وضعت ياسمين أبو صعلوك طفلتها السادسة “غالية” قبل أربعة شهور، ووضع زوجها حدًّا لحياتها قبل أسابيع قليلة. ياسمين كانت آخر ضحايا العنف في اللدّ، مدينة أزهقت أرواح نسائها وشبابها دون توّقف.

حاولت عائلة ياسمين إقناعها بعدم الرجوع إلى بيت الزوجية، لكنّ المرحومة قررت أن تعود إلى أطفالها الخمسة بانتظارِ مولودٍ جديد.

لا أحد كان يُمكنه أن يتوقع ما سيجري أكثر من الضحيةِ نفسها، كانت تعرف أنّ القاتل يتربص بِها، ويتحيّن الفُرص، لذا طلبت فتح مخرجٍ لغرفتها يُطل على الأهل لتستطيع الفرار إذا ما اقتربت من الخطر.

ولا أحد يستطيع أن يتفهم أسباب عودة ياسمين إلى البيت، وهي التي أطلق عليها الرصاص فشُلّت رِجلُها، لكنها اختارت نهايتها، فـوحدهم الراحلون، يملكون ردودًا لن نعرفها”.

وها هي عائلة ياسمين، تلملم جراحها، تحتضن أبناء المرحومة، وتعيش بصمت، خوفًا مِن جريمةٍ أخرى، لا أحد منهم يعرف مَن سيكون الآتي.

والدة المرحومة ياسمين: ابنتي شهيدة!

تقول مريم أبو صعلوك، ام ياسمين: “الحمل والأطفال الخمسة أجبروا ياسمين على الرجوع إلى بيتها، رغم اطلاق الرصاص عليها، واصابة رجلها بالشلل. جرّت رجلها السليمة ولملمت أغراضها واختارت أن تعود إلى البيت”.

أم ياسمين، حملت المولودة الجديدة، ابنة المغدورة، والتي لم تتجاوز الأربعة أشهر، وبيدها الأخرى مفتاح بيتها، وقالت: “طلبتُ مِن زوج ابنتي أن يفتح مخرجًا لغرفتها يطل على بيتنا، حتى يتسنى لياسمين أن تهرب إلينا”.

بكت الوالدة وقالت: “مفتاح الغرفة المُطلة على بيتنا لم يُستعمل، فالقاتل اختارَ أن يزج بها في مخزن المنزل، حيثُ لا مخرج ولا مفتاح ولا حتى شباك”.

تقول الوالدة، مستندة إلى شهادة الطفلة الصغيرة ابنة السبع سنوات، والتي كانت ترتجف كلما جرّ الأب ياسمين، “ساقها، كالأغنام” إلى المخزن، لتستقر هناك دون أطفالها، قالت ام ياسمين: “أرضعت ابنتي طفلتها “غالية” في العاشرة مساءً وغفت إلى جانبها، فجاء زوجها المتوحش وجرّها بالقوة، من ملابسها ومن شعرها، صارخًا ومستوحشًا في ذاك المخزن... ولم يكن يعرف أنّ أطفاله يسمعون ويروْن ويرتجفون... أخبرتني الطفلة الصغيرة أنها اختبأت تحت اللحاف لكي لا يشعر بها والدها، وفي الليلة الأخيرة، شعرت الطفلة أنها لن ترى أمها مرة أخرى... في ساعة مبكرة من الصباح بكت الرضيعة غالية وانتظرت امها، التي لم تستجِب لبكائها، وحاولت الطفلة الصغيرة ابنة السبع سنوات أن تُسكت شقيقتها، فلم تستطع، فجاءت إليْ... عرفتُ أنّ مكروهًا عظيمًا وقع... قُتلت ابنتي... ياسمين شهيدة عند الله، فحسبي الله ونعم الوكيل”.

اللد تعدّ ضحايا العنف وأسبابه

عشرات الضحايا والقتلة كُثر، كانت آخرُ جريمةٍ وقعت في اللد مقتل ياسمين أبو صعلوك رميًا بالرصاص، وهي أم لخمسة أبناء، في الثلاثين من عمرها، وهي الضحية الثالثة خلال شهر بعد مقتل سامي حجازي وأمل خليلي، وسبق هؤلاء الراحلين، أسماءٌ أخرى، وأرقام بالعشرينات أما المجرمون فهم كُثر. وبعد وقوع جريمة قتلٍ ضد امرأة، يكون عنوانها “على خلفية شرف العائلة”، ويجتمع في هذا التحليل كلٌ مِن وسائل الإعلام العربية والعبرية دون استثناء، وأحاديث الشارع في المجتمع العربي، وإنْ كان المغدور شابًا، فإنّ نزاعًا ماليًا يُعتقد أنّه السبب الرئيس وراء القتل، روايات كثيرة نسمعها، ونتوقف عند بعضها، مكتفين بعدّ الأرقام، وسرعان ما يودعُ الملف في درجِ الشرطة، أما المجتمع فيقلب صفحةً جديدة في الانترنت، متناسيًا تمامًا أسماء الضحايا.

وحدهم أفرادُ عائلةِ الضحية يعيشون مأساةً مزدوجة، أولاً بتصويب سهام الاتهامات باتجاه الضحية وأنها سببًا في نهايتها، والمأساة الأكبر أنّ الضحية تعذبت في حياتها وفي مماتها أيضًا، وتركت الأهل ثكالى والأبناء يتامى الأم والأب.

وخلفَ الضحية أسرارٌ لا يعرفها إلا مَن عايشها، عائلات الضحايا والقتلة يعرفون الحقيقة كاملةً، لكنهم لا يعلنونها بصراحة، هروبًا مِن أعين وألسن الآخريْن، الذين لا همّ لهم سوى نبش الحَكايا، تاركين ورائهم جراحًا وآلامًا لا تندملْ.

ومعظم الضحايا من النساء رحلن في عمر الورد، وتركن خلفهن أبناءَ صغار يحتفظون بذكريات مؤلمة تربطهم بوالدتهم، فمثلما باعد القاتل بين المرحومة ياسمين أبو صعلوك وأطفالها، كذا فعل مع عبير أبو قطيفان وأمل خليلي وغيرهن...

صارت جنبات البيوت في اللد، مسرحًا للقتلِ والقتلة كُثر كما يؤكد اللداويون أنفسهم، ولا يفصلون بين ما يجري وبين تقصير الشرطة، الذي ساهمَ بشكلٍ كبير في سفك الدماء.

وفي مظاهراتٍ جرت مؤخرًا في اللد أجمع المتظاهرون وشخصياتٍ اعتبارية وأعضاء كنيست عرب أنّ الشرطة وبلدية اللد ساهما في تغذية نارِ القتلِ واستهداف الضحايا، جراء سياسة التمييز والتهاون في صدّ الجريمة والاكتفاء بإغلاق ملفاتٍ خطيرة سواء في القتل أو في العنف أو في الهدم والنتيجة “الدماء لا تتوقف عن السيلان”.

مها النقيب: ما يجري في اللد سياسة ممنهجة

ربطت الناشطة النسوية في اللد، مها النقيب بين السياسة الممنهجة للسلطات المحلية في البلدة والشرطة وبين ازدياد جرائم القتل، وتسارع وتيرته. واعتبرت مها النقيب أنّه لا يمكن مواجهة جرائم القتل دون إحداث تغيير في المجتمع العربي، ودون الحصول على خدماتٍ أساسية للمواطنين العرب في البلاد.

وترى أنه لا يمكن الفصل بين جرائم القتل وبين الحالة السياسية والاجتماعية التي يعيشها اللداويون مِن تمييزٍ واضح وإهمال ونقص في الخدمات التي يحتاجها أبناء اللد، ليعيشوا كسائر البشر، وليحصلوا على حقوقهم الأساسية: ميزانية كافية لتطوير التعليم العربي، فالتعليم والوعي قادران على تغيير المجتمع حتى نتمكن من التصدي للجرائم.

د. جمال زحالقة: الشرطة المسؤول الرئيس عن غياب الردع

ويحمّل النائب جمال زحالقة، رئيس كتلة التجمع البرلمانية، الشرطة مسؤولية غياب الردع، مؤكدًا أنها لا تقوم بدورها في معاقبة المجرمين. ويرى زحالقة أنّ محاربة القتل والعنف يجب أن تصبح في رأس أولويات الشرطة خصوصًا أنّ نسبة الجرائم وصلت الى 60%، وهي نسبة خطيرة لا يمكن السكوت عليها.

ويعتبر د. زحالقة حوادث القتل هي “فشل” لمجتمعنا، وعلينا محاربة الجريمة في مجتمعنا، فكلما تأخر الوقت يكون الثمن أكبر.

ويعترف زحالقة أنّ شحّ الموارد والميزانيات لتطوير الخدمات الاجتماعية والنهوض بجهاز التعليم وتوسيع العمل، أسباب واضحة لتنامي الجريمة، فالجريمة مرتبطة بالأوضاع الاقتصادية الاجتماعية الصعبة.

سماح سلايمة: بلدية اللد تتجاهل الحاجة إلى عامل اجتماعي عربي!

سماح سلايمة اغبارية- جمعية “نعم” (نساء عربيات في المركز): إدارة البلدية لم تعيّن أي عامل اجتماعي عربي للتعامل مع قضايا العنف بين الشباب وضد النساء ولا تتعاون مع الحركات الشعبية والأطر الاجتماعية الناشطة في اللد، ولا توفر لهم الشروط الأدنى لتحفيزهم على العمل الجماهيري.

وبينت سماح سلايمة اغبارية أن سياسة البلدية تدل على تقصير من جهتها، وعليه، فهي تتحمل جزءً  كبيرًا من المسؤولية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]