نشرت صحيفة "هآرتس" ملخّصًا مشوّقًا ولافتًا لسيرة حياة الراحل يعقوب منيّر (في الصورة) الذي رحلَ عن الدنيا الشهر الماضي عن واحدٍ وتسعين عامًا، بعد أن ذاع صيته كواحد من وجهاء مدينة اللد، وكشخصية جمعت بين التواضع والكدح وتربية الخلف الصالح، والثبات في مسقط رأسه الذي صمد في وجه نوائب الزمن، رغم الجور والظلم والحرمان.
وكتب الصحفي "أوري درومي" مؤبنًا الوجيه الراحل أنه قال في مقابلة أجراها معه حفيده الفنان "دور غيز" (في الصورة) قبيل وفاته: كل ما أتمناه هو أن أُدفن في المقبرة المدفون فيها والدي وجدي، في اللد!
كان أجداده من أبرز شخصيات اللد، فجدُّه كان واحدًا من القائمين على صيانة كنيسة السانت جورج التي يُروى أنّ القديس الذي تحمل اسمه وُلد ودُفن في اللد. وكان هذا الجدّ قد تبرّع بقطعة أرض لبناء الديْر المجاور للكنيسة. وبعد أن قُتل الشقيق، المدعو سليم، الذي كان عضوًا في المجلس البلدي، اضطر يعقوب التخلي عن حلمه باستكمال الدراسة، وتولى رعاية وإعالة الأسرة. وفي عام النكبة، 1948، استُشهد صهره المقيم في القدس. فسافر إلى هناك مخاطرًا بروحه، وعاد إلى اللد مصطحبًا شقيقته وطفليها.
وعلى الرغم من عدم رغبته في الخوض في السياسة خلال المقابلة التي أجراها معه حفيده الفنان – إلا أنه عبّر عن اعتقاده أنه لدى دخول الجيش الإسرائيلي إلى اللد، كان على ثقة من أنه مثلما جاء الأتراك والانجليز وغادروا البلاد، فها قد جاء دور اليهود، وأعرب عن أمله في أن تستتب الأوضاع في العهد الجديد "فالذي يتزوج أمي، هو عميّ" – كما يقول المثل الذي استعمله يعقوب.
"غيتو" اللد
وبعد دخول الجيش الإسرائيلي تم تهجير غالبية أهل اللد، ومن بين القلائل الذين بقوا في المدينة، مجموعة من المسيحيين الذين احتموا بالكنيسة، وقد أقاموا في ما يشبه "الغيتو" (الحي المُغلق". وقد تحوّل منزل عائلة "منيّر" الفخم إلى مقر الحاكم العسكري الإسرائيلي، ثم مقر المجلس البلدي، وتوسّط المحامي يعقوب هغلر، نائب الحاكم العسكري، لمساعدة يعقوب منير في الحصول على أجر، ولو زهيد، للمنزل المُصادَر. وتقول ابنة "هغلر"، القاضية المتقاعدة عدنا كابلان هغلر، ان والدها ارتبط بعلاقة صداقة طويلة وطيدة مع "يعقوب"، الذي اقترن عام 1949 بالسيدة سميرة، التي هجرت عائلتها من يافا، وكان حفل عرسهما الأول في اللد بعد النكبة.
ولإعادة الأسرة عمل يعقوب في شركة اسرائيلية لفلاحة البساتين والبيارات التي هُجّر أصحابها الفلسطينيون، ويحتفظ الحفيد الفنان، "دور غيز"، بصور قديمة يظهر فيها جده مع عمال يهود، غالبيتهم من الشرقيين، وقد كان يعقوب يتخاطب معهم باللغة العربية. وبما أنّه كان خبيرًا في الخرائط بفضل عمله في عهد الانتداب البريطاني، فقد رقّاه رؤساؤه للعمل مديرًا، ليصبح أول مدير عمل عربي!
زوج يهودي...
وفي وقتٍ لاحق تشارك يعقوب منيّر مع مجموعة من أصدقائه اليهود في إقامة مخبز "كفار عانا" في أور يهودا، الذي سمّي لاحقًا "مخبز السلام" حيثُ ظلّ يعقوب يعمل فيه حتى بلوغه سنّ الخامسة والثمانين، وفي هذه الأثناء اقترنت ابنته "فيوليت" بزوج يهودي اسمه "دانيئيل غيز" (والد الفنان دور غيز)، وبعكس ما كان متوقعًا فقد كان يعقوب راضيًا تمامًا عن هذه الزيجة، وعندما سُئل عن شعوره بأنه "فقد إحدى بناته" أجاب قائلاً: لم أخسر بنتًا، بل حظيت بإبنٍ جديد!
وبما أنه حُرم من إتمام دراسته، فقد بذل كل جهد مستطاع لتعليم أولاده وبناته، الذين درسوا في مدارس يهودية، مشدّدًا على مساواة البنات بالأولاد، وبذلك أصبحت "هدى" مديرة كبيرة في بنك لئومي و"فيوليت" مديرة لمدرسة "رينيه كاسين" الثانوية في القدس، فيما يعمل والده سامي وسميح موظفين كبيرين في البنوك، ويحمل سليم لقب بروفيسور في علم الفلسفة، بينما يعمل "سيلفر" مراقبًا للحسابات.
[email protected]
أضف تعليق