"انها جنة عدن على الأرض" بهذه الكلمات بدأ محمود أبو عبّاس (أبو أيّوب) الملقب بالعبّاسي، ابن حي وادي السيّاح، وصفه للمنطقة التي يسكنها، وادي السيّاح في حيفا.
وادي السيّاح، منطقة دائمة الخضار، الطبيعة تنبض بها، تعجّ بالحياة البريّة، فيها آثار لدير للرهبان الكرملييّن قديم منذ القرن السادس، وبستان الخيّاط، هذا البستان الفلسطيني التقليدي الذي بناه أحد أغنى أغنياء حيفا قبل النكبة، عزيز الخيّاط.
البستان، النبع، الدير، وبقية الوادي، جميعها مواقع يبغى كل حيفاويّ زيارتها، وتزورها أسبوعيا عشرات العائلات الحيفاوية، اليهودية بالأساس، تشرب من النبع، تستجم بالبستان التاريخي المهمل، تتجوّل في طبيعتها، وتستنشق هواءها الطلق....
ولكن ليس كل ما يلمع ذهبًا. ففي حين يتمتع بقية سكان حيفا، بالخدمات التي تقدمها البلدية كاملة، سكان ما يمكننا تسميته بحي "وادي السيّاح"، يعانون الأمريّن، ومحرومين من هذه الخدمات شتى.
البلدية اعترفت بنا كجزء من حيفا، منذ العام 1965
من جهته يقول محمود أبو عبّاس في حديث لموقع "بكرا": "انا من سكان حي وادي السيّاح الأصليين، من مواليد العام 1945. والدي وجدي وجميع أفراد عائلتي ولدوا هنا. من قبل الاحتلال الانجليزي حتى نحن نسكن هنا في وادي السيّاح. البلدية اعترفت بنا كجزء معترف به من حيفا، منذ العام 1965 وما قبل، أي كل ما بُني قبل العام 1965 هو مبنى معترف به وشرعي. ما بعد العام 1965 لا توجد رخص بناء أو أي شيء من هذا القبيل، ونُمنع من البناء أو نُضيف أي شيء على المباني القائمة".
300 مترًا لرمي النفايات
ويواصل ابو عباس: "نحن سكان حيفا الأصليين. ندفع ضريبة المسكن، المياه، الكهرباء وكل ما يطلب منا ندفعه. ولكن نطالب أيضا بتوفير الخدمات... فعلى سبيل المثال لكي ترمي زوجتي النفايات، عليها أن تمشي حوالي 200 – 300 مترًا إلى أسفل الدرب للوصول للشارع الرئيسي، لكي ترميها في حاوية النفايات. طالبنا على سبيل المثال أن تنقل الحاوية إلى مكان أقرب إلى منازلنا، وأن تدخل حافلة جمع النفايات إلى الموقع، وهذا ليس صعبا عليهم، فرفضوا".
بالخدمات، نحن ثلاثين سنة إلى الوراء إذا لم يكن أربعين عاما
وتابع ابو عباس حديثه قائلا: "طالبنا على الأقل أن يقوموا بترميم وتعبيد الشارع لنتمكن من وصول منازلنا بسياراتنا كما يجب... حيث يقع الحي بالقرب من الأحراش، وتتواجد في المكان العديد من الحيوانات البريّة كالخنازير البريّة والواويات... وفي حال مثلا شخص ما تعطلت سيارته، كيف سيتمكن من الوصول إلى منزله دون أن يرى الشارع ومكان مشيه؟ فلا توجد إضاءة ليلية في المكان بتاتًا.
وأضاف: "هنالك شارع واحد معبّد، قمنا نحن بتعبيده قبل العديد من السنوات على نفقتنا الخاصة وقد كلفنا مبالغ طائلة، ولكن لا يوجد من يهتم اليوم. ورغم أنه توجد أعمدة كهرباء تمد المنازل بالكهرباء، ولكن لا يوجد لدينا إضاءة ليلية. كل ما نطالبه هو على الأقل أن يضعوا عامود واحد لينير المنطقة. لا حاجة لأن يبقى مضيئا طوال الليل، ولكن على الأقل للساعة 10 – 11 ليلا... نحن ندفع الأرنونا مثلنا مثل الكرمل، نافيه دافيد، الكبابير وكرمليا القريبين منا، لا فرق بيننا وبينهم من حيث الدفع. ولكن بالخدمات، نحن ثلاثين سنة إلى الوراء إذا لم يكن أربعين عاما".
قبل 10 – 15 عاما وصلتنا الكهرباء
ويواصل حديثه عن الحي قائلا: "هذا المنزل ولدت فيه أنا وجميع اخوتي من قبل أكثر من ثمانين عاما، وقد بناه والدي وجدي في العام 1920، والمبنى الآخر في العام 1936. أي أننا من السكان القدماء جدًا. وبعد مطالبة طويلة، اعترفوا بنا كسكان المدينة في العام 1965 فقط. وفقط في عهد رئيس البلدية متسناع تم مدّ منازلنا بالكهرباء، أي أنه فقط قبل حوالي 10 – 15 عاما فحسب. والا لكنا ما زلنا نعيش هنا بدون كهرباء وبدون مياه ولا أي شيء".
القادمين للجنازات يحجبون المدخل الوحيد لمنازلنا بسياراتهم
موقع الحي القريب جدا من المقابر في كفار سمير، يشكل ضائقة للسكان. فعندما تصل على سبيل المثال جنازة الى المقبرة اليهودية القريبة، العديد من السيارات تقف على المدخل الوحيد للحي وتحجبه، وعمليا تمنع من ساكنيه من الوصول الى منازلهم بسياراتهم.
ويقول أبو عبّاس: "لا سمح الله ماذا سيحدث لو وقع حادث ما او مصاب ما لأحد أفراد العائلة؟ كيف يمكننا نقله إلى المستشفى، عندما يقومون بإغلاق المدخل الوحيد لمنازلنا بسياراتهم"؟
ويضيف: "لا نلومهم، فهم يرغبون بحضور جنازة المرحوم هذا أو ذاك، ولكن ما ذنبنا نحن؟ على الأقل عليهم تخصيص طريق لنا مع باب أو على الأقل تحديد موقف للسيارات، وان يمنعوا وقوف السيارات على مدخل بيوتنا".
ساعات المياه بعيدة عن منازلنا
أما حول قضية مد الحي بالمياه، يقول أنه فقط قبل بضعة أعوام عندما سيطرت شركة "مكوروت" على نبع المياه القريب في وادي السيّاح تم ربطهم بشبكة المياه البلدية، ويقول: "حتى ساعات المياه موجودة بعيدا عن منازلنا، وهناك احتمال أن يأتي شخص ويسرقنا دون علمنا. وكل ذلك فقط ليكون أسهل لموظف البلدية أن يأتي ويأخذ القراءة على الساعة ليرى كم استخدمنا من المياه. وطلبنا منهم أن ينقلوها الى مكان أقرب من منازلنا، ولكن لا حياة لمن تنادي... شيء آخر أنا أسكن وزوجتي وابنتي لوحدنا، كيف يعقل أن نستخدم 48 كوبا من المياه شهريا؟ هذا رقم خيالي غير معقول"!
الغبار يكسو منازلنا
المشاكل التي يعاني منها سكّان الحي لا تنتهي هنا، بل تتواصل، لتنتقل الى مجال الازعاج والمضايقات من قبل القادمين للاستجمام والاستمتاع بطبيعة وادي السيّاح، فيقول أبو عبّاس عن الموضوع: "هل تعرف كم شخصا يصل كل نهاية أسبوع للنبع الذي في الوادي فوق أو بستان الخياط القريب؟؟ هؤلاء وغالبيتهم من اليهود، الخواجات، يأتون بسياراتهم شتى ويغبّرون المكان، فبيتي يكتسي أسبوعيا بطلاء مميز من الغبار! ونقول لهم سوقوا ببطئ، على مهلكم، ولكن لا يوجد من يسمع مطالبنا.... طيب ماذا عن أولادنا؟ لدينا أولاد صغار وقد يلعبون في الشارع، ماذا عنهم؟ خذوا حذركم منهم على الأقل، وقبل بضع سنين وقع حاث بالقرب وأصيب أحد أولاد العائلة فيه... نحاول أن نتحدث الى زوّار الوادي والبستان، نقول لهم على مهلكم، خففوا من سرعتكم، فيقولون: هذا شارع!! ولكن أي شارع هذا؟ هذا الشارع معبد منذ عهد الانتداب البريطاني، وقمنا ببعض الترميمات له على نفقتنا الخاصة... لا يعقل أن تسير بسرعة فائقة في شارع من هذا النوع"!!!
المنطقة قريبة جدا من المقابر في كفر سمير. أبو عبّاس وعائلته يملكون بعض القسائم في المكان. قسيمة 21 و 18 و 3 و 2، بملكية عائلة ابو عبّاس ومسجلّة بالطابو كذلك. ولكن يمنع أفراد العائلة من التصرف في هذه الأراضي التي يملكونها، بيعها مثلا للمقابر او تأجيرها أو حتى البناء عليها، فقط لعدم وضوح الصورة بخصوصها في لجنة التنظيم والبناء المحلية واللوائية.
وينهي أبو عبّاس حديثه بالقول: "نريد ان نعرف لأي جهة نتوجه كي نحصل على هذه الخدمات.... فمثلنا مثل أي موقع آخر في المدينة، يحق لنا بالحصول على الخدمات، فهذا حقنا، وإذا استحققنا ذلك يجب أن نحصل عليه. نحن هنا وهم بنفسهم يعرفون أننا موجودون هنا منذ ما قبل قيام دولة إسرائيل"!
خارطة هيكليّة جديدة لوادي السُيّاح وبستان الخيّاط
من جهة أخرى أقرت أول أمس الأربعاء لجنة التخطيط والبناء الفرعيّة خارطة هيكليّة جديدة لكل منطقة وادي السيّاح وبستان الخيّاط تمنح فيها ترخيصا شاملا بأثر رجعي (רטרו-אקטיבי) لكل البنايات العربيّة التي كانت مبنيّة في زمن الإنتداب البريطاني (ومن بينهم منزل آل أبو عبّاس) والتي توسّعت وتطوّرت بشكل كبير بعد قيام الدولة. كما حولّت الخارطة الجديدة كل منطقة بستان الخيّاط الطبيعيّة الجميلة بجدولها المائي من منطقة مقابر بائسة إلى محميّة طبيعيّة ذات خصائص سياحيّة. لا بل في خضم النقاش الحادّ الذي دار في اللجنة أعطت اللجنة حقوق تشغيل مقاصف أو دكاكين للسكان العرب داخل المباني القائمة حاليّا (وليس في مبان جديدة)!
وقد صوّت مع القرار التاريخي كل من حيدفا ألموج رئيسة اللجنة, وهشام عبدُه رئيس كتلة الجبهة في بلديّة حيفا، ويارون حنان من قائمة الخضر، ووليد خميس من التجمّع، وعوديد دونيتس من قائمة كريات-حاييم، ورامي دوتان من قائمة حيفا لنا، وميخا ألبير من قائمة اليهود المتدينين. وعارض بشدّة وبشكل مستهجن هذا القرار نائب رئيس البلديّة من حزب الليكود رامي ليفي، الذي أعلن أنّه سيقدّم تحفظّه للمجلس البلدي على الخارطة الهيكليّة بحجّة أن مدينة حيفا تفتقر للمقابر لليهود!! وقد تصدّى لممثل الليكود بشدّة عضو البلديّة عبدُه الذي قال له أنّ حيفا مـَدينةً أولا للأحياء العرب فيها من أبناءها الذين بنوا بيوتهم في مكان جميل جدا في طبيعة غرب حيفا قبل قيام الدولة بفترة كبيرة! وتغيّبت عن التصوبت ممثّلة حزب يسراسيل بيتينو عضو البلدية يوليا شطرايم لسبب ما!
هذا وزار مباشرة بعد القرار وفد من الحزب الشيوعي والجبهة مؤلف من عضو البلديّة هشام عبده وحسام عابدي وعصام زين-الدين العائلات العربيّة في وادي السياح ليخبرونهم بالبشرى السارّة. وطلب المهندس هشام عبدُه من ممثلي العائلات العربّية التواجد بقوّة في جلسة بلديّة القريبة في الثامن من آذار, للتصدّي لتحفّظ نائب رئيس البلديّة من الليكود ليفي.
كما أثنى أعضاء البلدية على عمل ونشاط الائتلاف من أجل الحفاظ على بستان الخياط، والذي يضم عدد من الجمعيات والمؤسسات والحركات العربية واليهودية التي عملت على حماية البستان في السنتين الأخيرتين، ومن بينها جمعية التطوير الاجتماعي.
[email protected]
أضف تعليق