قد يتمنى كل عربي وفلسطيني المشاركة في المظاهرات الشعبية التي تشهدها مصر في الأيام الأخيرة،  فكل شخص يرغب بأن يكون شاهدا على حدث تاريخي بهذا الحجم، ولكن الحظ لا يحالف الجميع... راني عبّاسي – مدير عام والمحرر المسؤول لصحيفة "حيفا"، وصاحب مكتب الاعلانات "هالا"، ابن مدينة حيفا، كان وأصدقاءه من القلة المحظوظين من الفلسطينيين الذين شهدوا هذه الأحداث عن كثب....

فعبّاسي، الذي سافر الى مصر وأصدقاءه للمشاركة في الحدث السنوي العملاق، معرض الكتاب العربي الذي يقام سنويا في كانون ثاني- شباط في العاصمة المصرية القاهرة، لم يكن يتوقع أن يعلق في قلب الفندق الذي نزل به وأن تنفد المأكولات والمشروبات من الفندق أو المطار عندما رغب بالعودة الى البلاد...

يوم الجمعة...طلب منا عدم الخروج بتاتًا..

ويخص عبّاسي موقع "بكرا" بهذا اللقاء، متحدثا عن الأحداث التي كان شاهدا عليها، خصوصا وأن الفندق الذي نزل به كان بجوار ميدان التحرير، الذي يشهد أهم الأحداث على الساحة المصرية الآن، فيقول عبّاسي: “كنا مجموعة أربعة أصدقاء سافرنا الى القاهرة يوم الخميس المنصرم، وصلنا الى الفندق في الحادية عشرة ليلا، كانت الأمور هادئة لم نشهد أي مشكلة، في الطريق من المطار الى الفندق رأينا بعض الحرائق ولكن لم نعتقد أن الوضع خطرا لهذه الدرجة. ذهبنا لتناول العشاء، وعندما عدنا طلب منا أمن الفندق أن نلتزم الغرف يوم الجمعة، لحين تنتهي صلاة الجمعة.

القنابل الغازية وصلت إلى الفدق واضطررنا البقاء في الطابق الأول

في صباح يوم الجمعة شاهدنا قوات الجيش والدبابات والشرطة متواجدة في المكان بكميات كبيرة، وكوننا نزلاء في فندق هيلتون رمسيس الموجود في ميدان التحرير كان واضحا لنا أن الأوضاع ستتأزم. قرابة الساعة الواحدة والنصف ظهرا تبيّن أن المتظاهرين يقتربون من ميدان التحرير، بالأخص على مقربة من الفندق. بدأت الشرطة تلقي قنابل الغاز المسيل للدموع، وبدأ الغاز ينتشر تجاه الفندق، فطلبوا منا في الفندق أن نخلي الغرف وأن ننزل للطابق الأول، حاولنا السفر والعودة الى البلاد في اليوم ذاته، ولكن لم تكن هناك امكانية حتى لوصول المطار،  فحافظنا على الالتزام بالغرف التي ننزل فيها كما طلبوا منا لساعات معّينة، ولكن لكثرة الغاز الذي وصل الفندق، لم نعد نحتمل الوضع فاضطررنا أن ننزل الى باحة الفندق. هناك التقينا بعدد من الشبان الهاربين من الشرطة، والذين ظهر عليهم أنهم حزينون ويائسون جدًا لكون من يحاربهم يستخدم أسلحة أمريكية، وبعض الذخيرة كتب عليها بالانجليزية "Made in USA”...

لا هواتف ولا انترنت وفي وسط ميدان التحرير

وتابع قائلا: “بعد مرور حوالي الساعة، أعلن ان هناك حظر تجوال، ولكن لم يلتزم المواطنون بحظر التجوّل وبقي المتظاهرون في منطقة قريبة منا في ميدان التحرير. في اليوم التالي أعلنوا أن حظر التجوّل سيبدأ من الخامسة صباحا وليس السابعة كما في اليوم الذي سبقه، ولكن المتظاهرين كانوا ما زالوا في ميدان التحرير من اليوم الذي سبقه، ولم يلتزموا بحظر التجوال. وكان جليا لنا أن الأوضاع بدأت تتأزم أكثر من ذي قبل. اتصلنا بالسفارة الاسرائيلية لندرس امكانية السفر والعودة الى البلاد. فقالوا لنا أنه قبل يوم السبت لن تكون لدينا امكانية للعودة الى البلاد. في الوقت ذاته قطعت السلطات المصرية كل وسائل الاتصال من انترنت وهواتف خلوية، فلم يكن بامكاننا الحديث الى أهلنا في البلاد وطمأنتهم عن أحوالنا"....

ويضيف عبّاسي قائلا: “قرروا في السفارة أن ترسل كل من يحمل جواز سفر اسرائيلي الى المطار وأن نلتزم المطار حتى يرسلوا طائرات لتقلنا الى البلاد من جديد. صباح يوم الأحد تمكنا من الوصول للمطار. ودخلنا المطار بعد جهد جهيد، لأنه كان هناك حوالي 250 ألف شخص في المطار. ما بين سوّاح ومصريين يرغبون بمغادرة مصر، وتفاجأنا أن المصريين بغالبيتهم وصلوا بدون حقائب وبدون تذاكر وكل همهم هو مغادرة مصر. كان واضحا عليهم أنهم من الطبقة الارستقراطية في مصر، وكونهم بامكانهم أن يشتروا تذاكر ولا يهمهم الى أين الامر الذي  يدل على أنهم من الطبقة الاستقراطية في مصر".

مطار قذر جدًا...وبدون أمن!!!

ويواصل حديثه بالقول: “في المطار تفاجأنا من الفوضى هناك، لم نشهد قوات الأمن أبدًا، الناس كانت تدوس بعضها البعض. واتضح لي أن هناك عائلات موجودة في المطار منذ يوم الجمعة مع أولادها.. المطار كان قاحلا، لم يكن بامكاننا شراء شيء، لم تكن الحوانيت مفتوحة بتاتا، المطار كله كان قذرًا جدًا، كميات كبيرة من الأوساخ كانت على أرض المطار، والمراحيض حدّث ولا حرج، كانت قذرة لدرجات لا تصّدق... بقينا في المطار من يوم الأحد صباحا حتى يوم الاثنين التالي".

وفي رده على سؤال حول ماذا كانوا يأكلون يقول: “كنا نأكل ما كان يقدمه الناس الموجودون في المطار، فكل من كان لديه بعض الطعام كان يوّزعه على بقية الأشخاص الموجودين في المطار. شعرنا أن الجميع في المطار كانوا يدا واحدة وتعاونوا... "ال عال" أرسلت طائرة أولى، اتضح أن هذا لا يكفي، فقاموا بعدها بارسال طائرة اضافية وكل من كان بحوزته جواز سفر اسرائيلي صعد على متنها بدون حتى شراء تذاكر.... وصلنا الى مطار بن غوريون قرابة الساعة السابعة عصرا".

المفاجيء جدًا أن المتظاهرين كانوا من الشباب المثقف

أما حول تحليله للأوضاع قال: “لا شك لديّ أن حسني مبارك سيسّلم السلطة ويتنحى عن منصبه في نهاية الأمر. وأن يعطي المهمة للشباب. ما فاجأني هو أن المتظاهرين جميعهم كانوا من الجيل الجديد.. فأعتقد أن أكبرهم كان في الثلاثين من عمره، جميع هؤلاء الشباب مثقفون، خريّجوا جامعات، وما شابه. الفوضى التي حدثت في القاهرة لم تكن بسبب المتظاهرين أنفسهم.. فبعد أن عرفنا أن العديد من السجناء هربوا من السجون المصرية، هؤلاء الذين سببوا أحداث الشغب، هؤلاء الذين كانوا يهجموا وينهبوا ويسرقوا ويغتصبوا.. كانوا يدخلون الى بنوك وفنادق ويسرقوا محتوياتها، كما حاولوا اقتحام فندقنا أربع مرّات، فقط ليسرقوا اي شيء من كراسي وطاولات... ليستغلوا الفوضى التي تعم مصر. فلم يكن لمن تتوجه... في اليوم التالي شهدنا هدوءً نوعًا ما، ورغم الكميات الكبيرة من الناس، لم تكن هناك مقاومة من قبل الجيش او الشرطة، لدرجة أنه سمح لهم بصعود الدبابات، وتمكنت من تصوير ذلك وآمل أن تنشروا هذه الصور.. أنا شخصيا لم أصعد على متن احدى هذه الدبابات".

مجموعة صور خاصة التقطها عبّاسي وتنشر حصريا في موقع "بكرا"، من ميدان التحرير في العاصمة المصرية القاهرة....

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]