شخص واحد فقط في "شارع ركب" وسط مدينة رام الله يكتفي بمراقبة هذا التغيير، مبدياً إعجابه الكبير به، وفي الوقت نفسه، لا يعتقد أنه يمتلك وقتاً أو طاقة لمجاراته، إنه الحاج عمر"أبو محمود" صاحب نوفوتيه عمر.
المحل الوحيد في الشارع الذي لم يطرأ عليه أي تغيير منذ 42 عاماً على أي صعيد، سواء على المحل ومحتوياته أم على صاحبه الذي لم يتغير، رغم أن جميع أصحاب المحلات الذين بدأ العمل معهم منذ أربعة عقود، إما تركوا المحلات لأولادهم، أو باعوها بعد طفرة الأسعار برام الله، أو تقاعدوا طلباً للراحة.
الراحة الحقيقية للحاج أبو محمود (75 عاماً) هي في البقاء في المحل من التاسعة صباحاً إلى صلاة العشاء، يبيع في دكانه كل ما يخطر على البال من: إبر الملاحف، والخيوط، والملابس الداخلية، والألعاب، والدبابيس وبعض أغراض المطبخ وتشكيلة واسعة من النثريات، أو كما يقول: "باختصار أي شي بخطر في البال! ".
تغير المستأجر للعمارة ولكن...!!
بدأ "أبو محمود" عمله بائعا للنثريات على عربة وبعد عدة سنوات استطاع أن يدخر مبلغا ليستأجر محله الحالي، ورغم أن العمارة التي يقع فيها محله قد بيعت أكثر من ثلاث مرات وتغير المستأجرون بها عدة مرات، إلا انه بقي الوحيد الذي يرفض "تضمينها" لأحد أو تحويل المحل لتجارة أخرى.
ويقول:" لا يخلو أسبوع من قدوم رجل أو امرأة للمحل بملابس أنيقة وكلمات منمقة لإقناعي بتحويل المحل إلى مطعم أو محل ملابس، مؤكدين لي:" أن بإمكاني الحصول على أضعاف الأرباح التي أجنيها حالياً، بسبب موقع المحل المهم على شارع ركب، وكل ما علي فعله ترك المحل، واستقبال الأرباح في نهاية كل شهر".
ويتابع: "كل ما يفكرون به هو مضاعفة الأرباح، وقلب المحل رأسا على عقب، المدينة مليئة بالمقاهي والمطاعم ومحلات الملابس، لكن هذا لم يكن عملي في يوم من الأيام".
غضب وسخط
ويعلق الحاج بغضب: "هل أصبح من غير المألوف أن يدير رجل مسن محله بهدوء، دون حاجة إلى مواكبة "صرعات" هذه المدينة".
ويشير الرجل الذي يقترب من عقده الثامن، ورغم ذلك يحتفظ بحيوية وروح دعابة مميزة، إلى صف كامل من المحلات في الشارع مستعرضاً تاريخ كل محل، وعدد الذين تناوبوا على استئجار كل محل ليستثمروه في تجارات مختلفة".
محلات ومقاه معروفة تشكل اليوم معالم شارع ركب، كانت مجرد محلات "نثريات" أو مكتبات أو مقاهي بلياردو أو سينما، اكتست اليوم ديكوراً وطلة جديدة وأصبحت تجارية الموضة بأسماء"جذابة" وشبابيك زجاجية كبيرة، ولافتات مضاءة وملونة.
رحل عشرات التجار أو انتقلوا إلى مكان عمل آخر، واليوم لا أحد من جيل "أبو محمود" موجود في شارع ركب الذي عاصر جميع التغييرات والتحولات في مدينة رام الله.
"من دخل هذا المحل ربيت أولادي العشرة الذين أصبح لدى بعضهم أحفاداً!، وترك هذا العمل اليوم بمثابة وصفة للموت البطيء". يقول أبو محمود بألم.
ويتابع: " يمر أحيانا بي شباب وصبايا يمازحونني: ألم تتعب يا حاج من العمل في المحل؟، فأرد عليهم: سأتعب حين أكف عن العمل، لأنني أعتقد أنني سأكون مثل الآلة التي لا تعمل، حينها سيصيبها الصدأ، وتبدأ أجزاؤها بالعطب جزءا تلو الآخر، وهذا ما سيحدث لي بالضبط لو تقاعدت، وتركت شارع ركب".
[email protected]
أضف تعليق