يجلس الثمانيني صبري غريب 'أبو سمير' في ساحة منزله الواقع في قرية بيت إجزا شمال غرب القدس المحتلة، يتحدث عن المعاناة التي يعيشها بعد أن امتدت مستوطنة 'جيفعون حداشا' على أرضه الزراعية والتهمتها، لكن صموده داخل منزله مع عائلته حال دون مصادرة المزيد من الأراضي.
يعود 'أبو سمير' بذكرياته إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما حضرت مجموعة من المستوطنين الإسرائيليين ومعهم منازل متنقلة، ووضعوها في أرضه الزراعية، وسلموه قرارًا يطالبه بهدم منزله الذي بني قبل احتلال الضفة في العام 1967 بحجة بنائه دون ترخيص، لتبدأ معاناة عائلة غريب منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم.
منذ ذلك الحين ومعاناة عائلة غريب متواصلة كما يقول 'أبو سمير'، خصوصًا أنه يتوجب على العائلة وعلى مدار 40 عاما الماضية التواجد بشكل متواصل داخل المنزل، خشية من إقدام المستوطنين على دخوله والاستيلاء عليه بالقوة، ويتوجب عليه أيضا التصدي لاستفزازات المستوطنين المتواصلة بالاعتداء على المنزل وتكسير زجاجه بشكل متواصل، بل والاعتداء على الأطفال تحت حجج واهية أقلها تعرضهم للرشق بالحجارة.
ويشير 'أبو سمير' بيده إلى بوابة حديدية صفراء اللون وضعها جنود الاحتلال لإغلاق منزله ترتفع خمسة أمتار يجري فتحها وإغلاقها من قبل ضابط المنطقة في جيش الاحتلال، وأن على العائلة الاتصال به في حال رغبتها بالدخول أو الخروج من المنزل، وهذا يعني الانتظار لساعات قبل أن تفتح لهم، إلا أن تمكنت العائلة من استصدار أمر من المحكمة العليا الإسرائيلية بإبقاء الباب مفتوحًا على مدار الساعة.
وأنشئت مستوطنة 'جيفعون حداشا' في سبعينيات القرن الماضي، وهي متصلة بالقدس من خلال طريق مختصر، كما تتدنى كلفة المعيشة فيها وتنخفض أسعار مساكنها.
وتعيش في المستوطنة 300 عائلة إسرائيلية في منازل بيضاء يغطيها قرميد أحمر، جيدة التنظيم ويفصلها عن الأراضي التابعة للسلطة الفلسطينية جدار يؤكد الفلسطينيون أنه 'جدار للفصل العنصري'.
معركة دائمة من أجل البقاء
تتعدد أشكال المعاناة في معركة الكهل 'أبو سمير'، فقد تعرض لإطلاق النار والضرب على أيدي جنود الاحتلال والمستوطنين، لكنه قاوم الاعتداءات وأضحى نموذجا يحتذى به في مسيرة المقاومة، مقاومة شعبنا للجدار والاستيطان.
بعد مصادرة الأرض، خاض 'أبو سمير' معركة البقاء بمنزله وبالتوازي مع معركة أخرى في أروقة القضاء الإسرائيلي أثمرت في النهاية عن السماح بوجوده لكن بشروط، وتحول المنزل إلى قفص تحيط به الأسلاك الكهربائية والشائكة والجدران الإسمنتية، وأغلق المدخل الوحيد الذي يربطه بالقرية ببوابة حديدية وزرع فيها كاميرات المراقبة.
لا يطيق 'أبو سمير' مشاهدة جيرانه المحتلين أو الحديث معهم، ويشير إلى أن إجراءات الاحتلال واستفزازاته فشلت في ترحيله، فقد ساومه الاحتلال بالمال، وفاوضه يهودي من أصل عراقي يتقن العربية على بيع المنزل مقابل عشرة ملايين دولار ثم مقابل ما يطلبه من مال فرفض.
وكانت الإجابة عن المساومات دائما جاهزة 'لو عرضت إسرائيل كل مالها في الداخل والخارج مقابل التنازل عن ذرة من التراب فلن أقبل.. هذه الأرض ليست ملكي وإنما ملك الله وأرض الإسراء والمعراج وأرض المحشر والمنشر'.
ويعرب أبو سمير عن سعادته بإبقاء الباب مفتوحا للدخول إلى منزله المحاصر بالجدار الحديدي من جميع الاتجاهات، لكنه في ذات الوقت يخشى من الاستفزازات المتكررة التي يتعرض لها وأبناءه من قبل جيرانهم المستوطنين القادمين من المغرب للسكن في أرضه التي منع من زيارتها، ويقول:' يمكن أن يقدم جيش الاحتلال جراء هذه الاستفزازات المتواصلة على إغلاق الباب مجددا والعودة للاتصال بجيش الاحتلال في مستوطنة بيت إيل من أجل فتح باب المنزل لهم'.
معركة قضائية
ورغم قناعة 'أبو سمير' بأن القضاء في إسرائيل وُجد لخدمة الاحتلال، فإنهم يحرصون على استغلال أي منفذ يعيد لهم ولو شيئا من حقوقهم، ومن هنا خاض صبري معركة قضائية طويلة مع الاحتلال.
فبعد أن صودرت عشرات الدونمات من أرضه، توجه الحاج صبري للقضاء عله يسمح بفتح البوابة الحديدية، وبالفعل أثمر الجهد عن قرار بفتح البوابة وإزالة الجنود عنها، لكن جيش الاحتلال أصبح يتحكم فيها عن بعد ويغلقها ويفتحها متى شاء.
على مدى سنين، لم توقف الإعاقة المرضية والإصابة بالجلطة بإحدى القدمين، الحاج صبري عن الاستمرار في الصمود وتحدي إجراءات الاحتلال، وغاية أمله أن يحافظ أحفاده وأبناء شعبه على 'التراب الفلسطيني المقدس دون تفريط ولو بأغلى الأثمان'.
ويختتم 'أبو سمير'، حديثه بالقول إنه 'رغم كل المضايقات التي نتعرض لها بشكل يومي، ورغم كاميرات المراقبة التي تحيط بالمنزل من كل جانب وتراقب حركتنا على مدار الساعة، إلا أننا سنبقى صامدين فوق أرضنا وسنحافظ على منزلنا في وجه أطماع المستوطنين الذين استولوا على 110 دونمات من الأراضي التي أملكها، لن نسمح لهم بأن يحققوا أحلامهم بالاستيلاء على المنزل الذي بات يشكل شوكة في حلق مستوطنة تمتد كل يوم'.
[email protected]
أضف تعليق