احتفل الطفل يوسف محمد الزق ابن الثلاثة أعوام بعيد ميلاده للمرة الأولى خارج السجن، الذي يصادف السابع عشر من كانون أول- يناير بين والده وإخوانه وذويه، وشهد بيت العائلة في حي الشجاعية شرق مدينة غزة لأول مرة احتفالاً بنجلهم بعد عام من تحريره من سجون الاحتلال مع أمه كأصغر سجين محرر في العالم.
وكان الطفل الزق ولد داخل السجون الإسرائيلية، عندما كانت أمه حاملا به قبل اعتقالها على معبر بيت حانون "حاجز إيرز" وقد وضعته بعد 8 شهور من اعتقالها، ليتخذ من غرفة السجن مهداً له ومن أدوات السجن ألعاباً يتسلى بها.
وتقول الأم فاطمة الزق إن الأيام التي عاشها طفلها كانت صعبة للغاية حيث منعت مصلحة السجون عن طفلها الحليب الذي يتغذى عليه بعد شهرين من ميلاده، وبدلاً من أن يلهو ويلعب كباقي أطفال العالم الذين يولدون أحراراً بين ذويهم، وجد نفسه محاطاً من كل مكان بالسجانين والسجانات والأسلاك الشائكة وسط ظلمات السجن الحالكة.

ولد أسيراً
وتضيف الأم: "أن بعض الأطفال قد يولدون أيتاماً وهو أمر مألوف، لكن قصة طفلي الذي أطلقت عليه اسم "يوسف" تيمناً بالنبي يوسف-عليه السلام- ولد أسيراً محروماً من الأب والعائلة، فوالده لم يره طوال فترة اعتقاله بسبب منع إدارة السجون زيارة أهالي قطاع غزة لأبنائهم". وتنوه إلى أن أصعب اللحظات التي مرت عليها في السجن عندما قررت إدارة السجن منع يوسف من الخروج للقاء المحامى، حيث كان المحامى حبل الوصال بين يوسف والعائلة لمعرفة أخباره.
 

شمعات يوسف
وتشير الأم وهي تساعد طفلها على إطفاء ثلاث شمعات صغيرة من عمره، إلى أن حياة يوسف لم تكن طبيعية، بل كان يسودها جو مغلق معتم رطب حزين كئيب لا تدخله الشمس ولا الهواء مما أثر على نفسيته، وتربط الأم بين سنوات ميلاد طفلها، فتقول بأن هذا العام جاء مغايراً لان عيد ميلاده الأول والثاني كان معتقلاً معي ولم تسمح سلطات الاحتلال بإدخال الألعاب والملابس الخاصة به، لقد احتفلنا هذا العام بميلاده على مدار يومين من شدة الفرحة بهذه المناسبة، وعن اللحظات التي عاشها يوسف في السجن تستذكر بأنه كان يعكس السرور على السجينات من خلال ضحكه ولعبه، وفي يوم الجمعة كان يلبس الدشداشة والطاقية والسبحة فكانوا ينادونه بالشيخ يوسف، وهو يطوف على الأخوات يصافحهم، وعندما نطبخ كان يمسك بالوعاء والملعقة ليساعدنا.

معاناته بعد السجن
وتشير الأم إلى جوانب غريبة لا زالت لدى الطفل الصغير يوسف، بقولها: "لازالت فترة السجن تخيم على نفسيته، فكلما رأى باباً مفتوحاً أغلقه وضربه بكلتا يديه فهو عصبي جدًا، كما أنه يعشق حمل المفاتيح بيديه، نظراً لأنه كان يرى السجانات يحملن المفاتيح ويغلقن الغرف". وتشكو الأم من أنها لا تستطيع تغير هذه الصفة فيه حتى الآن، كما أنه ينزعج من وجود الناس حوله ويصرخ بشدة كلما اقتربوا منه، ولا يترك أمه قيد أنمله. وتضيف أن يوسف لا زال يتكلم باللغة العبرية حتى اللحظة، وينزعج عند ذكر السجن وأشعر بانطوائه الشديد.

الشهادة والميلاد
ولعل ما يميز يوسف عن غيره من أبناء قطاع غزة، هو أنه أشير إلي مكان مولده في شهادة الميلاد بأنه ولد في مستشفى مئير في كفار سابا، نسبة إلى مكان الذي وضعته فيه. وتكمل الأم قولها: "أنهم عرضوا عليها أن ينال يوسف الجنسية الإسرائيلية، إلا أنني رفضت ذلك وقلت بأنه لا يشرفني أن ينال أي جنسية غير الفلسطينية"! وتستذكر الأم وهي تمسك بطفلها بين زراعيها اللحظات الأولى من الولادة، حيث تقول: "شعرت بأني في حرب من كثرة الحراس المدججين بالسلاح من حولي، والقيود في يدي وقدمي التي لم تفارقني حتى على سرير الولادة في المستشفى، حتى الطبيبة كانت تعاملني بغلظة وتقتص مني".


حزن الفراق
وتقول الأم أن يوسف كان يكبر شهراَ تلو الآخر وكلما كبر يوسف يزداد حزني وحزن الأسيرات من حوله كون مدة حضانته تنتهي بعد عامين حسب القانون المعمول به في السجون الإسرائيلية، إلا أني كان لدي يقين بأن الله الذي أعطاني يوسف لن يحرمني منه، وقبيل الإفراج عن يوسف، قالت بأن الحزن والفرح الشديدين خيما على الأسيرات لفراقه والإفراج عنا، يذكر أن الأم وطفلها خرجا من السجن ضمن صفقة شريط الفيديو الخاص بالجندي المختطف لدى المقاومة في غزة جلعاد شاليط" .

مؤتمر الجزائر
وعن مشاركة الأم وطفلها في مؤتمر الجزائر للأسرى، قالت: "كانت مشاركة طيبة جدا حيث استقبلونا من المطار بحفاوة كبيرة، ولمسنا حبهم لنا واستعدادهم للتضحية بأنفسهم من أجل فلسطين وأهل غزة على وجه الخصوص، وخلال المؤتمر قدم له ممثل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة هدية لأصغر أسير محرر في العالم، كما أن الصحافة الجزائرية اهتمت بنا اهتماماً كبيراً، وأنا أقدم شكري للجزائر رئاسة وحكومة وشعبا على وقوفهم بجانبنا".

 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]