تأتي ذكرى يوم المرأة العالمي في الثامن من آذار من كل عام مناسبة للاحتفاء بنضال المرأة لتحقيق المساواة والعدل، واعترافا وتقديرا لجهود النساء في تحقيق التقدم الإنساني بمختلف أبعاده الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

هذا إلى جانب أن هذه المناسبة تشكل فرصة لمراجعة أوضاع المرأة ومستويات تقدمها في المجتمع، وفي هذه التقرير المختصر سيتم مراجعة ما تم انجازه في الأردن في طريق إدماج المرأة في سوق العمل والوقوف على أبرز المعوقات التي تواجهها.

وبمراجعة سريعة لعدد من المؤشرات الأساسية، نلحظ أنه وعلى الرغم من الخطط الإستراتيجية والسياسات التي تم تصميمها وتطبيقها خلال العقود الماضية، والتي كانت تستهدف تطوير دور المرأة اقتصاديا واجتماعيا، فإن واقع مشاركة المرأة الاقتصادية ومساهمتها في سوق العمل ما زال دون الطموح.

فالأرقام الرسمية تشير أن معدل المشاركة الاقتصادية المنقح للمرأة الأردنية في نهاية عام 2010 ( قوة العمل للإناث منسوبة إلى عدد السكان من الإناث 15 سنة فأكثر) ما زال منخفضاً جداً ويبلغ حوالي 14.3 بالمائة مقارنة مع حوالي 63.2 بالمائة عند الذكور، وشكلت نسبة مشاركة المرأة هذه تراجعا عن ما كانت عليه في نهاية عام 2009. وإذا ما قورنت هذه المؤشرات مع واقع حال الدول العربية ودول العالم الثالث الذي تقارب فيها نسبة مشاركة المرأة 20 بالمائة وفي الدول المتقدمة تقارب 50 بالمائة، فان الانجاز متواضع جدا ودون الطموح.

من جانب آخر فإن الأرقام الصادرة عن المؤسسة العامة للضمان الاجتماعي للعام 2009 تشير إلى أن نسبة النساء المشتركات في المؤسسة تبلغ حوالي 25.4 بالمائة من مجمل المشتركين في المؤسسة. وفي ذات الوقت بينت دراسة مسح فرص العمل التي استحدثها الاقتصاد الأردني في النصف الأول من عام 2010 أن 25 بالمائة من فرص العمل التي استحدثها الاقتصاد الأردني كانت للنساء إذ بلغت 7 آلاف وظيفة مقابل 19 الف وظيفة ذهبت إلى الرجال.

وما زالت مـعدلات البطالة عند النساء الأردنيات أعلى منها عند الرجال، إذ بلغت 20.1 بالمائة مقابل 10.0 بالمائة عند الرجال في نهاية عام 2010.

وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار أن نسبة الإناث العاملات في القطاع العام (الحكومي) تقارب ثلث العاملين في هذا القطاع، وتشكل نصف القوى العاملة النسائية. فإن نسبة تشغيل النساء في القطاع الخاص تبدو متواضعة للغاية. وهذا وتتركز النساء العاملات في قطاعات التعليم بنسبة 55 بالمائة ، والصحة والعمل الاجتماعي بنسبة 49 بالمائة من العاملين في القطاعات، أما القطاعات الاقتصادية التي ما زالت فيها نسبة تشغيل النساء متواضعة جدا فتتمثل في السياحة والتعدين بنسب 7 و 5 بالمائة على التوالي.

كذلك تواجه المرأة العاملة تمييزا سلبيا فيما يتعلق بمستوى الأجور مقارنة مع الرجل، فقد بلغت الفجوة بين الجنسين لصالح الذكور ما مقداره 46 دينارا شهريا، (متوسط أجور الرجال العاملين في الأردن بلغ 390 دينار شهرياً، بينما متوسط أجور النساء العاملات بلغ 344 ديناراً شهريا). وفي الوقت الذي يزيد فيه متوسط أجور النساء العاملات في القطاع العام عن متوسط أجور الذكور بفارق 19 دينارا، (متوسط أجور النساء في القطاع العام 337 دينارا مقابل 319 دينارا للذكور) فإن الفجوة في القطاع الخاص مرتفعة جدا لصالح الذكور، إذ بلغت 87 ديناراً. (متوسط أجور النساء في القطاع الخاص 335 دينارا مقابل 442 دينارا للذكور).

وإذا ما عملنا أن النساء في الأردن يشكلن ما نسبته 51 بالمائة من طلبة البكالوريوس في مختلف الجامعات حسب أرقام 2010، فإن ضعف دور المرأة في الحياة الاقتصادية الأردنية يعد أحد المشكلات الأساسية التي يواجهها الاقتصاد الوطني، فهي من جانب تحرم طاقات إنتاجية كبيرة من المساهمة في بناء وتطوير الاقتصاد الوطني، ومن جانب آخر تزيد من نسبة الإعالة في المجتمع الأردني، حيث يعيل كل مواطن أربعة آخرين، وهذه النسبة تعد من أعلى النسب في العالم.

هنالك جملة من العوامل تساهم في تخفيض معدلات مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية، منها أن المرأة تواجه تحديات غير متكافئة مقارنة مع الرجال في سوق العمل، الأمر الذي يؤثر سلباً على دخولهن إلى سوق العمل، بالإضافة إلى عدم توفر بيئة عمل لائقة وخاصة في غالبية مؤسسات القطاع الخاص المتوسطة والصغيرة، ولا تأخذ فرصا متساوية في تقلد المناصب العليا والترقية وفي الحصول على فرص التدريب داخل وخارج الأردن، إلى جانب تعرض جانب غير قليل منهن لانتهاكات وتجاوزات تساهم في إحجام المرأة على الالتحاق بسوق العمل.

ومن الجدير بالذكر أن معدلات المشاركة الاقتصادية للمرأة في الأردن تتأثر بالحالة الاجتماعية وعدد وأعمار الأطفال لديها ومدى توفر الخدمات المتعلقة بالمرأة العاملة، وبالذات دور الحضانة، كما أن حجم قوة العمل النسائية يتأثر إلى حد كبير بعمر المرأة وزواجها، وإن الانسحاب من سوق العمل بالنسبة للمرأة يزداد طردياً مع ازدياد عدد العاملات المتزوجات، ومع ازدياد الإنجاب للمرأة العاملة. هذا إلى جانب ارتفاع كلفة تشغيلها خاصة بعد زواجها، التي يتحمل صاحب العمل لوحدة كلفة إجازات الأمومة والرضاعة، وكونه صاحب القرار بالتوظيف، فإنه يحجم عن توظيفها.

ومن المتوقع في هذا الشأن أن تساهم التعديلات التي تم إجرائها مؤخرا على قانون الضمان الاجتماعي والمتعلق بإنشاء صندوق لتمويل تكاليف إجازة الأمومة والمزمع تطبيقه هذا العام 2011، في المساعدة في تشجيع أصحاب العمل على توظيف النساء. كذلك يشكل العامل الثقافي والاجتماعي السائد في مجتمعنا في دفع وتشجيع المرأة في البقاء في المنزل لرعاية الأسرة وعدم التحاقها في سوق العمل.

وفي جانب مشاركة النساء في العمل النقابي سواء كانت في النقابات العمالية أم المهنية، فإن مشاركتهن في الهيئات العامة بلغت نسبتها 13 بالمائة و 33 بالمائة على التوالي، أما فيما يتعلق بدورها في الهيئات الإدارية فهي متواضعة من حيث النسبة والدور ففي النقابات العمالية تبلغ 13 بالمائة وتتركز بعدد محدود من النقابات العمالية، وغالبية النقابات العمالية لا يوجد فيها قياديات عماليات، ولا يوجد نقابات عمالية ترأسها سيدات.

وفيما يخص النقابات المهنية فإن دورها ومشاركتها في مجالس الإدارة متواضع جدا، وباستثناء نقابة الممرضين والممرضات، لا يوجد دور يذكر للنساء في مجالس إدارة هذه النقابات.

وفي الختام، بات مطلوباً العمل على تحسين شروط العمل في الأردن بشكل عام وخاصة للنساء، وتكثيف الحملات التي من شأنها تشجيع السيدات للالتحاق بسوق العمل، وتشجيع أصحاب العمل على توظيف النساء، بالإضافة إلى عمل مراجعة دورية لمختلف الاستراتيجيات والبرامج الهادفة إلى تعزيز دور المرأة في الحياة الاقتصادية وسوق العمل سواء تلك الصادرة عن المؤسسات الحكومية ذات العلاقة أو عن مؤسسات المجتمع المدني، ليس بهدف تقنين حقوق المرأة وحمايتها فحسب، بل لضمان تنفيذ هذه الحقوق.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]