قال القرد الصغير لأمّه في حديقة الحيوانات: أمّي، أمي!
ما بك يا صغيري؟ ماذا تريد الآن؟
ماذا نفعل نحن هنا يا أمي؟ لماذا يغلقون علينا الباب في هذا القفص ويتركوننا بين قضبان الحديد؟
أسئلة! أسئلة! دائمًا أسئلة! ألا تعرف يا صغيري أنّنا قردة، يعني قرود، سعادين؟
نعم أعرف، أعرف.
وأنّنا هنا في حديقة الحيوانات وقد وضعونا في القفص موقّتًا . وبعد قليلٍ سيخرجوننا منه وسيضعوننا في قسم القرود ولن نكون مسجونين هناك؟ نعم، سنكون طليقين أحرارًا.
متى يا أمي؟ متى يحين ذلك الوقت لينقلونا إلى قسم القرود؟ لقد ضاق صدري في هذا القفص.
ها هو حارس قسم القرود. إنّه قادم ليخرجنا من هذا القفص.
وفعلاً أقبل الحارس ونقل القرد الصغير وأمّه إلى قسم القرود.
آه! ما أحلى الحرية! الحمد لله، أخرجونا من القفص. أمي! أمي!
ما بك الآن يا صغير؟ ألستَ مسرورًا لأنّنا خرجنا من القفص؟
جدًا جدًا، أنا مسرورٌ جدًا ولكنّني أريد أن أسأل: ما هذه الأشياء المُلوّنة؟
أين هي؟
هناك، هناك، حمراء، خضراء، صفراء.
أين هي؟ لم أفهم ما تقول.
هناك. أترين؟
آه، فهمت. إنها فاكهةٌ في بستانٍ.
فاكهة؟ ما معنى فاكهة يا أمي؟
الفاكهة مآكل طيّبة لذيذة. إنّها ثمار تنمو على الشّجر.
ثمار؟
نعم يا بُنيّ، نعم، تفّاح، إجاص، برتقال.
آه لو أستطيع يا أمّي أن أذهب وأذوقها.
ستأكل يا بني! ستأكل منها. لكن قُل لي: لماذا تقفز الآن؟
أقفز لكي أتعلّم كيف أتسلّق الشّجرة وآكل فاكهتها وثمارها.
ابق هنا يا صغيري وإلعب قليلاً ريثما أذهب وأحضر لك بعض الطّعام. فقد حان وقت الغذاء.
حسنًا تفعلينه يا أمّي، فأنا جائعٌ جدًا.
ولكن ينبغي ألاّ أوصيك يا صغيري. إيّاك أن تخرج من هنا. مفهوم؟
مفهوم، مفهوم.
مرةً أخرى أقول لك: أنا الآن ذاهبة. لا تستهتر بما قلته لك. إياك والإستهتار بكلامي.
مع السّلامة يا أمي. اطمئنّي، سأكون عند حُسن ظنّك، لن أستهتر. مع السّلامة.
ذهَبَت الأم وطال غيابها أكثر ممّا كان صغيرها يتوقّع.
هيه... إيه... لقد انتظرتُ طويلاً ولم تحضر أمي الطّعام لي بعد، أنا جائع. ماذا أفعل؟ لقد وجدتها! وجدتُ الحلّ. سأتسلّق الحائط وأذهب إلى البستان هناك وآكل الفاكهة.
وجاءه صوت: إلى أين تتسلّق يا صغير؟
مَن؟ أنا؟
نعم، أنتَ؟
أخبرتني أمي عن فاكهةٍ لذيذةٍ أحبّ أن آكل من الحديقة المجاورة. فهمتَ ماذا أقول لك؟ أنا ذاهب لآكلها.
ولكنّ يا صغير، إن رآك الحارس ضربَك. إيّاك أن تخرج!
لا تخافي عليّ.
لا تذهب. لا تتسلّق السّور كي لا تسقط وتكسر يدك أو رجلك أو ظهرك أو رأسك.
لا تخافي. نحن القرود نعرف كيف نقفز.
قفز القرد الصّغير وصاح: ها قد قفزتُ ولم أُصَب بأذى. على كلّ حالٍ الحائطُ ليس مرتفعًا.
فردّ عليه صوت: هيه! يا صغير! أنت يا صغير!
هيه! مَن يتكلّم؟ مَن يتحدّث إليّ؟
أهلاً! أهلاً بك. مَن أنت؟
أنا الفاكهة، الفاكهة المعلّقة على الشجرة.
يعني أنتِ الثّمرة المُلوّنة الجميلة الطّيبة اللّذيذة؟
نعم، نعم! تعال إلينا، اقطفنا وكُلنا.
أنا قادم. أنا قادم بسرعةٍ، سأتسلّق الشّجرة وسأصل إليك حالاً، في لحظةٍ واحدةٍ سأكون عندك.
قالت الثّمار: وَصَلَ. وَصَل إلينا القرد الصّغير. إنّه صغير ومُضحك أيضًا.
نعم، أنا أتيت.
اقطف وكُل.
هاه.. هاه.. قطفتُ. هاه.. هاه.. قطفتُ الثّانية. أوه.. ما أشهى هذه الرّائحة!
كيف لو ذقتنا؟ إذن؟
ذقتكم؟ ما اسمكم؟
تفّاح. تفّاح. اغسلنا وكُلنا.
حسنا. سأفعل.
هل ترى أيّها القرد الصغير الماء في البركة هناك؟ اذهب واغسلنا ثم كُلنا.
طيب، طيّب. سأذهب. بعد ذلك سآكلكم وأبلعكم.. سأشبع.. هيه..
عادت الأم فلم تجد ابنها، فصاحت: ابني! ابني يا ناس، ذَهَب ولم يعد. أين أخذتَه يا حارس حديقة الحيوانات؟
أجابها الحارس: أنا أبحث عنه أيضًا. من ثلاث ساعاتٍ ذهب، ومن ثلاث ساعات وأنا أبحث عنه، ولكنّني لم أجده.
آه يا حبيبي! كيف تركتني؟ أنا أوصيته ألا يذهب.. إنّه مخلوق مُستهتر لا يعير كلامي أي انتباه.
للحقيقة يا سعدانة، ابنك شقيّ، غافلنا وقفز عن الحائط، قال الحارس.
علا صوت بكاء الأم: آه.. آه.. أه...
حَزِنَ الحارس وقال لها: لا تحزني ، نحن سنبحثُ عنه بكلّ وسائلنا. كُلي، كُلي طعامك!
فقالت الأم: وهل يطيب لي الطعام؟ أنا ذهبتُ خصّيصًا لأحضر له الطّعام، وصاحت: يا حبيبي! أين أنتَ يا طفلي الصغير. أريده الآن، الآن! ابني.. لن آكل ولن أشرب قبل أن يعود حبيبي الصّغير.
أجابها: مهلاً، مهلاً يا سعدانة! ترفّقي بحالك.
فتحت امراةٌ في المبنى القريب من البستان شباكها لترشّ الأزهار ماءً وترويها، فإذا بها ترى القرد الصّغير يقفز بين الأغصان، فقالت: غريب! ما هذا القرد الصّغير الذي يعتلي الشّجرة؟
ضحك القرد الصّغير.. هه، هه، هه.. هذه السّيدة ترش الأزهار بالماء. ثم سمع صوتًا يخرج من صندوقٍ صغيرٍ وكأنّه شباّك وفيه شخص يتكلّم: تحيةً طيبةً أيها المُشاهدون الكرام من محطّة التلفزيون الوطنيّة: إليكم هذا النبأ أيها المُشاهدون الأعزاء: اختفى قردٌ صغير من حديقة الحيوانات. وقد حزنت الأمّ على قردها الصّغير. لم تعد تأكل ولا تشرب. يُرجى ممّن يعثر على هذا القرد الصغير أن يتّصل بحديقة الحيوانات لكي تعيده إلى أمه. وها هي الأمّ على الشاشة. إنّها في حالةٍ مُزريةٍ.
علا صوت الأم باكيةً: أين أنتَ يا بني؟ أين أنت؟
فصاح القرد الصغير باكيًا: أمي؟ هذه أمي.. آه..
شاهدته سيّدة فقالت له: لا تبكي يا صغيري.. أنا سأبعث بك الى أمّك.. لحظة.
ثم إتّصلت هاتفيًا بحديقة الحيوانات: هالو، هالو، حديقة الحيوانات؟ القرد الصغير الذي تبحثون عنه هو عندي في البيت.. تعالوا خذوه.. هاه..؟ بيتنا؟ بيتنا قرب الغابة. سأبقي القرد الصغير عندي حتّى تحضروا.
وكان القرد الصغير يبكي.. ويقول: أمي! أمّي!
نقل القرد الصغير إلى أمّه فاستقبلته باكيةً: ابني حبيبي.. كم شغَلتَ بالي!
فاجابها القرد الصّغير: أمي حبيبتي! وهو يبكي فرحًا.
فقالت: تألمتُ كثيرًا يا صغيري بسبب استهتارك. أنا نبّهتك ألاّ تًغادر مكانك.
فأجابها بحزنٍ: أخطأتُ يا أمّي، أخطأتُ. لن أعيدها بعد الآن!
[email protected]
أضف تعليق