عانت منطقة الشاغور ودفعت ثمنا باهظا إبان العدوان الإسرائيلي على لبنان من عام 2006 ، فأكثر من 50 صاروخ كاتيوشا سقط في هذه المنطقة وخاصة على قريتي مجد الكروم ودير الأسد.

وفي كل عام من هذا الوقت يستذكر أهالي الشهداء والمصابين تلك الحقبة من الزمن التي عجز النوم أن يغلب عيون الأطفال بسبب الفزع والخوف الشديدين !

في الساعة الثالثة والنصف من عصر 04/08/2006 دوى انفجار صاروخ الكاتيوشا بالقرب من مدرسة عمر بن الخطاب الابتدائية في البلدة، حالة الخوف والذهول التي انتابت الأهالي لا توصف.

مرّت لحظات من الذعر الشديد، وتسمّرت أقدام الرجال بمكانها ، تجمدت الدماء في عروق الكبار قبل الصغار من هول المنظر وتناثر الأعضاء البشرية على الإسفلت الحار .

محمد مناع وبهاء كريم لم يكونا أقرباء فحسب بل أيضا أصدقاء (والد محمد شقيق والدة بهاء )، الشهيد بهاء كريم كان يعمل مربيا في مدرسة السلام الابتدائية حيث تعمل هناك أيضا والدة الشهيد محمد ... لقد درس محمد موضوع العلاج الطبيعي في المانيا وكان يهم في العودة إلى المانيا للعمل هناك !

لكن الأقدار شاءت عكس ذلك ، الصداقة والقرابة بين محمد وبهاء لم تنقطع باستشهادهما فقد سكنا جنبا إلى جنب في الدار الجديدة (مقبرة الشهداء )!

عاني أهالي مجد الكروم وخلال عقد من الزمان في قضية المقبرة القديمة التي لم تعد تتسع لدفن موتاهم، وجاء استشهاد محمد وبهاء رحمهما الله، ليُصدر أهالي مجد الكروم القرار الجريء والصعب، إذ تقرّ بناء مقبرة الشهداء جنوبي شارع 85.

مراسل بكرا التقى مع والد الشهيد صبحي مناع في مقبرة الشهداء ليستذكر معه السنوات الخمس العجاف التي مرت على العائلة بعد استشهاده .

تغيير جذري في حياة العائلة

يقول أبو محمد : كان محمد في صغره "حبوب العائلة " كونه الأخ الوحيد بين خمس أخوات (وقد جاء احمد بعد ذلك آخر العنقود ) ،لم اقل لمحمد يوما كلمة "لا " ، حين تخرج من المدرسة الثانوية فاتحني محمد وقال لي أود السفر إلى المانيا للتعليم هناك ، شخصيا كنت معارضا لهذه الفكرة ونصحته بالتعليم في البلاد لكنه أصر على موقفه ورضخت لطلبه ، تخرج من الجامعة الألمانية بشهادة تفوق في موضوع العلاج الطبيعي وعاد إلى البلاد ليبدأ مشواره العملي ،لكنه كان ينوي العودة إلى المانيا للعمل هناك، لكن القدر كان له رأي آخر.

يتابع أبو محمد : عملت في مصلحة البريد زهاء أربعة عقود ،وعملت زوجتي كمدرسة في مدرسة السلام الابتدائية ، الحادث الأليم كان بمثابة مفترق طرق جديد حيث خرجت وزوجتي للتقاعد ، وشعرت أن عجلة الحياة توقفت أمام هول الحدث ، كانت مجد الكروم بأمس الحاجة لمقبرة جديدة قبل استشهاد محمد وبهاء ، وكنا ندفن موتانا في المقبرة القديمة الواحد فوق الآخر لضيق المكان ، استشهاد محمد وبهاء كان بمثابة نقلة نوعية ، واتخذ القرار سريعا من أهالي القرية بافتتاح المقبرة جنوبي شارع 85 "مقبرة الشهداء ".

في هذا المقام أود تقديم شكري لحركة الشباب المسلم وإمام القرية أبو علي وللشاب نضال عثمان الذين ساهموا مساهمة كبيرة وفعلية بإقامة وصيانة هذه المقبرة.

وتابع: لقد تغيرت حياتي بمقدار 180 درجة ، منذ ذلك الحدث أوهبت نفسي لعمل الخير والحفاظ وصيانة مقبرة الشهداء ،أنشئنا صندوق الشهيد محمد لدعم العلم والطلاب الجامعيين ، في كل عام نوزع أكثر من 80-90 منحة جامعية للطلاب الجامعيين.

يتنهد أبو محمد ويتابع :اقضي كل يوم ساعات في مقبرة الشهداء وأتحدث إلى محمد وهو يسمعني دون شك ، محمد ليس من الماضي بل هو حاضر في ذهني في كل لحظة ، لا يمكنني العودة إلى الوراء بالذاكرة إلى حيثيات الحادث الأليم ...

أحمد الصغير التحق بالجامعة الألمانية

وتابع أبو محمد: في السنة الماضية طلب مني احمد السفر إلى المانيا للالتحاق بالجامعة فرفضنا أنا ووالدته طلبه على الفور، حاولنا إقناعه الالتحاق بالجامعات المحلية أو الأردنية، سافرنا معه إلى الأردن لتسجيله في جامعة اربد لكنه عاد مسرعا من هناك وأصر على السفر إلى المانيا ، لم يكن القرار بالموافقة سهلا وخاصة على والدته لكننا رضخنا تحت إصراره وعناده، التحق احمد بالجامعة الألمانية وتعلم اللغة في السنة الأولى وفي هذه الأيام يستعد للمغادرة ليتابع مشواره التعليمي هناك.

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]