في مثل هذا الأسبوع من عام 2006 شنت إسرائيل عدوانها على لبنان ومقاومته وكان الهدف المعلن تدمير تنظيم حزب الله ...هذا العدوان الذي أخفقت به الآلة العسكرية الإسرائيلية الفتاكة من قهر المقاومة، بالعكس تماما فقد جرّت إسرائيل ذيول الخيبة وخرجت مطأطئة الرأس من لبنان .. الجبهة الداخلية في البلاد ذاقت الأمرّين من صواريخ المقاومة وكان للمجتمع العربي نصيب يسير حيث استشهد عدد لا بأس به من أبنائنا ... منطقة الشاغور وتحديدًا دير الأسد ومجد الكروم فقدت أربعة من أبناءها في هذه الحرب ... مراسل "بكرا" استذكر تلك المشاهد مع عائلات الشهداء في القريتين..... دير الأسد ومجد الكروم، لم يندمل الجرح بعد ....

استشهاد الطفل فتحي فتح الله ووالدته المربية مريم

كانت عائلة فتحي فتح الله أسدي تنعم بحياة هادئة ملؤها السعادة والقناعة، فجأة ودون سابق إنذار، وكأن السماء أطبقت على الأرض وساد ظلام دامس في أعين العائلة وانقبضت الأفئدة، ومن هول الكارثة جفت العبرات في الأعين.... كانت الساعة العاشرة والنصف صباحا حيث كانت فاطمة "أم احمد" زوجة فتحي، ومريم زوجة الابن احمد ونجليها فتحي ابن الخامسة وفارس ابن الثالثة ، كانوا في الطابق السفلي يحضرون طعام الفطور ، رب العائلة فتحي كان في الطابق العلوي يرتشف القهوة مع بعض الجيران ويتناولون الحديث حول الحرب والعدوان الذي تشنه إسرائيل في هذه الأيام على لبنان ... فجأة ودون سابق إنذار دوى صوت انفجار صاروخ الكاتيوشا الذي هز أركان البيت والحي معا وتساقطت أكواب القهوة من فوق الطاولة ... فتحي فتح الله كان الأكثر سرعة في الوصول إلى الأسفل ...تسمرت قدما فتحي في البداية لهول المنظر لكن سماع صراخ حفيده فارس ابن الثالثة أيقظه من "غيبوبته " .. أسرع فتحي وكان الدمار والخراب يعم المطبخ فاحتضن حفيده الصغير وحين امسكه بين ذراعيه لاحظ أن قدمه تلوح في الهواء وكأنها منديل وكانت تنزف وكانت شرايين قدمه قد تمزقت ... مريم وابنها فتحي كانا ملقيان على الأرض وقد فارقا الحياة، أما فاطمة أم احمد فلم يكن نصيبها أفضل من الصغير فارس بل أكثر، فقد فقدت أم احمد حاسة السمع في إحدى أذنيها وبترت إحدى قدميها..

فتحي الصغير لجده :ما العمل في حال سقوط صاروخ في الحي

وفي حديث لـ "بكرا" قال فتحي فتح الله أسدي: كنت ارتشف القهوة مع بعض الجيران في صبيحة ذاك اليوم المشئوم وجاء حفيدي فتحي ابن الخامسة مسرعًا وارتمى في حضني وقال جدي ارغب في شرب الحليب لكن لا يوجد في الثلاجة حليب ... أخرجت من جيبي بعض النقود وهم بالذهاب ،وفجأة استدار فتحي نحونا وسألني ؟: جدي ما العمل إذا سقط صاروخ في الحي ؟! ، فأجابه احد الضيوف بدعابة : لا تقلق فالشيخ حسن ما زال نائما في هذه الساعة ؟!! وراح فتحي إلى البقالة وابتاع كيس الحليب ،نزلت زوجتي فاطمة ومريم زوجة ابني احمد والأولاد فتحي وفارس إلى الطابق السفلي لتحضير طعام الإفطار ،لم تمر سوى بضع دقائق حتى هز أركان البيت والحي صوت انفجار صاروخ ،كنت الأول الذي وصل إلى الأسفل وكان المنظر مرعبا (لقد خرب بيتي ) لقد تعالى من الداخل الصراخ والأنين في نفس الوقت وكانت مريم وابنها (حفيدي فتحي ) على الأرض وقد فارقا الحياة ، أسرعت إلى حفيدي فارس ابن الثالثة وحملته بين ذراعي وكان ينزف دما من قدمه التي بترت بعد ذلك ، كانت حالة من الفوضى العارمة خارج البيت وكانت أصوات سيارات الإسعاف والشرطة تصم الآذان ، لم تسلم زوجتي فاطمة وقد بترت هي الأخرى قدمها وفقدت حاسة السمع في إحدى أذنيها .. لا يمكن وصف هذا الجرح ولا يوجد ما يعوض عنه أبدا ..

الطفل فارس :أحببت أخي فتحي كثيرا وكنا نلعب سوية


لقد بترت قدم فارس الصغير حين كان في الثالثة من عمره، وقبل أيام أنهى فارس الصف الثاني بتميّز فائق ويستعد للصعود إلى الصف الثالث...كان فارس سعيدا بشهادته، وقام ليحضرها لنا، وحين سألناه عن قدمه قال : بترت قبل سنوات والآن هي من "البلاستيك ".

ويتابع فارس : لقد أحببت" توحة "( شقيقه المرحوم فتحي) كثيرًا وكنا نلعب سوية في الحارة واشعر بنقصه .

لقد ظلمنا القدر وبالغ في ظلمه

كانت فاطمة فتح الله أم احمد حتى ذلك اليوم المشئوم دائمة الابتسام والضحك ، وكانت تحب الحياة كما أحبت مريم زوجة ابنها احمد وحفيديها ، وقامت على تربية فتحي الصغير لسنوات حين كانت مريم تدرس في دار المعلمين ، بعد الحادث الأليم كبرت أم احمد عشرة سنين على الأقل وارتسمت التجاعيد بوجهها الذي أضحى مكفهرا طيلة الوقت وغابت عنها الضحكة كما تغيب شمس النهار ....وتقول أم احمد لـ "بكرا": لقد بالغ القدر بظلمنا فلم يكتف بما حل بنا في عام 2006، بعد عامين من الحادث فارقني ابني إيهاب الذي راح ضحية الغدر وقتله احد أبناء عائلة أخرى من البلدة حيث أطلق عليه الرصاص وارداه قتيلا ، لم يمر على زواج ابني إيهاب سوى سنة من يوم مقتله وكانت ابنته في الأيام الأولى من عمرها، من جهة أخرى العذاب والحزن يخيم فوق رأس ابني احمد ليل نهار ، احمد الذي فقد زوجته وابنه في لحظة واحدة ،لم يعود إلى حياته الطبيعية والاعتيادية لغاية اليوم ويرتاد الطبيب النفسي عسى أن يجد ضالته هناك .....

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]