عندما سمعتُ للمرة الأولى عن خدمات مكتب "وردة للتعارف بهدف الزواج" ، ضَحكت.... غير أن ضحكتي تلك لم تكن لدواعي السخرية لا سمح الله، إنما لاعتقادي أن فكرة إنشاء مكتب يهدف لمد الجسور بين العازبين والعزباوات في مجتمعنا إنما هو ضرب من الجنون لا أكثر في زمن احتلت فيه مواقع التواصل الاجتماعي، كالفيسبوك والتويتير، مكان "الخطّابة" التقليدية أو العمة والخالة اللواتي كنّ يدأبن في ما مضى على تزويج أبناء عائلاتهن وقريتهن إلى "بنات الحلال" المتوفرات ..!

ولكي أقطع شك سخريتي بيقين الحقائق، اتصلت بمديرة المكتب وردة جبران –حوّا وطلبتُ لقائها لإجراء مقابلة صحافية معها بهذا الخصوص. وبالفعل، تم قبول طلبي بترحاب توقعته وبسرعة..!

في اليوم نفسه توجهت إلى المبنى الواقع على طرف أحد الشوارع الرئيسية في مدينة "نتسيريت عيليت" المحاذية للناصرة، والذي تتم داخله كل العمليات السرية "لجمع رأسين بالحلال"! دخلت من الباب الرئيس بحسب موعدي، لأجد أمامي مكتبًا أنيقًا ترتبت تفاصيله بعناية واضحة، وطغى على ديكوراته اللون الأحمر... من ثم استقبلتني السيدة وردة بابتسامة ترحيب، دعتني بعدها للجلوس على كرسي وُضع أمام مكتبها، وهناك كان لي معها حوار امتد نحو الساعة وبعض الدقائق، وعدتُ لكم منه بالآتي:

إعلان في صحيفة خلق فكرة المشروع..!

استهلت جبران-حوا حديثها متذكرة ولادة فكرة إنشاء المكتب قائلة: "بدأت القصة على سبيل المزاح، حيثُ كنت جالسة برفقة عدد من الصديقات في حيفا، وبالصدفة قرأت في صحيفة عربية ما إعلانًا يضم في محتواه خدمات لطالبي وطالبات الزواج. واكتشفت خلال نقاش عاصف حول الموضوع أن إحدى هؤلاء الصديقات العازبات كانت قد عاشت تجربة التفاعل مع هذا الإعلان من قبل، وأخبرتني أن الأسلوب المتبع هناك سيء للغاية وغير منظم حيث يعتمد على العشوائية بشكل أساسي في أسلوب التنسيق بين الجهات المعنية. من هناك فكرت في إمكانية افتتاح هذا المشروع ذاته، شريطة أن يعتمد على الجدية والسرية والمهنية العالية، نظرًا لما يسده من حاجات يعاني منها مجتمعنا في هذا المجال.. وهكذا خرجت فكرة "وردة للتعارف" إلى حيز التنفيذ مطلع عام 2005.."

نطلب وثائق رسمية تؤكد صحة كل معلومة..!
تابعت: "مكتبنا يعتمد بالإضافة إلى ما ذكرت على عمل مهني متقن، حيث يبدأ عملنا باستقبال طلب المعني أو المعنية بالزواج ونطلب منه معلومات عديدة حول شخصه، مثل المستوى الدراسي لصاحب الطلب، وضعه الصحي وتفاصيل أخرى عديدة كلها ترفق مع وثائق لضمان الأمان وسلامة هذه المعلومات، مثل تقرير طبي يؤكد ما ذكره بخصوص وضعه الصحي وصورة عن شهادته الجامعية مثلاً في حال كان قد أخبرنا أنه أكاديمي بالإضافة إلى توقيع المتقدم بالطلب على عقد محكم جدًا يمنعه من التسلية أو الكذب في معلوماته، وكل هذا يعود لسبب رئيسي هو أنني ابحث عن الجودة بنوعية الزبائن !".

الفيسبوك يعد وسيلة بطيئة للتعارف مقارنة بعملنا..!

وعن مدى نجاعة أي مكتب يهدف للتعارف في زمن "الفيسبوك" وسرعة التكنولوجيا قالت وردة: "ليكن معلوما لديك أن مكتبنا يؤدي هذه الخدمة بسرعة أكبر من تلك التي يؤدي الفيسبوك خلالها الخدمة ذاتها. فلنفترض جدلاً أنك، تقصدني أنا، تود التعرف على فتاة ما عبر الفيسبوك أو التويتير، كم من الوقت يلزمك يا تُرى حتى تتواصل معها بالشكل الكافي الذي يخولك للقائها أو حتى تبادل أرقام الهواتف بينك وبينها؟"
أجبتها بعد لحظة تقدير للمدة المطلوبة: "ربما يلزمني شهر واحد لتحقيق هذه الغاية"..
عندها ابتسمت وردة وقالت: "في مكتبنا لن يحتاج الأمر إلى هذه المدة. ناهيك عن ضمان حماية الطرفين من صدمة عاطفية وانهيار آمال يكون كل منهما قد بدأ يبنيها قبيل حدوث اللقاء المنتظر"..

كل شاب عربي يتمنى أن يكون رجلاً من رجال باب الحارة ..

زادت جبران-حوّا في حديثها قائلة: "لقد نجحت في تزويج ما يقارب 422 حالة منذ بدأت عملي عام 2005 ..!" عندها سألتها عن سر إقبال شبابنا وبناتنا على هذا الأسلوب المستحدث من أساليب الزواج، فعلقت قائلة : "إن شبابنا متعطشون للعاطفة، وبما أن الحياة البراغماتية، العملية تجبرنا على الانشغال والعمل كما الآلات طوال الوقت، فإن شبابنا لا يجدون وقتًا كافيًا للبحث عن الحب بسبب الضجيج التكنولوجي المحيط بنا.. لذا تجدهم منجذبين بقوة للمسلسلات التركية التي غزت شاشاتنا العربية في السنوات الأخيرة، علمًا بأن كل ما تحتويه هذه المسلسلات يُبنى بشكل أساسي على قصة عشق بين شاب وفتاة. كما أني أعتقد أن نجاح مسلسل (باب الحارة) وانجذاب الرجال لمضمونه قبل النساء يعود إلى أن كل شاب عربي يتمنى أن يكون رجلاً من رجال المسلسل ..! فمعظم من يصل إلى مكتبي يشعرني، خلال حديثه عن فتاة أحلامه، أن الرجل العربي المعاصر اشتاق إلى صفات الفتاة الموجودة في المسلسل نفسه، حتى أن العديد ممن يقدمون طلبات للزواج في مكتب ، يقولون لي وبالفم الملآن: "أهم شي، بديش إياها تكون تاعت (فيسبوك).."!

أفضّل أن أزوّج ابنتي الوحيدة عن طريق مكتبي..!

سألتُها:"بما أنك أم لثلاثة أبناء (ولدان وبنت واحدة)، هل تراك تقبلين أن ترتبط ابنتك عن طريق "مكتب وردة للتعارف"..؟
"طبعًا" ، أجابت بثقة ، "فهنا سأكون مطمئنة على مستقبل ابنتي أكثر وسأكون مرتاحة بأن الشخص الذي ستختاره سيكون ملائمًا لها ولديها ما يكفي من المعلومات حول شخصه وكل ما هو محيط ببيئته..".
و تابعت: "لقد زوجت خلال عملي الكثير من الأكاديميين العرب، وعدد من رجال السياسة بالإضافة إلى عدد من الأشخاص المنتمين إلى الوسط الفني وها هم يعيشون بهناء حتى اللحظة بل وأنجبوا أولادًا أيضًا.."
فيما يخص متابعة المكتب للأزواج الذين تزوجوا عبره قالت وردة: "إننا نرافق كل زوج حتى الاطمئنان على حالهم والتأكد أن علاقتهم تسير بخير، فما أن يتبادل الطرفان أرقام الهواتف وأتأكد من كل منهما، بعد فترة من التواصل بينهما، أن الأمور تسير بخير وأن التوافق بينهما لا يزال موجودًا فإننا هنا نعلن انتهاء مهمتنا ونتركهم يتدبرون شؤونهم في الحياة معًا.."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]