أنهى مؤخرا الفنان والمخرج هاني أبو اسعد، ابن مدينة الناصرة، والحاصل على جائزة الـ"جولدن جلوب" لأفضل فيلم عام 2006 عن فيلمه الروائي الرائع "الجنة الآن"، كل المعاملات المتعلقة بعودته الى البلاد، بعد خمس سنين قضاها في هوليوود وعمل خلالها على إنتاخ وإخراج عدة أعمال سينمائية في عاصمة السينما العالمية، ليعود الى الناصرة ويجدد نشاطه في مشروع فلسطيني سينمائي جديد..
هذا الأسبوع وبالتعاون بين موقع "قديتا" ومسرح الميدان، وضمن مشروع "سيرة وانفتحت"، استضاف محرر قاديتا، الزميل علاء حليحل، المخرج هاني أبو أسعد، في حوار مميز، حول اعماله، فنه، السينما الفلسطينية، مصاعب انتاج السينما في فلسطين، هوليوود، والعديد من المواضيع التي عاشها ويعايشها الفنان أبو أسعد...
فبعد ان عُرض فيلمه الموكومينتاري (وثائقي وروائي في آن واحد)، "الناصرة 2000"، والذي يروي أحداث عاشتها مدينة الناصرة عامي 1999 و2000، من قضية مسجد شهاب الدين وزيارة المرحوم البابا يوحنا بولس الثاني لمسقط رأس السيد المسيح، في ظل الخلافات الطائفية وتقاعس الشرطة في تأدية عملها، والعمل للجم الفتنة الطائفية في المدينة من منظور عام وشخصي والحوار بين العاملين في محطة الوقود أبو ماريا وأبو عرب...
أبو أسعد من أبرز المنتجين والمخرجين الفلسطينيين..
المخرج هاني أبو أسعد، درس هندسة الطيران في هولندا، وعمل في المجال لعدة سنوات. دخل عالم السينما كمنتج، حيث أنتج فيلم "حتى إشعار آخر" لرشيد مشهراوي ضمن شركة "ايلول" للانتاج، وذلك عام 1994، في العام 1998 أخرج فيلمه القصير الأول "بيت من ورق"، وكان قد أنجز قبله ريبورتاج "لمن يهمه الأمر" خلال حرب الخليج الأولى. ثم تلاه الفيلم القصير "بيت من ورق"، وثم الفيلم القصير "الفرخة الرابعة عشر" ثم كتب واخرج فيلمه "الناصرة 2000"، وبعدها "عرس رنا: الخبز في يوم آخر" ، ومن بعده فيلم "فورد ترانزيت"، ترشّح فيلمه "الجنة الآن" لجائزة جولدن جلوب عام 2006 وفاز بهذه الجائزة الهامة، وهي أول مرة يفوز بها فلسطيني، وترشّح فيلمه ضمن خانة الأفلام الأجنبية في الأوسكار الأمريكي عام 2006. بعد "الجنة الآن"، انتقل للعمل والاقامة في لوس أنجيلس لخمس سنوات، عمل خلالها على أكثر من فيلم توقف انتاجه لأسباب عديدة، لينهي هذه التجربة بإخراج فيلم "المبعوث" الذي ينتهي منه في هذه الأيام..
أعود للناصرة لأستقر وأعمل بها وأنتج السينما...
ويقول المخرج أبو أسعد في رده على سؤال المحاور علاء حليحل عن الثمن الذي يدفعه الفنان لأجل بناء "كارير" (سيرة ذاتية في العمل) كعدم بناء أسرة: "عدم الإستقرار في مكان واحد يمنع الارتباط بعائلة، ولكن لا أرى أن هذا ثمنا، وانما اختيار تقوم به. فبعد ان شعرت أنه لا يمكن أن أحصل أكثر مما حصلت عليه في عملية "النطنطة"، فلدي الآن مشروع ان أعود للناصرة وأعمل بها وأن أتمركز هنا في الناصرة. لدي مشروع في الناصرة، وهو نقل تجربتي وتجربة جيلي للأجيال الجديدة، فمن المهم أن تفتح مدرسة للانتاج السينمائي، ليكتسب الجيل الجديد ما يكتسبه من تجربته. فبدل أن يقطع الطريق لوحده قد تساعده وتقصّر له المسافة، وهو يواصل المسيرة... وباشرنا بالعمل على هذا المشروع، لإنتاج أفلام لمنتجين شباب، ولكن ليس هذا بالأمر السهل.. خلال سنة سنباشر بإنتاج أفلام بشكل جديّ"!
يتركون جمهورهم لوالت ديزني والمسلسلات التركية السخيفة!
ويضيف في رده على سؤال حول غياب دور السينما في المجتمع الفلسطيني: "بنظري، المخرجون وأنا أحدهم، بعيدون عن جمهورهم الفلسطيني أو العربي.. غالبية الافلام تعرض خارج الوطن العربي والفلسطيني، ولا يأخذون بعين الاعتبار اللغة التي يفهمها الجمهور. بنظري هذا نوع من الاستعلاء.. في أوروبا مثلا، اذا كان الفيلم ناجحا بين الجماهير يحصل على طابع أنه رخيص على الفور! ولا يحظى باحترام النقّاد، ولذلك يُجبر أغلبية الفنانين على انتاج أفلام للنخب، أفلام بلغة عالية. ويتركون جمهورهم لوالت ديزني أو المسلسلات التركية السخيفة.. لا يوجد لديهم هاجسا لإنتاج افلاما بجودة عالية، وأن يحبها الجمهور... ولذلك أحاول انتاج افلام موجهة للجمهور الفلسطيني والعربي، لنكون جزء من هذا الحوار... يجب أن تقدم عملا يحبه الجمهور، وألا يكون نخبويا خالصا، ولكن ذو جودة عالية، وأقصد أن يحبه عمي وخالتي وعمتي ووالدتي وشقيقتي والجميع، هذا هو جمهوري.. وألا أترك الجمهور لوالت ديزني والمسلسلات والأفلام التركية"!
وقال في رد على سؤال حول الوصفة لانتاج فيلم كهذا: "لو كان هناك من يعرف الوصفة لكان عملها.. ولكن يجب أن نجرّب.. يجب أن يكون هناك حراك وتفكير في الموضوع، كيف تجلب أكبر عدد ممكن من الناس أن يشاهدوا الفيلم ويحبوه ويتفاعلوا معه"!
الأمريكيون يعرفون قواعد اللعبة، والأوروبيون يحتقرونها..
وحول سبب نجاح الأفلام الأمريكية وعدم نجاح تلك الأوروبية، رغم أنها أفضل: "حتى الجنة الآن، كانت كل ثقافتي السينمائية مكتسبة من السينما الأوروبية، وبعدها لم أكن أملك طاقة لانتاج فيلم، وكانت لدي عروض من الولايات المتحدة لأعمل هناك، فاكتشفت الفرق بين السينما الأوروبية والأمريكية، وفهمت لماذا أفلامهم مسيطرة، رغم أنني أعتبر 99% منها سخيفة، ولكنها مسيطرة على كل العالم.. وفهمت أن هناك قواعد معينة، يمشون بحسبها، ويحتقرها الأوروبيون طبعا.. وأنا تعلمت هذه القواعد واكتسبت الخبرة من الأمريكيون"..
أنا فشلت!!
وفي رده على سؤال حول العبر التي استخلصتها من تجربة هوليوود يقول: "أهم عبرة هي أنني فشلت! أني لم أنجح في تحقيق ما رغبته في أمريكا"..
ويؤكد أبو أسعد أنه اعتقد أنه سينجح في انجاز فيلم، يرضى به بنفسه وكذلك الجمهور، ولكنه لم يكن راضيا عنه ولا الجمهور.. ولكنه يشير الى أنه سعيد بهذه التجربة، لأنه على حد قوله: "أفضّل أن أجرب وأفشل من ألا أجرب بتاتا!!! ولكني تعلمت الكثير، فهناك العديد من القوانين التي لم أكن أعرفها، ومن الصعب أن يعطيها الأمريكان لأحد، هذه الأسرار موجودة في العديد من الملحات ويحافظون عليها، ولا يهبونها لأحد! وصدفت أنني دخلت هذه المجموعة وحصلت على هذه القوانين التي لا ينتبه لها أحد.. على سبيل المثال، يجب أن تشعر بمشوار شخصية معيّنة، وكي تشعر بذلك يجب أن تضعها في "فخ"، فعلى الشخصية أن تتخذ الخيارات، واي خيار تتخذه ستدفع ثمنه! وكل الأفلام الهوليوودية حاليا تجد هذا الفخ في بداية الأفلام"..
ويشير الى انه سيصدر في العام 2012 الفيلم الثالث الذي أخرجه في هوليوود بعد أن شاءت الظروف الا يتم العمل على الفيلمين الأولين الذين انتجهما هناك ويقول: "قبلت بمشروع كنت أعرف مسبقا ان السيناريو ليس جيدا بما فيه الكفاية، والطاقم ليس كما يجب. ولكني اعتقدت أنني "سوبرمان"، وأنني قد أنجح به.. خضت هذه التجربة دون نجاح كبير، لأنه كانت هناك قوى أكبر مني تتدخل في عملية الانتاج فكان التغيير صعبا جدا.. وكان من الصعب إخراج فيلما أكون راضيا عنه"!
ويؤكد أبو أسعد أن أكثر خمس مخرجين أثروا عليه هم:عبّاس كوريستاني، برناردو برتولوتشي، ميلوش فورمان، توفيق صالح، وفرانسيس فورد كوبولا..
الناصرة 2000 – موكيومنتري يحاول الدمج بين الوثائقي والروائي..
ويقول ابو أسعد أنه بسبب تأثره من المخرج الايراني عبّاس كوريستاني، والذي انتج العديد من الأفلام الراقية، غير المفهوم اذا ما كانت روائية أم وثائقية، "حاولت أن أحلل ما الفرق بين الوثائقي والروائي؟ ونظرت على الموضوع من ناحية تقنية، ففي الفيلم الروائي الكاميرا خفية ولا ينظر الممثلون الى الكاميرا، في الفيلم الوثائقي الكاميرا موجودة بوعي المشاهد.. بينما الفرق الاهم هو أن الفيلم الروائي يتجه من ناحية طاقة من الخارج الى الداخل، فهو يأخذ أمرا عاما ويحوّله لشيء خاص، بينما الوثائقي بالعكس تماما، يأخذ الخاص ويحوّله الى عام! حاولت أن أجد كل هذه الفروق، وان أجد المنطقة التي لا تنفع لأي من الطرفين، وهذه المنطقة هي تلك التي يعمل عليها عبّاس كوريستاني، هذه منطقة غير مفهومة، تنفع في الجانبين. ولذلك "الناصرة 2000" عندما عملته، هو بالضبط كذلك... فتجد أن في المشهد ذاته، الروائي والوثائقي في الآن ذاته.. الوثائقي يدعي أن المخرج لا يملي على الشخصيات اي شيء، وأنه مبني على الواقع، ولكن في الروائي المخرج يملي ما يرغب به على الشخصيات، فحتى الحائط اذا لم يعجبه يغيّره كي يلائم كل الصورة"..
هاني ابو أسعد.. فرانسيس فورد كوبولا الجديد...
ويسعى هاني أبو أسعد لأن يكون مخرجا بدرجة ومكانة فرانسيس فورد كوبولا، والذي أشتهر بجودة الأفلام التي اخرجها وكانت ناجحة أيضا في صفوف الجماهير، فيؤكد أنه بالطبع يحلم لأن يصبح بمستوى كوبولا وسكورسيزي وبولانسكي، ولكن الأمر ليس سهلا.. ويشير الى أن كوبولا نفسه قبل ان يشتهر عمل أفلاما كثيرة لم تنجح..
ويقول حول سبب عدم نجاحه في الولايات الممتحدة: "ليس فقط أنني فلسطيني ولذلك الأمر صعب جدا، بل حتى الأمريكيون أنفسهم لا ينجحون في تكرار هذه التجربة. وهناك العديد من المخرجين الذين ينتجون افلاما ذو جودة عالية ولكن لم يحققوا النجاح بعد.. ومنهم فرانسيس اندرسون مثلا"...
ويقول أن "الكوميديا السوداء هي لغة كل شخص مقموع، لأنها جزء من الصمود، فلو لم يكن بإمكانك أن تضحك على نفسك وتنتقد ذاتك، لتقدر أن تعيش"...
عرفات: طيّب بصوّروا بنابلس ليه؟؟
ويحدثنا أبو أسعد عن تجربة تصوير فيلم "الجنة الآن" الذي حصد جائزة أفضل فيلم – الجولدن جلوب، وترّشح لأفضل فيلم أجنبي في الأوسكار – جائزة الاكاديميا الأمريكية للسينما، قائلا: "صوّرنا الفيلم في نابلس، في فترة كانت فيها الخلافات بين الفصائل شتى كبيرة، بحيث كان لديك 15 فصيلا كل منهم يسيطر على أحد أحياء المدينة.. والاجتياح الاسرائيلي مستمر للبلدة، فكنا نشهد القصف في بعض الأحيان.. ومن المفارقات أنه في إحدى المرات، تم اجتياح لحي خلف موقع تصويرنا، وجاء الضابط وقال "يكفي" وأنه يجب ان نخلي الموقع، فقال له المصوّر: "لحظة ما زلنا بحاجة لتغيير الضوء"!! وفعلا غيّر الضوء وأتممنا التصوير، قبل أن نغادر المكان. فكانت حالة غريبة ومضحكة.. وحدثت صراعات داخلية واختطفوا عضو في الطاقم لدينا، وعرفات بحد ذاته تدخل كي يطلقوا سراحه... حينها عندما اختطفوا حسن التيتي، اتصلنا بمكتب الرئيس عرفات، فحدثني مدير المكتب لديه أنه عندما تحدث معه، كان عرفات يتحدث الى كوندوليزا رايس عبر الهاتف، فأغلق الهاتف، وحينها قال له عرفات، والذي لم يشاهد سينما بحياته ربما: "طيب بصوّروا بنابلس ليه يعني؟"!
سليمان: فكرك راح نوخذ الأوسكار؟
ويتابع أبو أسعد: "عندما ذهبنا الى هناك لم أكن فاهم الواقع، فظننت أنه اذا حصلنا على موافقة شباب البلدة سنكون بأمان، ولكن اتضح أن هناك صراع ما بين المخيمات ونابلس، فقد رفض شباب المخيمات الفيلم، وكانوا كل يوم يأتون لمناقشتي نكاية بشباب نابلس فقط وليس لسبب آخر... فكل شباب البلد المسلحين كانوا يحموننا، وشباب المخيمات يأتون للاستفزاز، وكنا في خطر فعلا! وفعلا في النهاية اضطرينا لإتمام تصوير الفيلم في الناصرة، ولم يكن بمقدورنا الخروج من نابلس الا بعد أن جمعنا ممثلي جميع الفصائل في اجتماع خطير جدا، وكان هناك العديد من المطلوبين من بينهم.. كانوا يتصلون بي ويقولون "يا بتوقفوا التصوير والا باجيلك"! فكنت ارد عليهم "لا تأتي، قل لي أين أنت وأنا سآتي"! ومرة ذهبت الى مخيم عسكر، وبالطريق كنت مع شخص مطلوب.. وكانت هذه أطول رحلة بحياتي! وربما شعرت خلال العشر دقائق هذه بشعور غريب، أنك تستقبل الموت وأنت راضٍ عنه.. وحينما اتصلت والدتي خلال هذه الرحلة سألتني عن حالي فقلت لها "تمام كله تمام بألأف خير"! ففكرت بعدها "هل يكون هذا آخر ما اقوله لوالدتي"؟؟ علي سليمان وعامر حليحل اضطروا أن يناموا تحت الأسرّة، وذلك بسبب القصف الذي كان وراء الفندق الذي كنا ننزل به. وفي ظل كل هذا القصف يسأل علي: "فكرك راح نوخذ الأوسكار"؟
السينما الفلسطينية لا ينقصها شيء!
ويقول أبو اسعد في رد على سؤال مراسلنا حول "ماذا ينقصنا كشعب كي يصبح لدينا، سينما وجمهور، وأن نوصل سينمائنا للعالم كله"؟، "أعتقد أن هذا الأمر على الطريق.. لا أؤمن بقضية سنة أو سنتين أو ثلاثة، الطريق طويلة، هناك حراك ايجابي ليس فقط في وطننا هنا بل في كل العالم العربي، هناك فيلم جديد سيصدر لنادين لبكي سيكون أنجح فيلم عربي من حيث الجمهور، ربما أقل من حيث النقاد، ولكنه سيتخطى الايرادات الكبرى، وقد فعل ذلك في سوريا ولبنان.. كجزء من العالم العربي أعتقد أنه يوجد انتاج جيد.. أعتقد أن فيلم "الجنة الآن" أثر على السينما العربية عامة.. لذلك هناك تجارب ستأتي"..
ويضيف أبو أسعد: "لن أعمل فيلم تجاري، أكشن، أو فيلم يتناول قصة حب، فالواقع السياسي يتدخل في كل شيء، حتى في أكلك وشربك ونومك، ولذلك من الصعب أن أخرج أفلاما كهذه، ولكن هذا لا يعني ألا أجرب أن أنتج فيلما للجمهور العريض"...
أما عن فيلم "عجمي" للمخرج اسكندر قبطي والذي ترشّح أيضا للأوسكار، يقول أبو أسعد: "عجمي فيلم جيد من ناحية فنية، من ناحية سياسية هناك نقاش كبير عليه"..
[email protected]
أضف تعليق