ثلاثة أشهر بالضبط مرّت منذ اندلاع الحريق العملاق في الكرمل البهيّ، ثلاثة أشهر مرّت وكأن الحدث وقع بالأمس، حيث تغيّرت ملامح هذه الجبال الجميلة الزاهية، التي تعتبر الرئة الخضراء لقضاء حيفا. بين ليلة وضحاها، تحوّلت من الأخضر اليافع إلى سواد الرماد...
ثلاثة أشهر مرّت، وها هو كرملنا البهي ينتشي، ويقوم من تحت الرماد، ليكتسي بحلّة خضراء بهية جديدة، مزيّنة ببعض الأحمر والزهري والبنفسجي.... نعم، هذه هي الحقيقة، اللون الأخضر يعود إلى الكرمل، ولكن، هذا لا يعني أننا لن نحتاج إلى عشرين عاما من الانتظار قبل أن يعود الكرمل أخضر بالكامل.
في كل مكان تمشي به في أنحاء جبال الكرمل ستجد بعض الأقمشة الخضراء المربوطة حول جذوع الأشجار المسودّة الحزينة، تلك التي لاقت حتفها في حريق الكرمل، الذي التهم أكثر من 20 ألف دونم من الخضار الجميل. هذه الأقمشة، قام بربطها بعض السكان الذين أتوا إلى الكرمل متضامنين معبريّن بذلك على استمرار بقاء الكرمل أخضرا، وان لم يكن خضاره طبيعيا..
بين منطقة وأخرى قد تشهد منظر شجرة صنوبر جاء البعض لزرعها، في محاولة منه لتسريع عملية تجددّ الكرمل، ولكن الأمل الأكبر يبقى في قدرة الطبيعة على التجدد بقواها الذاتية!!!!
بعد الحريق، تجددّ ونمو...
من جهته، يحدثـّها سلمان أبو ركن، من سلطة الطبيعية والحدائق عن تجدد الكرمل وإعادة تأهيله قائلا: "اليوم نحن في 2/3/2011، ونحن تماما ثلاثة أشهر بعد الحريق، الذي اندلع في الثاني من كانون ثاني الأخير. دون أدنى شك أن للطبيعة قدرة على الانتعاش والتجدد، وقد شاهدنا بوادر التجدد الأولى حتى بعد ثلاثة أسابيع من الحريق. أول ما ينتعش من الأرض هو المتسلقات، فبدأنا نشاهد هذه النباتات وهي تنمو وتخرج من الأرض المحروقة، حتى وصل بعضها لعلو متر ونصف. وهناك النباتات من عائلة البصليات (باللغة العلمية تستخدم كلمة الزنبقيات)، كعصا الراعي وشقائق النعمان وغيرها، كانت "بصلتها" عميقة في الأرض ومر الحريق من فوقها دون أن يصيبها، تجددت ونرى اليوم ورقها وحتى زهورها. ولكن كما ترى هناك بعضها الذي احترق ولا يمكنه التجدد، وهناك مئات آلاف النباتات التي لن تتجدد لأنها احترقت كليا".
ويضيف: "شجرة الصنوبر لا تتجدد إلا من البذور، فالصنوبر جذوره أفقية ولذلك شجرة الصنوبر لا بد أن تقع في نهاية الأمر، والصنوبر بعد احتراقه لا يمكن أن يتجدد إلا عن طريق البذور. وكان لدينا هنا أشجار صنوبر عمرها يزيد عن الثمانين عاما، وهي من أقدم أشجار الصنوبر في بلادنا، وقد احترقت ولن تتجدد، فعلينا أن ننتظر ثمانون عاما ليعود الصنوبر كما كان، لا توجد طريقة لاختصار الطريق. بينما هناك أشجار عريضة الأوراق، لديها طريقة أخرى للتجدد، فهي تنتعش وتتجدد من الجذور. ونحن بدأنا نرى نبتات صنوبر جديدة، ولكن الأمر يحتاج لوقت، في حال لم يدوسها إنسان أو لم يأكلها حيوان"...
في نهاية الربيع سيكتسي الكرمل بالأخضر
وفي رده على سؤالنا حول الموعد الذي سنرى به الكرمل يعود ليكتسي بحلته الخضراء التي اعتدنا عليها، يقول أبو ركن: "في نهاية هذا الموسم، أي في نهاية الربيع، سنرى وجه الأرض في كل المناطق التي احترقت يكتسي باللون الأخضر، ولكن هذه الأشجار السوداء ستبقى كذلك لسنين طويلة. فلكل نبتة وشجرة طريقتها الخاصة في التجدد"...
ويضيف: "إحدى المتسلقات، وهي من الأوائل التي تتجدد بعد الحريق، نسميها الجريّح أو الشربيط، وهذه نبتة متسلقة تتسلق على جذوع الأشجار لتصل للضوء. هذه النبتة قد تصل لعلو متر أو مترين ولكن بما أنه لا يوجد ما تتسلق عليه من حولها الآن، لا بد أن تبقى على الأرض، لحين تجد ما تتسلق عليه. بعد سنتين أو ثلاثة ستتسلق على باقي الأشجار والنباتات التي ستنبت من حولها. بينما الهليون وصل لطول متر أو متر ونصف المتر، وهناك بعض الأماكن التي وصل فيها لطول أكبر، خلال ثلاثة أشهر وصل لطول متر تقريبا. عصا الراعي كما نرى بدأ هو الآخر بالإزهار، فلدى هذه النبتة القدرة على أن تنمو وتنبت من جديد عن طريق البصلة التي فيها، وتنبت في أغلب الأماكن. هذا العام وفي نهاية الربيع سنرى أن كل الكرمل صار اخضرا، ولكن ليكون أخضرا مع شجر طويل، سيتطلب الأمر وقتا أطول بكثير"!!!
الكرمل سيتجدد دون مساعدة بشرية
ويضيف حول محاولات بعض السكان تقديم المساعدة في إعادة تأهيل الكرمل: "هناك قرار بأن نمنح الكرمل الإمكانية لأن يتجدد لوحده دون مساعدة من البشر. وأفضل مساعدة بإمكاننا أن نقدمها للكرمل هي عدم "مساعدته" وعدم مضايقته في عملية التجدد... على سبيل المثال، يجب أن نمنع الرعي في المواقع التي تتجدد، فالرعي ودخول البشر لهذه المنطقة يمس بنمو النباتات في المنقطة الآخذة بالتجديد، حيث من الممكن أن ندوس هذه النباتات دون انتباه.
أكبر خسارة تكون في أعقاب عمليات الجرف جراء الأمطار، في أماكن يدخلها البشر، فحينها تبقى لدينا مواقع جرداء، لا فيها خضرة ولا نبات، لأنه تم جرف التربة، فكي ننجح في تكوين تربة بعمق بضع عشرات سنتيمترات قد يحتاج الأمر لمئات من السنين".
الكرمل رئة بلادنا الخضراء
ويتابع أبو ركن حديثه قائلا: "الكرمل لم يحترق كله، هناك حوالي 20 ألف دونم تغيّر لونها من الأخضر إلى الأسود، ولكن كما ترى، فإن الطبيعة قوية وهي قادرة على التجدد بنفسها وبقواها الذاتية، ويجب على الإنسان أن يكون متفائلا بهذا الأمر. مجرّد أن الناس يفكرون بالمساعدة بتجديد الكرمل، برأيي هذا انتماء ومواطنة صالحة حتى، وهناك من يعمل على تركيز هذا الموضوع، فعليهم التوجه إليهم ليسجّلوا أسماء جماعات من المتطوعين، وما عليكم إلا الاتصال على الرقم *3639 وإعلام المسؤولين برغبتهم وقدرتكم على المساعدة. هناك مدارس كثيرة من الوسط العربي توّجهت وأكدت على أنها معنية أن تأتي وتساعد في إنعاش الكرمل".
ويخلص أبو ركن إلى القول: "الحريق الأخير كان كارثة بسبب فقدان الأرواح، ولكن الكرمل يعرف الحرائق منذ ما قبل التاريخ، وعلينا أن نعرف كيف نتصرف مع الحريق. ومن الأبحاث الكثيرة نعلم أن أفضل طريقة لتجدد الطبيعة هي عدم التدخل ومنحها الفرصة لتتجدد بأسلوبها وبطريقتها وبوقتها، على أن يكون تدخلنا حكيما يعتمد على الدراسة والمعرفة، وإلا سنتسبب بالضرر، فكما يقال (بدل ما يكحلها عماها)".
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
حلو كتير