من كان يظّن أن أهالي "عورتا" يقلقهم الاعتقال والمداهمات الليلية التي يقوم بها الجنود لبيوتهّن، فهو مخطئ تمامًا... فعلى الرغم من اعتقال الجيش الإسرائيلي لأكثر من 100 امرأة من نساء البلدة، بصورة استفزازية جدًا ، وبذريعة التحقيق في ملابسات مقتل 5 أفراد من مستوطنة "ايتمار" القريبة ذبحًا قبل حوالي الشهر، إلا أن هذا الموضوع لم يعد يقلق نساء القرية ولا شبانها. فالنساء، على وجه التحديد، على قناعة تامة أنهن جزءٌ من النضال وأنهن يتحمّلن أعباء الاحتلال السياسية والاجتماعية والاقتصادية كما يتحملها الرجل الفلسطيني... لكن بالمقابل هنالك فعلا ما يقلقهم في "عورتا"...
موقع "بكرا" زار بلدة عورتا التي تحوّلت خلال الأيام الـ 28 الأخيرة إلى سجن ومعتقل كبير لجميع أبنائها، واستمعت مراسلتنا لقصة الاعتقال على لسان حال أهل البلدة وما يقلقهم من مصادرة أراض لهم أو توقيع على اعترافات بالقتل...!
الحاجة فردوس ...كتبوا على يدي رقم 16 ولفوا ورقة تحمل نفس الرقم على كتفي
تقول الحاجة فردوس عواد، التي تبلغ من العمر 65 عامًا وأم لخمسة أبناء، تم اعتقالهم أيضا للتحقيق، عّما جرى ليلة اعتقالها: "في الساعة الحادية عشرة والنصف مساءً تقريبًا، دق الجنود باب بيتنا. عرفنا أنهم جنود لأن الساعة كانت متأخرة، وعندما فتح ابني الباب قاموا بسؤاله عني، الأمر الذي أثار حفيظته، وحاول منعهم من الدخول".
وتضيف الحاجة فردوس: "حتى لا يتطور الأمر أكثر، سألتهم عن السبب، فقالوا إني معتقلة للتحقيق! ولما سألهم ابني عن السبب، قالوا له: سنخبر والدتك"!
وتابعت الحاجة فردوس حديثها قائلة: "حاول ابني أن يشرح لهم أني مريضة ولا أستطيع الحركة والمشي حتى حاجز حوارة، حيث النقطة العسكرية، وبعد عدة نقاشات، قاموا بإحضار جيب عسكري أخذني من منزلي إلى الحاجز ولحق بي أبنائي مشيًا على الإقدام.
هنالك قام الجنود بتركي في البرد لمدة تزيد عن خمس ساعات، وكان البرد قارسًا جدًا، وقد أشاروا إليّ بالرقم (16) الذي قاموا بكتابته على يدي وعلى ورقة أخرى لفوها على كتفي".
وتضيف الحاجة فردوس: "بعد 5 ساعات تقريبًا، دخلت إلى التحقيق، وقاموا بسؤالي عما إذا كنت أعرف شيئًا عن (عملية ايتمار)! وأين كنت يوم وقوع العملية... فأجبت أني لا أخرج من المنزل واحتكاكي بالناس قليل موضحة أنني أعاني من عدة أمراض، مما يجعلني نائمة طوال الوقت في المنزل".
وتابعت: "بعد ذلك سألوني إذا ما سمعت أمرا عن العملية في (عورتا)، فأجبت بالنفي. وبعد عدة أسئلة لم أعد اذكرها لخوفي، قاموا بجعلي أوقع (بصمًا) على مستندات لم يوضحوا لي ما كتب فيها، ومن ثم تم تصويري عدة صور، وبعد ذلك قاموا بأخذ عينة من لعابي، الأمر الذي لم افهم معناه، لكن أولادي أوضحوا لي أن هذا معناه DNA".
وأكملت الحاجة فردوس: "بعد التحقيقات، وفي ساعات الصباح، قاموا بإيصالي إلى مدخل القرية وأمروني أن (إمشِ إلى بيتك)".
وعن مضمون المستندات التي قامت بتوقيعها، قالت الحاجة فردوس: "لا أدري، أخاف أن يكون اعتراف بالقتل أو تنازل عن أراضٍ. بالنسبة للاعتقال والتحقيق لا أهتم فعلا للموضوع، لكن أتمنى لو أعرف على ماذا وقعّت. لقد فهمت من رئيس المجلس أن الجنود قاموا بمصادرة 14 دونمًا من أراضي القرية، وربما كانت العملية بالأساس للسيطرة على الأراضي".
قاسم عواد ...قالوا لي وقع على أنك قمت بالمشاركة بالعملية!
بدوره قال قاسم عواد، (وهو أب لخمسة أطفال)، عن اعتقاله: "لقد وصلوا إلى منزلنا في ساعات متأخرة من الليل، وقاموا باعتقالي مع حوالي 50 شابًا من القرية. قيدونا ووضعونا في شاحنة خاصة".
وأكمل: "كان الاعتقال قريبًا من النقطة العسكرية على حاجز حوارة، وقاموا بإدخالنا فردًا فردًا للتحقيق".
وعن الأسئلة التي وجهوها له قال عواد: "لقد سألوني إذا ما قمت بالمشاركة بـ عملية (إيتمار)، وأين كنت مساء الجريمة وكيف سمعت عنها، وهل أعرف أي معلومات عن الموضوع"!!
وأضاف عواد: "بعد ذلك قاموا بتصويري ثم قاموا بأخذ عينة من لعابي وطلبوا مني التوقيع على مستندات".
وردًا على سؤالنا عن مضمون الأوراق التي قام بالتوقيع عليها، قال عواد: "عندما سألتهم حول مضمون الأوراق التي وقعت عليها، قالوا لي إنه اعتراف منك بالمشاركة بالقتل في (ايتمار). ولا أعرف إذا ما كان هذا مزاحًا أم بصورة جادة".
ويضيف: "أي نعم أقول في داخلي أحيانا أن التحقيق مر، مع أن الضابط أكد لي أنه سيعاود اعتقالي، لكن بت أخاف فعلا أنني وقعت ورقة اعتراف دون أن أعي ذلك".
الطفل محمد...بت أخاف أن افتح الباب في ساعات الليل المتأخرة
يُشار إلى أن عمليات الاعتقال تأتي في ساعات الليل المتأخرة، الأمر الذي يشير إلى النية ببث الرعب والفزع بين الأهالي، ولا سيما الأطفال منهم. عن هذا، يقول الطفل محمد، ابن قاسم عواد، والبالغ من العمر 10 سنوات: "وصل الجنود إلى بيتنا في ساعة متأخرة، وكانوا قد نادوا باسم أبي وعمي وطلبوا منهما الخروج حالا"...
وأضاف محمد: "وقتها كنت أشاهد مباراة كرة قدم، وقد أفزعني حضورهم وأفزعني أكثر أننا سنضطر إلى النوم في المنزل بدون أبي أو عمي. خفت أن يصل المستوطنون إلينا، وإن ما قام به الجيش هو إبعاد والدي وعمي عنا حتى يفسحوا لهم المجال".
وأنهى محمد حديثه قائلا: "بتّ أخاف طرق باب المنزل في ساعات الليل المتأخرة...واترقب الاعتقال القادم"..
حتى الآن لم يصل البلدة أي مسؤول من القيادة الفلسطينية...
يُشار إلى أنه وخلال وجودنا في القرية، لمسنا عدم الإحساس بالأمان بين السكان. عن هذا الموضوع، قال لنا أحد المواطنين الذي فضّل عدم ذكر اسمه: "سكان قرية (عورتا) لا يخافون التحقيق أو مهاجمة قطعان المستوطنين للبلدة. فهذا أمر اعتدنا عليه. ما يخيفنا حقًا هو التطورات فيما بعد الاعتقال، كمصادرة أراض وحصار للقرية".
وقال: "من المزعج حقًا قول هذا، لكن أهالي البلدة يشعرون بعدم الأمان لغياب القيادة الفلسطينية، والتي لا تهتم بأمرنا على ما يبدو، وقصرّت بحقنا بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ".
وعند سؤالنا عن معنى ذلك قال: "من الصعب التصوّر أن أي مسؤول فلسطيني لم يقم بزيارتنا حتى اليوم! بعد 28 يومًا من الانتهاكات المستمرة ومن التضييق والاعتقالات. لقد وصل إلى البلدة وزير شؤون الاستيطان، لكن أين الرئيس؟!، أين رئيس الحكومة؟!، أين القيادات؟!. في اليوم الأول للعملية وصل (نتنياهو) إلى (ايتمار) ووصلت القيادة كلها ووعد نتنياهو باستكمال الاستيطان!. لكن نحن لا زلنا ننتظر زيارة القيادة"...!
وأوضح: "من المهم الإشارة إلى انه، ومع غياب القيادات الفلسطينية، إلا أن أهالي نابلس ومحافظها قاموا بالمساعدة سواءً بزيارات الدعم المعنوية أو الإمدادات الغذائية وقت الحصار، وهذا يعود إلى التكاتف الشعبي في نابلس لمساعدة ونصرة أهالي (عورتا)".
قيس عواد...بعد العملية صودر 15 دونما من أراضي القرية ووضعت فيها "كرافانات" جديدة!
وفي حديث مع رئيس المجلس القروي قيس عواد قال: "منذ أكثر من 28 يوميًا والحملات العسكرية والاعتقالات على أهالي القرية مستمرة. البلدة تعاني حتى اليوم من حظر تجوّل في ساعات معينة من النهار، ناهيك على إغلاق المداخل الأربعة للقرية لعدة أيام".
وأضاف: "حملات التفتيش والاعتقال والتمشيط تتم بشكل يومي في ساعات الصباح أو ساعات المساء. وحتى اليوم لا زال 55 شابًا من البلدة يقبعون بالسجن بذريعة التحقيق"!!!
وقال عواد: "يقوم الجنود بانتهاك حرمة بيوتنا وتفتيشها مع الكلاب كل يوم، وكذلك يذهبون إلى الأراضي الزراعية الأمر الذي يستدعي بعد ذلك إتلاف المواد التموينية لنجاستها من الكلب. وأكثر من هذا، فقد قاموا هذا الأسبوع باعتقال أكثر من 100 امرأة تتراوح أعمارهّن بين 20 و 80 عامًا بذريعة التحقيق، لكن الأمر واضح لنا، وهو استفزاز لشباب البلدة لدفعهم للمقاومة، وبالتالي تلفيق التهم لهم".
وأضاف: "نحن على يقين بأن قاتل العائلة من (ايتمار) ليس فلسطينيًا ولا من (عورتا)، فنحن نرفض قتل الأطفال، ونعتقد أن ما يقوم به الجيش هو ذريعة للسيطرة على أراضي القرية. فبعد العملية تمت السيطرة على 15 دونما من الأراضي التابعة للسكان وهي منطقة وسط، سيقوم الجيش بالسيطرة على ما تبقى منها للحفاظ على تواصل جغرافي مع (ايتمار)".
ويضيف عواد: "بعد السيطرة على الأرض تم بناء بيتين (كرافانات) ورفع العلم الإسرائيلي على المساحة المصادرة. بالتالي فإن مستوطنة (ايتمار) تقع على 12 ألف دونم تعود لأهالي (عورتا) وحاجز حواره أيضا يقع على أراضي أهالي القرية، مما يشير إلى سيطرة تامة على العمق الإستراتيجي للبلدة".
وعمّا إذا كانت هنالك مساعدة من القيادة الفلسطينية قال عواد: "أشكر فعلا راديو (صوت النجاح) الذي ساعد بإيصال صوتنا للمسؤولين. فقد زارنا حتى اليوم وزير شؤون الاستيطان، ونتوقع غدًا زيارة رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض. ونشكر بلدية نابلس ومحافظها والحراك الشعبي فيها لمساعدتهم لنا على تخطي هذه المحنة".
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
عباس و دحلان و فياض مش فاضين للقريه فاضين للبزنز عقد صفقات سلاح للقذافي
دايما بتبدعي....
تقرير ممتاز