على الرغم من كِبر سنها وآثار الشيخوخة التي بدت واضحة على ملامح وجهها ،ما زالت الحاجة فريدة دقة والدة الأسير وليد دقة ابن باقة الغربية تحمل قضية الأسرى الأمنيين المحليين وأبناء الدول العربية على كاهلها الذي أبى أن ينحني للجلاد وسياسة المؤسسة الإسرائيلية القمعية تجاه الأسرى.
ومنذ ما يقارب الـ25 عاما ما زالت والدة الأسير ترقب أخباره عبر وسائل الإعلام المختلفة ، حيث يزداد حلمها حينما يتم الحديث عن صفقة جديدة للأسرى بين حزب الله أو حماس من جهة، وإسرائيل من جهة اخرى إلا أن هذا الحلم سرعان ما يتبدد بسبب ظلم المؤسسة الإسرائيلية وسد كل بصيص أمل من شأنه أن يعيد الأمل والسرور لأمهات لطالما حلمن برؤية أبنائهن.
وتقول الحاجة فريدة- حين دخلنا عليها وهي تجلس أمام التلفاز تتصيد خبرا هنا و هناك عن ابنها وليد -، إنها على هذا الحال منذ خمس وعشرين عاما ، وكلها أمل أن ترى ابنها أمامها يوما من الأيام متمنية أن يكون هذا اليوم قد أن تغادر الدنيا إلى جوار ربها.
وتابعت بصوتها الذي أعيته الشيخوخة بعد ما كان يزأر دائما في وجه الظلم والطغيان أن ابنها يتمتع بمعنويات عالية على الرغم من عتمة السجن وظلم السجان، وانه ما زال يناضل حتى في سجنه من اجل نيل كافة حقوقه وحقوق من معه من الأسرى الأمنيين.
حنين الام
وفي حديث مع الحاجة فريدة حول شعورها بنيل ابنها الأسير على شهادة الماجستير قبل أيام قالت بعد أن نظرت إلى صورة ابنها المعلقة على الحائط:" شعور لا يوصف إلا أني أتمنى أن تكتمل فرحتي برؤية ابني وليد أمامي وباقي الأسرى ، هذه اللحظات ستكون أجمل لحظات في حياتي وأسال الله أن تكون قريبة".
وبخطوات ثابتة وعزيمة أقوى من قضبان السجن لم تنقطع زياراتها لابنها وكافة الأسرى ، حيث قامت بزيارته مؤخرا في سجن "الجلبوع" لتطمئن على حالته ومعنوياته، فتجده صاحب إرادة قوية وعزيمة صلبة لا يفكر يوما انه معزول عن العالم ومحصور داخل أربعة جدران رغم الحاجز الزجاجي وسماعة الهاتف التي حالت بينهما.
ولم يشغل غياب وليد امه فحسب إنما شغل أيضا خليله وشقيقه الأصغر اسعد ، حيث ما زال هو الآخر يجعل من سيرة أخيه وبسالته قضية عالمية وحكاية تتناولها الأجيال جيلا بعد جيل ويسطرها التاريخ كواحدة من سِيَر الشخصيات التي تركت بصمة طيبة ورائها.
أدب السجون
ويقول اسعد وهو أسير امني سابق إن أخاه وليد ليس أسيرا عاديا إنما يعتبر مناضلا ومكافحا، كما انه أصبح كاتبا يخط بقلمه معاناة عشرات الآلاف من الأسرى ويرسم صورة حقيقية لما يدور خلف قضبان سجنه ، وما زال يطالب بجميع حقوقه والتي حصل على معظمها من خلال الاستئنافات التي كان يقدمها للمحكمة العليا.
وحول دور امه في رعاية الأسرى تابع اسعد:" والدتي لم تعتبر وليد ابنا لها فحسب ، بل كانت تعتبر كل الأسرى الذين يقبعون في زنازين الاحتلال أبناءً لها ، حيث لم تنقطع عن زيارتهم وتقديم كل ما يحتاجونه لكي يشعروا بحنان الام التي حالت قضبان السجن بينه وبينهم.
سمير القنطار
وكانت ام الأسرى الحاجة فريدة دقة تتنقل من سجن إلى آخر ومن سجين أمني إلى ثانٍ دون أن تُفرق بين أسير محلي أو عالمي ، حيث كانت تكفل ثلاثة أسرى لبنانيين من بينهم عميد الأسرى سمير القنطار وكايد بندر إضافة إلى أنور ياسين الذي يشغل منصب نائب في البرلمان اللبناني وكانت تمدهم بالمال والمواد الغذائية الأساسية أحيانا قبل أن تقدمها لابنها وليد.
وما زالت الهدايا والرسائل تصل الحاجة فريدة من كافة الأسرى المحررين من مختلف الدول العربية الذين ما زالوا يذكرون حنانها ورعايتها لهم في سجونهم وذلك في يوم الأسير العالمي وعيد الام.
وكان للحاجة دقة دور بارز على الساحة النضالية ، حيث كانت تمثل امهات الأسرى في المناسبات والتظاهرات، وحصلت على العديد من الأوسمة والدروع التقديرية من الجمعيات التي تعنى بشؤون الأسرى المحلية والعالمية إضافة إلى منظمات حقوق الإنسان.
ماجستير من داخل المعتقل
ويروي اسعد دقة قصة تعكس مدى تضحية الام بالغالي والنفيس في سبيل راحة أبنائها ، حيث ما زال يذكر القروش المعدودة التي كانت تجمعها من حبات الزيتون التي كانت تبيعها من اجل تسديد القسط الجامعي لابنها الأسير وليد.
ولم تذهب تضحيات الام وجهودها الجبارة من اجل ابنها في مهبّ الريح ، حيث كان لها الأثر الأكبر على حياة ابنها الأكاديمية ، حيث حصل مؤخرا على شهادة الماجستير في العلوم السياسية وقبلها على اللقب الأول من الجامعة المفتوحة الإسرائيلية.
ويشار إلى أن الأسير وليد دقة ابن الخمسين عاما يقبع في سجنه منذ قرابة خمس وعشرين عاما بعد أن حُكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة خطف وقتل جندي إسرائيلي في الثمانينيات والانتساب إلى تنظيم مسلح، فضلا عن عضويته في تنظيم الجبهة الشعبية إلا انه انسلخ عن الحزب وانتقل لحزب التجمع الوطني، وفي شهر آذار مارس المقبل يصبح الأسير دقة قد أتمّ نصف عُمره داخل السجن على أمل أن يقضي ما تبقى منه بين أحضان امه وذويه.
[email protected]
أضف تعليق