضوعيّة على واقع الحال في مجتمعنا في حيفا. وكثيرًا ما انتبهنا إلى أنّ طلّاب الثانويّات في هذه المدينة - ولا شكّ في خارجها أيضًا - يعانون مواجهة امتحانات الـ«بسيخومتري»، أو تعليم اللّغة العربيّة أو الرياضيّات؛ ولاحظنا عدم "محبّة"الطلاب وعدم بروزهم في هذه المجالات. وهنا يأتي دورنا لاختيار معلّمين أكفّاء لفتح دورات مميّزة، تختلف عن أسلوب التدريس في المدارس. وقد أعلنّا عن إقامة مركز الإبداع باللّغة العربيّة يشرف عليه المربّي الأستاذ إسكندر عمل، ومن أهدافها تطوير خيال الطالب وملكة الكتابة الإبداعيّة، ومهارات القراءة وفنّ الخطابة، زيادة الثروة اللغويّة، أساليب فهم النصوص الأدبيّة والشعريّة، وغيرها.
وأما بما يتعلّق بالرياضيّات فكلّنا يعلم بأنّها مسألة مستعصية، وتقريبها من مفاهيم الطلّاب قضية شائكة، لذا اتّصلنا بالپروفِسور داود بشوتي؛ الّذي نقدّم له التحيّة ونبارك له منصبه الجديد في معهد العلوم التطبيقيّة (الـ"تخنيون")، حيث أصبح مخوّلاً لكي يوقّع، كعميد، على شهادات التخريج من الـ"تخنيون"، وپروفِسور بشوتي معروف على المستويات الأكاديميّة، بأسلوبه التعليميّ المميّز. طلبنا من الپروفِسور بشوتي الإشراف على دورة خاصّة لتأهيل الطلّاب الثانويّين للدخول إلى الـ"تخنيون" وسائر المعاهد والكليّات التعليميّة الأخرى؛ وتقريب الرياضيّات من مفاهيم الطلّاب، وإمكانيّة إحراز نجاحات وعلامات عالية في الامتحانات الّتي يجتازونها.
وقد افتتحنا دورة أخرى لتنمية التدريب والتميّز في الأطر الجماعيّة، وخاصّة الطلّابيّة منها، يشرف عليها الأستاذ سليم دهموش الّذي حقّق نجاحًا بتقديم الوسائل والسبل لتطوير طرق التفكير وتنمية الأفكار الإبداعيّة والخلّاقة للطلاّب. وهذه الدورة من شأنها خلق الحوافز لدى الطلاّب لكي يتهيّأوا في المستقبل ويتبوّأوا مناصب إداريّة ومسؤولة في أعمالهم، وحياتهم العمليّة. ويتمّ تنظيم هذه الدورة بالتعاون مع معهد «أوميچوس»، وقد تخرج من المعهد نحو 130 طالبًا حتّى الآن.
** هل لديكم دورات ترفيهيّة أو رياضيّة أو فنيّة؟
طبعًا، فنحن لم نهمل هذا الجانب من المتطلّبات الاجتماعيّة، وقد جهّزنا ملعبًا مع مُراعاة المواصفات المطلوبة، ويستطيع الأعضاء ممارسة رياضة "التّنس"وسائر أنواع الرياضات. وسنقيم دورة خاصّة للتدريب على رياضة "التّنس"، وقد نقيم فريقًا رياضيًا في أعقاب هذه الدورة لينخرط في مباريات مع فرق أخرى. وستخصص هذه الدورة لمن تراوح أعمارهم ما بين 6 إلى 14 سنة.
ومن جهة ثانية فقد أعلنّا عن افتتاح دورة في الرّسم والنحت، بحيث يتلقّى الطالب أساسات فنون الرّسم العادي بالفحم وبالألوان، ورسم الجداريات. ومعرفة أساليب النّحت المتنوّعة والعمل بالجبص، والرّسم على الزجاج والخشب، والإطّلاع على أعمال الفنانين المعروفين، وممارسة الرسم والنحت والتحضير لمعرض شامل. وهذه الدورة مخصّصة للأولاد والشبيبة.
** قدّمتم في العام الماضي عددًا من المنح الطلّابيّة، فهل سيحظى الطلّاب هذا العام بالمنح؟
إنّ توفير المنح للطلّاب الجامعيين مهمّةً شاقّة جدًا، لا بل عسيرة. وبفضل الجهود الّتي بذلها الأخوة المؤازرون والأصدقاء لمَا استطعنا توفير المبالغ المطلوبة للمنح التي قدّمناها في العام الماضي. وقد أنشأنا صندوقًا خاصًا جمعنا فيه المبالغ المخصّصة بالتعاون مع إدارة جامعة حيفا، واخترنا الطلّاب الّذين أحرزوا أعلى علامات في تحصيلهم الدراسيّ، وساهمت بلديّة حيفا بهذا الصندوق، فمقابل كل شيكل وضعناه في الصندوق حصلنا على مثله من البلدية. واحتفلنا بتقديم المنح في بلديّة حيفا، حيث بلغ عددها ثلاثين منحة. أمّا هذا العام فإنّ الاتّصالات جارية مع البلديّة من جهة، ومع الـ"تخنيون" والجامعة من جهة ثانية، لمضاعفة عدد المنح لهذا العام الدراسيّ، بحيث ستصل إلى ستين منحة.
** وما هي نظرتكم للمستقبل؟
ننظر إلى المستقبل من منظارَين، الأوّل إنساني؛ بحيث نطمح لزيادة عدد المستفيدين من فعّاليّات المؤسسة ونشاطاتها. كما تمّ انتخاب عدد من الشباب في الهيئة الإداريّة، وبوسع هؤلاء تولّي مناصب إداريّة وتخطيطيّة لمشاريع المستقبل. ونحن نعول على هؤلاء الشباب الّذين هم رجال المستقبل وأعمدة المجتمع، لكي يضعوا البرامج والفعّاليّات الّتي تجذب أكبر عدد من الطلّاب والشبيبة والجمهور عامّةً.
وأمّا المنظار الثاني فهو التعميريّ (البنائيّ)؛ فقد أقرّت بلديّة حيفا مخطّطًا قدّمناه لبناء مساحة أخرى في المؤسسة، على الطابق الثاني. وإنّنا نعكف على توفير الميزانيات المطلوبة لهذا المشروع، الّذي سيضمّ غرف التدريس وقاعات الاجتماعات والاحتفالات في المناسبات المختلفة؛ هذا إلى جانب جناح الإدارة والخدمات.
ومن الجدير ذكره أنّنا نسعى لكي يصبح "البيت المسيحي" بيت كلّ حيفاويّ، من كلّ طائفة ودين. وإنّ اسمه لا يعني أن فعّاليّاته محصورة على المسيحيين أو مقتصرة على أبناء أيّ طائفة معينة.. وأصبح "البيت المسيحيّ" جزءًا لا يتجزأ من مؤسّسات مدينة حيفا العريقة، ومن المناخ الثقافيّ العامّ، ومن الجمهور الذي نريد له كلّ الخير والسعادة.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
بتشبه سلاف فواخرجي
تقرير جيد ومفيد. نفتخر بوجود مثل هذه المؤسسات