عندما كُنتُ أمضي إلى عملي صباحًا، كُنت أمُرُ بإحدى البلدات العربية القريبة من الناصرة، وتفاديًا لأزمة السير في شارع البلدة الرئيسي، كُنت أسلكُ طريقًا "مُختصرًا" يمُر من أحد الأحياء المُترهلة المنظر.. كان يلفت انتباهي هُناك، لوحٌ من التنك التالف مكتوب عليه بخط اليَد: "هُنا نقوم بالذبح..والمعط.. والتقطيع"..! والحقيقة أن الامر كان يفزعني (على الصُبح) ويُثير حيرتي.. حتى ذهبت مرة إلى العمل متأخرًا وكان "الحاصل" الموضوعة عليه لوحة الصفيح مفتوحًا وإذا به محل لبيع الدجاج، ففهمت ما كان يقصده، ومنه أن الدجاج لديه طازجًا!!.. ولكنه اختار أن يُعبر عن ذلك بالعبارات "ذبح، معط، وتقطيع"... لم يكُن ينقص لوح الصفيح البشع هذا سوى أن يُكتب عليه: "شتائم.. بهادِل.. اغتصاب.." (مثلا..!)

وإلى موضوعنا الشبيه جدًا..
هُنالك صحفيون عرب يعملون في مجال الرياضة، ولكن ما يثير استغرابي هو أن هؤلاء يختارون عناوين غريبة للتعليق على مباريات كرة القدم، تلك اللعبة اللطيفة، الجميلة، الراقية والنبيلة، والتي تثير استمتاع العالم بأسره.

يختارون لها عناوين، بالكاد تصلح لأن تُستعمل في أشد الحروب ضراوة وشراسة.. أو لوصف أكثر الشجارات عُنفًا ودموية.. فتراهم يكتبون مثلا: "اتحاد أبناء سخنين يتبهدل أمام هبوعيل تل أبيب بعد أن هُزت شباكه ثلاث مرات.."! أو "مكابي أم الفحم يَسحق اتحاد طمرة على أرضه بثلاثية نظيفة"..! أو "الأخوة عرابة يطحن أخاء الناصرة"..! وحتى "هبوعيل كفركنا يدق المسمار الخامس في نعش ماكبي كفركنا"!...وقس على هذا

غريبة هي هذه النفسيات.. وخطيرة أيضا..! ولا استطيع أن أتصوّر ما كان سيكتبه هؤلاء الصحفيين لو اوكلت لهم مهمة تغطية حرب أهلية مثلا.. فإن كانوا يتعاملون مع الأشياء التي من المفروض أن تتسم بالروح الرياضية والتسامُح والودّية بهذه الصورة ويختارون لها هذه المصطلحات، كيف سيكون الحال عندما يُغطون أمورًا بشعة حقًا..!
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]