بعد مرور اكثر من خمسين عاما على حادثة استشهاد الشباب جورج شاما – حيفا؛ جريس بدين – حيفا؛ ريمون مارون – حيفا؛ فايز سيد احمد – سخنين؛ ومحمود عبد الاسعد – أم الفحم، تستعد عدة أطر وجمعيات لإحياء ذكراهم الخمسين!.

هؤلاء الشباب الخمسة الذين استشهدوا حسب التفاصيل المتوفرة على الحدود بين غزة واسرائيل عام 17-9-1961 فترة ثورة يوليو وسيطرة الضباط الاحرار في مصر على النظام، حيث عاد الشباب الى اهاليهم بالكفن ومحملين على الكتف لدفنهم بعد ان تعرضوا لهجوم وحشي غامضي وتفاصيله لا تزال حتى يومنا مجهولة، وكان الإدعاء الرسمي للحكم العسكري يومها انهم حاولوا اجتياز الحدود اثناء الليل فأطلق الجنود النار عليهم، فيما تم تفنيد هذا الإدعاء في تقرير نشرته صحيفة الاتحاد عام 19661 وعادت وطرحت القضية من جديد عام 1999 في صحفها واستمعت الى شهادات حية لأقرباء الشباب الذين استشهدوا ولمن اعتنوا بهم ليتحدثوا عن الاساليب الوحشية في تعذيبهم.

مسؤول أمني لم ينجح بالكشف عن تفاصيل العملية!

أمنون لين وهو عضو كنيست من حزب مبام في تلك الفترة كان قد علّق على هذه الحادثة قائلا انها كانت "مفترق طرق للجماهير العربية في البلاد حيث هتفوا في فترة كانت حساسة لدولة اسرائيل – كما قال، حينما طالبوا بهتافاتهم برأس بنغريون". وعلق على هذه الهتافات قائلا: " لم نتوقع ان تصدر من عرب اسرائيل مثل هذه الهتافات..". وأكد يومها لين انه لم يعرف – رغم انه كان ايضا مسؤولا امنيا- أية تفاصيل اضافية حول ظروف مقتلهم واسبابها، كما قال انه لم يتوصل الى الاطراف التي قامت بقتل الشباب بعد مراجعة الارشيف الامني في الدولة - كما جاء في مقابلة نشرتها صحيفة الاتحاد.

وكانت الكتلة الشيوعية في الكنيست عام 1961 قد طالبت يومها بفتح ملف تحقيق ومعاقبة مركتبي هذه الجريمة البشعة، الا انه تم منع المحامي حنا نقّارة من دخول جلسات الكنيست التي كانت مغلقة لدواعي أمنية.

وأثارت الجريمة البشعة ردود فعل غاضبة لدى الجماهير العربية حيث شارك عشرات الالوف في تشييع جثامين الشهداء الذين سقطوا في حيفا وام الفحم وسخنين كما ووزعت عرائض للرأي العام المطالبة بالكشف عن المجرمين وأعلن عن يوم إضراب شامل لحظة تشييع الجثامين يومها.

صحيفة الإتحاد عام 1999 فنّدت إداعاءات الأمن...قتلوا ببشاعة

ونشرت الاتحاد تقريرا يفنّد ادعاءات رجال الأمن وقامت بإجراء مقابلات مع ذوي الشهداء الخمسة وممرضة اعتنت بالجثامين ليحكوا روايات العنف الذين تعرضوا له الشهداء الخمسة، فقد قال أدون ماري خوري وهو شقيق الشهيد ريمون ان أخاه قتل ببشاعة مخيفة ومهينة للإنسانية حيث اطلق عليه الرصاص من الخلف على بعد متر ونصف وكانت على جثته فتحة كبيرة في ظهره، كما وتظهر آثار تعذيب وحشي وكانت يديه مكسورتين بالاضافة الى مسامير احذية الجيش البارزة على الجثة!.

اصابع يده نُشرت بالمنشار...!!

أما الممرضة نعمة شحادة فقد عالجت جثة الشهيد جورج شاما فقالت في التقرير الذي نشر في الاتحاد أنّ صورة الجثة لا تزال محفورة في ذاكرتها، وتصف كيفية قتله فتقول: " أطلوا الرصاص بين فخذيه، قسّموا عظم وجهه لدرجة ان عظام وجهه وجمجمته تأرجحت بين ايدينا وبدت آثار تعذيب وحشية على جسده، اصابع يده قطعت بالمنشار وفكّه ورجله مكسورتان ..".

مراسلنا يكمّل توثيق الرواية، ويزور شقيق الشهيد فايز

هذا وأشير الى ان آثار تعذيب بدت على باقي الجثث التي لم تذكر في التقرير الذي نشر في أرشيف الاتحاد، الا ان مراسلنا استطاع الوصول الى شقيق الشهيد فايز السيد أحمد من سخنين، فهو أيضا لم ينس صورة أخيه الشهيد وهو عائد الى البيت في التابوت، لينظر الى جثته. وسرد لنا فوزي – شقيق فايز تفاصيل الحادثة فيقول: " حتى الان لا أحد يعرف اين قتل فايز؟ التفاصيل في تعداد المجهول رغم مرور الذكرى الخمسين لهذه الحادثة، وحتى يومنا لا تزال ذكرى مشؤومة، فأنا أتذكر جيدا ما جرى، ففي نفس اليوم الذي وصلت الانباء عن استشهاد الشبان الثلاثة من حيفا لم أكن اعلم بعد بإستشهاد أخي، خرجت الجنازة من حيفا قبل يومين من جنازة أخي وعلمي بذلك، يومها كنت في عشاء في أحد القرى التعاونية ضمن مجال عملي، فطلبت من العاملين معي الوقوف دقيقة صمت وحداد على أرواح الشباب الثلاثة من حيفا، لم يكن خبر بأن أخي من بين الشهداء".

وأكد ان بعد يومين من الجنازة تم الاعلان عن ان أخيه من بين القتلى في تلك الحادثة وتم تشييع جثمان اخيه يوم الخميس. وأكد انه حتى هذا اليوم يزور قبره أخيه الشهيد ويزور القبر ويقرأ الفاتحة على روحه.

حاولوا إخفاء آثار الجريمة..وخيطوا الجثة كاملة ..!

وأكد فوزي ان جثة أخيه لا تزال عالقة في ذاكرته جيدا، فيقول ان الجثة عادت وهي مخيّطة بإحكام، حتى لا يتم فضح الممارسات الهمجية على جثته، وإخفاء آثار العنف والرصاص عليها، فكانت مخيّطة على طول جسمه، لكن كان واضحا آثار التعذيب والجريمة البشعة التي ارتكبت بحق أخيه.

عبد عابدي: أتذكر زميلي في الدراسة الشهيد جروج شاما جيدا

أما الفنان التشكيلي عبد عابدي فهو كان صديقا زميلا للشهيد جورج شاما في المدرسة الابتدائية الأخوة حيفا، وكان جورج شاما كان يجلس الى جانبه في المقعد الدراسي، فيقول عنه: " أمس تذكرت أثناء قراءتي قصيدة أنا يوسف يا ابي للشاعر محمود درويش فتذكرت الشهيد جورج حيث ان الشاعر درويش وصف يوسف ان شعره لامس ويتطاير مع الريح، وأنا أتذكر ان جورج كان ايضا شعره طويل ومالس فكان يشبه وصف درويش ليوسف".

وقال انها كانت مصيبة كبرى حلت بشبّان فكروا بالإلتحاق بالثورة التي قادها عبد الناصر في مصر، وكانوا قد اعتقدوا انهم يستطيعون الانتقال الى عالم ثوري يتفجّر في مصر، ليقتلوا في ظروف مأساوية بعد ان حاولوا اختراق الحدود الى مصر، مشيرا الى ان أقاويل كثيرة حول مقتلهم الا ان المؤكد أنهم كانوا صغارا في عمرهم وقتلوا بشكل إجرامي.

فيقول ان الالاف شاركوا في جنازة الشباب في حيفا، وانه يجب استذكار هذه الجريمة وإحياء الذكرى لإستشهادهم، مضيفا: " حتى بعد خمسين عاما يجب احياء هذه الذكرى رغم الذكريات الكثيرة في حياتنا ومآساينا المستمرة لكن من الايجابي ان نتضامن مع ذوي الشهداء رغم مرور هذه السنوات الطويلة".

يوم السبت القادم، إحياء ذكراهم


هذا وبعد مرور خمسين عاما يقوم اهالي الشهداء الخمسة وعدد من النشيطين السياسيين بإحياء ذكراهم رغم مرور نصف قرن من الزمن، حيث سيتم زيارة قبر الشهيد فايز السيد احمد الساعة العاشرة صباحا من يوم السبت 17-9، زيارة مقبرة الجبارين في أم الفحم الساعة الواحدة بعد الظهر ووضع الاكاليل على ضريح الشهيد محمود عبد الاسعد، وفي الساعة الرابعة عصرا زيارة قبور الشهداء جورج شاما، جريس بدين وريمون مارون في مقبرة الروم الاورثوذكس في كفار سمير ووضع الاكاليل على اضرحتهم.

أخيرا كان قد كتب الشاعر محمود درويش عن الشهداء الخمسة قصيدة "وعاد في كفن" فقال عنهم في القصيدة:
يا أصدقاء الراحل البعيد
لا تسألوا: متى يعود
لا تسألوا كثيرا
بل اسألوا: متى يستيقظ الرجال

ملاحظة: الصور تم جمعها من أرشيف الاتحاد عام 1961 و 1999 ولهم جزيل الشكر على تعاونهم.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]