في خيمة الاعتصام المقامة في مقر الصليب الأحمر برام الله تجلس والدة الأسيرة صمود كراجة من قرية صفا في أقصى غرب رام الله، منذ 14 يوما مضربة عن الطعام إلى جانب تحمل صورة ابنتها الوحيدة، أملا في أن يلتفت إليها المسؤلون والمؤسسات الدولية إلى معاناة قرابة 30 أسيرة في سجون الاحتلال.
تقول والدة صمود في حديث مع مراسل "بكرا" برام الله، "ابنتي و4 أسيرات أخريات قررن الدخول في إضراب مفتوح عن الطعام إلى جانب زملائهن المضربين في 26 سجنا داخل إسرائيل، احتجاجا على ظروف الاعتقال غير الإنسانية التي يتواجدون فيها.
وتضيف إنها باتت تخشى على حياة ابنتها بشكل كبير خصوصا أنها مستهدفة بشكل شخصي من السجانات الإسرائيليات الموجودات في سجن الدامون قرب حيفا منذ ثلاث سنوات، إضافة إلى أنها أول الأسيرات التي أعلنت الإضراب عن الطعام في الصراع المتدحرج من اجل توفير حياة تفتقر إلى أقل شوط الحياة الإنسانية التي يحتاجها البشر.
واعتقلت صمود قبل عامين تقريبا لدى دخولها على حاجز قلنديا العسكري الإسرائيلي الفاصل بين رام الله والقدس، بعد ان قامت بطعن أحد الجنود الإسرائيليين المتواجدين على الحاجز وأصابته بجراح، وحكم عليها بالسجن لمدة 20 عاما، ونشر تسجيل على الانترنت لعملية الطعن.
فقدنا الفرحة منذ اعتقال صمود
تستذكر والدة صمود ابنتها تقول "إنها كانت مرحة وتكثر المزاح وكانت صاحبة نكتة وتحدث الفرح بالبيت ولكن بعد اعتقالها لم يعد البيت كذلك بل أصبح حزينا كئبا، خصوصا أنها البنت الكبرى بين خمسة شبان، وكانت مميزة بهدوئها واتزانها ونشاطها في جامعتها القدس المفتوحة التي كانت تدرس فيها.
وتشير إلى أن صمود كانت واحدة من الفتيات القارئات وكانت نشيطة سياسيا في جامعتها التي كانت تقوم بشكل يومي بالذهاب إليها رغم أنها جامعة مفتوحة ويمكن الدراسة فيها عن بعد، لكنها أصرت على الذهاب والتفاعل مع الطلبة.
وصمود ذات الـ21 عاما، فتاة تتسم بالهدوء والرزانة، وهي كما يصفها شقيقها وعائلتها إنسانة مرحة وتحب الحياة، وكانت نشيطة إجتماعيا وتقوم بمساعدة أهالي قريتها المحتاجين للمساعدة بشكل وملفت للنظر وكانت دائما محبوبة لدى الجميع.
وتشير والدتها إلى أنه لم يكن باديا على صمود أنها تخطط للقيام بعملية فدائية، وتقول " إن ما قامت به صمود أمرا غريبا عليها أو علينا، ولكن في المقابل صمود تربت في بيت نضالي وكبرت بينما كان زوجي أبو حسن ياسر كراجة أسيرا في سجون الاحتلال، ولدينا جميعا اهتماما بالشأن الوطني".
مداهمة المنزل بعد الاعتقال
تسذكر الوالدة لحظة علمها باعتقال ابنتها تقول:" لم نكن نعلم أن كل هذا الحشد الذي حاصر منزلنا في الليل جاء من أجل صمود، داهموا المنزل وفتشوه بدقة، ثم وقفت لأحد الجنود وقلت له ماذا تريدون؟ أتريدون أحدا من أولادي؟، فرد وقال نحن هنا من أجل صمود المخرّبة، تفاجأت كثيراً فكل الذي أعرفه أن ابنتي ستعود من الجامعة في أي وقت، حينها أخبرنا الضابط بأنها طعنت جنديا على حاجز قلنديا، انهرت تماما ولم أتوقع أبدا أن تقوم بذلك".
وتصف تلك الأيام التي صاحبت اعتقال صمود، مبينة أن الخوف والقلق عليها كانا ملازمين للعائلة بكل فرد فيها، ولم يعرفوا أين يأسرها الاحتلال ولا كيف يحقق معها.
وتتابع:" بعد ثمانية أشهر من اعتقالها تم السماح لي بزيارتها لأول مرة، حينها لم أستطع التكلم، وقفت وبدأت بالبكاء أريدها أن تعود لنا، وهي بدأت تشد من عزيمتي وكأنني أنا السجينة، وحتى في المحاكمات كانت تبتسم لنا وترفع من معنوياتنا".
الغياب ألم آخر وامل من جديد
اما الغياب فألم آخر يثقل كاهل عائلة كراجة التي غُيبت ابنتها خلف القضبان، فصمود كانت الشقيقة الحنونة بين خمسة أبناء يشكون لها همهم ويعطفون عليها ويحبونها وتبادلهم كل ذلك.
وتقول الأم:" كانت صمود مثالا للابنة الخلوقة المطيعة المرحة، كانت تحب أشقاءها جميعا وتعتني بهم كبيرا وصغيرا، وعندما تم اعتقالها لا أستطيع وصف الفراغ الذي تركته، هي كانت الابتسامة في المنزل وكانت النبض الذي نحيا به جميعا، أما الآن فالبيت فارغ كئيب بارد من دونها".
وتتطرق الأم التي ما عادت أمومتها تداعب صمود، إلى معاملة السجان لابنتها في سجن الدامون، ففي إحدى الأيام شعرت بألم شديد في ضرسها وبقيت تشكوه لعدة أيام بلياليها دون أن تغفو لها عين ودون أن تعرف طعما للأكل أو الشراب، وبعد مماطلة في عرضها على طبيب صهيوني تم قلع ضرس آخر ليس الذي يؤلمها بشكل متعمد، فعاشت ألمين بدل الواحد وتسبب لها ذلك بخلل في فكها السفلي، وحتى الآن ما زالت تعاني من آثاره في ظل رفض الاحتلال إدخال طبيب فلسطيني لها كي تشعر بالطمأنينة ولو قليلاً.
وتختتم قائلة:" نحن نشعر بالحزن على حالها ولكننا فخورون بصنيعها، هي الأسيرة الوحيدة في القرية والكل فيها يتمنى لو كانت صمود ابنة له، حقا إنها تبعث على الفخر ونتمنى من الله أن تتم صفقة تبادل الجندي شاليط كي نفرح برؤيتها خارج السجن، "وبشر الصابرين".
[email protected]
أضف تعليق