نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" (الاثنين 19/9) تقريرًا لمراسليها موشيه رونين وايتي ابراموف حول السفير المصري السابق في إسرائيل، محمد بسيوني، الذي رحل مؤخرًا في القاهرة عن (47 عامًا). وتضمّن التقرير آراء متضاربة لعدد من الإسرائيليين الذين ارتبطوا بعلاقات مع السفير الراحل، ونظرًا لفرادة المعلومات الواردة فيه، ارتأينا ترجمته لفائدة المتصفحين – في بلادنا ومصر والوطن العربي.
"لم يعرف أحد ماذا يجول في خاطره بشأننا"!
"قولوا ما شئتم، لكن يبدو أن العلاقات المصرية الإسرائيلية لن تعود إلى سابق عهدها. فقبل أشهر نزل عن المنصة، في تظاهرة مهينة ومذلة، شملت حمّالة (نقالة) وقفص اتهام، الرئيس الأزلي حسني مبارك، تاركًا المنصة شاغرة لمشهد مختلف تمامًا. وأمس رحلت إلى العالم الآخر شخصية أخرى شكّلت رمزًا للسلام البارد الذي سادَ بين الدولتين – السفير الأزلي محمد بسيوني، الذي توفي بشكلٍ مفاجئ في منزله، عن عمر 47 عامًا.
خلال عمله المطوّل في إسرائيل، كان بسيوني بمثابة الرجل الذي أحبَ الإسرائيليون أن يحبّوه. وقد كانت الحفلات التي اقامها هو وزوجته المكان الأنسب لوجود كل مَن أراد أن يُشار إليه بالبنان، وكانت من صنف المناسبات التي اشتهرت بالنشر عنها في زوايا النميمة، يوم كانت "نينيت" (وهي مغنية إسرائيلية مشهورة – غ.ب) بعد في القماط واللفافة.
"لقد كان بسيوني وزوجته أشهر زوجين "سليبريتي في إسرائيل" – هذا ما تقوله خبيرة التسويق "نعومي تشربك" التي كانت على علاقة طيبة بالزوجين، وتضيف: "في تلك الأيام لم يكن في إسرائيل أباطرة مال وأثريا خارقون، بل كان فقط نجوى ومحمد بسيوني، وأحب الجميع أن يتقربوا مِن "نجوى" التي كانت الملكة غير المتوَجة في "هرتسليا بيتوح" (أرقى حيّ في المدينة المجاورة لتل أبيب حيث يقيم كثير من الدبلوماسيين الأجانب – غ.ب)، وقد نظمت له كافة النشاطات الاجتماعية، بينما كان هو منشغلاً بعملية السلام ("بيس بروسس" – كما كان يقول). وقد أحبَ الناس أن يتعرفوا عليهما، وكان كل شخص يجلب شخصًا آخر".
ومن جهة أخرى اقترنت باسم بسيوني عدة قضايا مربكة ومحرجة، من بينها تهمة الاغتصاب التي تمّ التحفظ عليها رغم احتجاجات المنظمات النسائية في البلاد. والمحاضرة التي القاها قبل اربع سنوات في مكتبة الإسكندرية، والتي نُشرت مقتطفات منها في الصحف المصرية والعربية. واستنادًا إلى ما نُشر في مصر، فقد ادعى السفير السابق أنه لم يكن له أصدقاء البتة في إسرائيل، وأنّ فترة عمله فيها كانت "سنوات من العذاب"، بقي له منها "ذكريات مُرّة"، وأنه لم يكن في الواقع دبلوماسيًا، بل جاء إلى إسرائيل مبعوثًا عن المخابرات المصرية.
وقد وصف (بسيوني) رئيس الحكومة السابق، اريئيل شارون بأنه "جثة غائبة عن الوعي لا يجرؤ أحد على فصل أجهزة الانعاش عنها" وانتقد استيعاب القادمين من روسيا واصفًا إياه بالفشل الذريع. وفي وقت لاحق نفى بسيوني هذه الأقوال من خلال حديث مع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، لكنه لم ينشر قطعيًا نفيًا رسميًا.
فمن هو إذن محمد بسيوني؟ توجهنا إلى شخصيات عرفته، في محاولة مِنا للاستماع إلى ما يقوله هؤلاء عن الرجل الكامن خلف الدبلوماسي.
عرف كيف يجعل الآخرين يحبونه...
كان اسم محمد بسيوني ذا صلة بإسرائيل قبل عمله فيها بمدّة طويلة – بدايةً كضابط مخابرات في الجيش المصري، ولاحقًا كضابط كبير شارك بالتنسيق مع سوريا في إعداد المفاجأة الكبرى لحرب "يوم الغفران" (اكتوبر)، ثم كدبلوماسي مصري في الجامعة العربية، حيث عمل في مكتب مقاطعة إسرائيل.
وبعد إبرام معاهدات السلام، عام 1979، أُرسل بسيوني إلى السفارة المصرية في تل أبيب، حيث عمل نائبًا للسفير وملحقًا عسكريًا. وبعد نشوب حرب لبنان (1982)، يوم كان مبارك رئيسًا جديدًا، فقد أعادَ السفير سعد مرتضى إلى القاهرة، فأصبحَ بسيوني الرجل الأول في السفارة. وبعد أربع سنوات تمّ تعيينه رسميًا في منصب السفير وظلَ يشغل هذا المنصب إلى أن أعيد إلى مصر خلال الانتفاضة الثانية، في أعقاب غارة سلاح الجو (الإسرائيلي) على مقر السلطة الفلسطينية في تموز 2001.
"تعرفت عليه منذ يومه الأول في إسرائيل"- هكذا يقول د. نعيم منصور، وهو طبيب نساء من بلدة الطيرة (في المثلث الجنوبي) ويضيف: "كان بسيوني انسانًا يحب الحياة. ولم يعِش لحظة واحدة مملة في حياته"!
ويروي د. منصور أنّ السفير المصري كان يكنّ شغفًا مميزًا لكرة القدم، بل إنه كان يلعب الكرة في ايام شبابه. "كان مشجعًا لفريق الأهلي القاهري، وعندما كبر، تحوّل إلى لعبة "الشيش بيش"، وبرع فيها بطلاً، وكان دائمًا يبحث عن منافسين بمستواه، لكن كل مَن تبارى معه – كان يخسر"!
ويستذكر "م"، أنه وزوجته كانا صديقين للزوجين بسيوني، ويتذكر جيدًا مباريات "الشيش بيش" إياها، ويقول: "كُنا أصدقاء سنوات طويلة، بعيدًا تمامًا عن السياسة.. كان الرجل صاحب نكتة، وقد لعبنا الشيش بيش طيلة ساعات".
سؤال: سمعت أنه كان هو الفائز دائمًا..
"ما كان يجوز الفوز عليه، لأنه كان يشعر بالإهانة، كان الجميع يخسرون له عمدًا، بدافع الاحترام".
سؤال: وهنالك من يشعر بالإهانة من اقواله ضد إسرائيل..
"ما الذي قاله أصلاً؟ إنّ جميع السفراء المعتمدين هنا يتجسسون لصالح دولهم. هذا أمرٌ طبيعي".
سؤال: إذن بقيتم على اتصال فيما بينكم؟
"طبعًا. بل إنّ زوجتي كانت عندهما (في القاهرة) وعرّفاها بأنها من لندن. كنا نتصل بهما في الأعياد، وكانت "نجوى" تبدو عادية، بل إنها اتصلت الأسبوع الماضي بروتي عوفر لتعزيها بوفاة زوجها "يولي".
"ليس هو الغبي.. بل نحنُ"!
كانت "لفانا زمير"، وهي رئيس جمعية الصداقة بين مصر وإسرائيل، أحد الأشخاص الذين ردّوا بحدّة على ما قاله بسيوني في تلك المحاضرة، إذ قالت يومها وعيناها تدمعان: "كيف صدّقناه ووثقنا به؟ ليس هو الغبي، بل نحن الأغبياء لقد فتحنا له بيوتنا، والأسوأ من ذلك – قلوبنا. والآن نشعر بأننا قد غُدرنا".
أما اليوم فتبدو السيدة "زمير" متسامحة إلى حدّ ما، إذ تقول: "لقد آلم رحيله أقرب أصدقائه.. أما أنا فلستُ صديقة، إنما رئيسة جمعية صداقة. وسأشتاق لسماع خطاباته التي بدأها عادةً بالقول إنّ الطريق إلى السلام ليس مفروشًا بالورود، وسأشتاق أيضًا إلى ابتسامة نجوى ودفئها. إنني مصدومة مذهولة من وفاته"!
وتروي "زمير" أنها ظلّت على اتصال بنجوى بسيوني خلال السنوات الأخيرة: "عادةً"، كانت هي التي تبادر للإتصال في رأس السنة – ولقد تحادثنا قبل سنة بالضبط، ولكن المحادثة لم تكن عميقة، ربما بسبب التنصّت. كان بسيوني يعرف كيف يتصرف بحذر. قالت الصديقات اللاتي عدن من زيارة الزوجين أنّ نجوى طلبت منهن التظاهر بأنهن فرنسيات أو أمريكيات. فهمت الإشارة لم أسافر لزيارتها"!
وعلى الرغم من تلك الضجة، فإنّ السيدة "زمير" على قناعة، اليوم أيضًا، بأنّ بسيوني كان دبلوماسيًا بارعًا: "لقد عرف كيف يجعل الإسرائيليين يحبونه، وكيف يدخل إلى قلوبنا – لكنه ظلّ مصريًا على الدوام. كان يجلب لمبارك أفضل المعلومات. روت لنا نجوى أنه عندما كان يصل إلى مصر، كانت تنتظره سيارة تقلّه إلى قصر مبارك مباشرة. كم أشعر بالألم عليها.. كنا صديقتين حميمتيْن"!
سؤال: هل ستتصلين لتقديم التعازي؟
"كلا... لا أريد أن أسبب لها أي ضرر"!
ومن جهة أخرى تشيد السيدة "نعومي تشربك" بالأداء الهام الذي قامت به نجوى كزوجة سفير: "كلما حدث شيء، كانت تظهر لتقوم بالواجب، خلال الحرب تنقلت بين بيوت الدبلوماسيين، بيتًا بيتًا، وهدّأت من روعهم وطمأنتهم. لم يقم أحد من بعدها بمثل هذا العمل".
سؤال: الم تشعري بالإهانة بعد تلك المحاضرة؟
"لم نغضب. فهمنا أنّ هذا يندرج في إطار صراع البقاء في ميدان السياسة المصرية، الآن يقول جميع الأصدقاء أنّه (بسيوني) لو كان في إسرائيل، لكان حيًا يُرزق".
جندي جريح...
من بين الذين حافظوا على علاقة مع محمد بسيون شخصيًا – "عاموس عران"، الذي كان صديقًا مقربًا منه، وكان يشغل منصب المدير العام لديوان رئيس الحكومة في عهد اسحاق رابين. يقول عران: "بعد عودة بسيوني إلى بلاده، اعتدنا على التحدث هاتفيًا مرة أو مرتين في الشهر، لكن بعد الثورة (يناير) قررت ألا أتصل به أكثر، لأنه كان أحد أبرز رجالات مبارك، ولم أرغب في إحراجه بالاتصال به بواسطة خط دولي".
سؤال: لربّما كانت وفاته ناجمة عن اسباب غير طبيعية؟
- "كلا، لقد كان شخصًا مريضًا جدًا، يعاني من ضغط مرتفع للدم، وخضع في إسرائيل لعملية جراحية معقدة في القلب، كما كان يعاني من جرح اصابه خلال مشاركته في حرب الأيام الستة (عدوان يونيو 67- غ.ب) كضابط صغير.
يدّعي "عيران" أنّ سنوات خدمة بسيوني في الجيش المصري مكّنته من أداء دور الوسيط المصلح بين إسرائيل والفلسطينيين، ويقول: "شخصيات مثل جبريل الرجوب وأبو علاء، كانوا يقابلون عنده سرًا قادة إسرائيليين مثل شمعون بيرس واسحاق رابين، ولم يتسرب اي شيء لوسائل الإعلام. وفي أفضل ايام العلاقات المصرية الإسرائيلية، جلب إلى هنا مجموعة كبيرة من المفكرين والأكاديميين المصريين".
"عقوبات" سورية على نجوى...
ويقول "عران" أنّ عمل السفير بسيوني في غسرائيل تسبّب في البداية بعقوبات من جهة سوريا "فزوجته نجوى سورية الأصل، وفور تولي السفير مهماته في إسرائيل عمدت الحكومة السورية إلى مصادرة أملاك أسرتها لكن هذه الأملاك أعيدت إلى أصحابها فيما بعد. وخلال السنوات الأخيرة اتصلت نجوى هاتفيًا معي من سوريا، وقالت أنّ رجل الشارع في تلك الدولة يطمح غلى السلام مع إسرائيل".
سؤال: هل سألت السفير بسيوني عن الأقوال والتصريحات التي أدلى بها؟
"نعم، ولقد اعتراه الصمت. أعتقد أنّه لاءم نفسه مع الأجواء السائدة هناك، بصفته رجل سياسة. ولقد قال لي أنّ السنوات التي قضاها في إسرائيل كانت أسعد سنوات حياته"!
ويقول جاك كوبا، مستورد الملابس الداخلية، الذي كان جارًا للسفير بسيوني في "هرتسليا-بيتوح" ومشاركًا له في لعبة الشيش بيش: "لقد عرف بسيوني كيف يلائم نفسه مع أية مجموعة، وفي كل وضع.. ففي صحبة الدبلوماسيين كان يتصرف كدبلوماسي، وفي معية عامة الناس كان يتصرّف مثلهم. وعندما كان يسمع إسرائيليين وهم يشتمون العرب أو الفلسطينيين كان يعرف كيف يلطّف ويخفف العداء، ولم يبدُ ابدًا غاضبًا، ولم يبدر عنه كلام بذيء"!
سؤال: وماذا كان يجول بخاطره عنّا بالفعل؟
"لقد كان دبلوماسيًا بارعًا إلى درجة أن ما مِن أحد كان يعلم بما يجول داخل فكره".
الراقصة تتحدث...
وقعت الفضيحة الأخرى التي اقترنت بالسفير بسيوني عام 1997، عندما قدمت راقصة إسرائيلية شكوى إلى الشرطة بدعوى أنه اعتدى عليها جنسيًا واغتصبها. وقد أنكر بسيوني الأمر ونفاه، لكنه رفض الخضوع للتحقيق في الشرطة متذرعًا بالحصانة الدبلوماسية. وفي نهاية الأمر أغلق الملف لغياب الأدلة، على الرغم من احتجاجات المنظمات النسائية.
وبعد سنتين أبطلت الدعوى المدنية المقدمة ضده (بقيمة مليون شيكل – 300 ألف دولار). وهنا أيضًا بفضل الحصانة الدبلوماسية. ولدى عودته إلى مصر ادعى بسيوني أنّ جهاز المخابرات العامة (الشاباك) في إسرائيل هو الذي دفع بالراقصة إلى توريطه!
تقول الراقصة نفسها: "كانوا يسمونني "راقصة نجوى" وقد شاركت بفقرات رقص في عدة مناسبات وحفلات نُظمت في منزل السفير وفي منزلي يولي عوفر".
وتروي الراقصة، التي تعمل حاليًا كموظفة حكومية وكمعلمة للرقص (هزّ الوسط)، وتبلغ (47 عامًا)، وهي متزوجة ولها أولاد وتقيم في أواسط البلاد – كيف وقعت الحادثة، فتقول: دعاني السفير إلى بيته لأرقص، ولم افهم أنّ الدعوة خاصة، وأن المطلوب مني أن أرقص أمامه على انفراد. وعندما قدمت الشكوى إلى الشرطة، فقد اختبأ خلف الحصانة، وطالب بأن نتواجه في قسم الشرطة وجهًا لوجه، رواية مقابل رواية – يعني روايتي مقابل رواية السفير المبجّل".
سؤال: كيف كان شعورك حين علمت بوفاته؟
"شعرت أنّ هذه إدارة من السماء، بل سررت، لكنني ما زلت أشعر بأنّ العدل لم يتحقق. يوم اشتكيته حينذاك، فقد ذمّني الجميع. واليوم أيضًا أشعر بالمرارة تجاه تلك الواقعة وخاتمتها"!
[email protected]
أضف تعليق