البويجي والكندرجي والمبيض ومصلح البوابير.. مهن لم يعد لها مكان في هذه الأيام، تنافسها الصناعات الحديثة والماركات العالمية، لكن ذكراها لا تغيب كلما ذكرت سنوات الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي.

وفي هذه الأيام من بقي من أصحاب الحرف محافظاً على حرفته ومهنته، يستذكر "أيام زمان" ويكمل يومه بفخر واعتزاز لأنه كان في تلك الأيام أحد الأشخاص المهمين في البلد..

البويجي عيسى عبد..وذكريات فرشاة عمرها ستين عاماً

"أنا أحب مهنتي..ولا أخجل منها"..ربما يكون ذلك شِعار ماسح الأحذية (البويجي) عيسى عبد..فلولا قناعته بها لما استمر ستين عاما في ممارستها، ولا كان أكثر من خمسين زميلا له –جميعهم توفوا- يمارسونها في شوارع القدس في الزمن الماضي.

البويجي عيسى عبد "75 عاما" من مواليد مدينة بيت جالا لكنه يسكن حاليا في أبو ديس شرق القدس..يتحمل يوميا مشاق السفر من خلف الجدار العازل لأنه يحمل هوية الضفة الغربية، يأتي الى المدينة بتصريح ويمنع من المرور في كثير من الاحيان، ليصل الى مدينة القدس ويبدأ مزاولة عمله في تمام السابعة صباحا، ومنذ أن كان عمره 12 عاما.

يتركز عمله على السياح بشكل خاص، لذلك فهو يكثر من الجلوس بالقرب من الفنادق الضخمة بمدينة القدس، والشوارع التي يمر منها السياح، إلا أن أهل البلد من الرجال والنساء معتادون أيضاً على صباغة أحذيتهم عنده.

وأضاف أنه كان يتنقل بين بيت جالا وبيت لحم والقدس (حيث اماكن توافد السياح)، متجولا في الشوارع ومناديا على الزبائن لكن بسبب كبر سنه اختار ان يجلس في مكان واحد بالقدس.

المدهش أنه لا يضع تسعيرة لعمله لكنه يقول :"أنها مهنة مربحة..فكل زبون يعطيني ما يشاء، منهم من يعطيني النقود واخرون الملابس او الطعام أو السجائر، فكل ما احتاجه هو صندوقي الخشبي والفراشي والبويا، حيث اهتم بتنظيف حذائي دائماً لجلب الزبون، وتشجعيه على مسح احذيته عندي".

أما أغلى ما يملك عبد في صندوقه (عدا ذكريات عشرات السنين)، فرشاة من زمن الانجليز اخذها من احد السياح كتذكار، وذلك يجعله يعتز بمهنته ويحبها كلما مسح حذاءاً آخر.

الكندرجي نبيل خريم : اللي بيرضى بيعيش..

لا تتوقف أصوات ماكينة الخياطة ألمانية الصنع وصوت طرق الشاكوش على الأحذية في الدكان الصغير المواطن نبيل خريم بالقدس القديمة..فهو أحد القلة الباقين في مهنة تصليح الأحذية في مدينة القدس.

بذات الهمة والنشاط يبدأ خريم "60 عاما" عمله منذ الصباح ومنذ أن كان عمره 15 عاما..حيث ورث هذه المهنة عن والده وجده، أحب مهنته وحافظ عليها من الانقراض ويعتز بها لأنها كفته قوته ومنها استطاع ان يعلم اولاده وان يصرف على بيته، رغم التطور والتقدم ووجود الصناعات الرخيصة، وقال :"لا يمكن ان يمشي الناس حفاة ولا يمكن ان يستغنى عن الحذاء، فالاحذية المصنعة هذه الأيام رخيصة الثمن لكنها تحتاج الى تصليح قبل اللبس أو بعد فترة قصيرة من استعمالها، ومحلات لتصليح الاحذية موجودة في كافة دول العالم لكن بطريقة متطورة عنها هنا".

يصب في دكانه مواطنون من كافة شرائح المجتمع والاعمار..أجانب وأهل البلد، يصطفون بالدور وينتظرون تصليح احذيتهم أو حقائبهم بسرعة ودقة متناهية على مدار العام، لكن المشكلة التي تواجهه كما يقول هي اصرار الزبون على تصليح حذاءه في الحال "لأنه مستعجل أو غير مقتنع بأن حذاءه غير قابل للتصليح"، وأضاف :"أتمتع بالبال الطويل مع الزبون، وأقول الحقيقة حول ضرر حذاءه واحتمالية تصليحه، ولا أهتم فقط الربح منه.

أما ما يحتاجه في دكانه الصغير المكتظ بالأحذية والحقائب..المسامير الصغيرة والابر لماكينة الخياطة والغراء والجلد الصناعي والنعال وبعض اكسسوارات الأحذية كالخيطان والضبانات والابزيمات وغيرها، كما وتختلف تكلفة تصليح الحذاء أو الحقيبة حسب الوقت والمواد اللازمة للتصليح.

تعلم أحد أبناءه الثمانية هذه المهنة حيث يأتي أحيانا لمساعدته، أما خريم الأب ببين كل هذه الضجة وتزاحم مسؤوليات الحياة، إلا أنه يقول دائماً :"اللي بيرضى بيعيش"..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]