شارفت السلسلة الوثائقية "أصحاب البلاد"، والتي تبث على شاشة شبكة "الجزيرة" منذ عدة أسابيع، على الانتهاء بحلقاتها الخمس، والتي أثارت الكثير من ردود الأفعال المتفاوتة، منها المشجع والإيجابي الذي جاء من جميع أنحاء المعمورة (خصوصا الوطن العربي)، ومنها ردود الفعل الإسرائيلية المتوقعة سلفا، خصوصا على اسم السلسلة المثير للغضب الإسرائيلي: "أصحاب البلاد".

وقد قامت بإخراج السلسلة الإعلامية روان ضامن، وقد بذلت جهدًا كبيرًا في عملها هذا، الذي تطلب العمل المكثف والمرهق، وقد ساعدها في مجال التصوير طاقم شركة الأرز للإنتاج في الناصرة.

ولفهم أكثر عمقا لما دار خلال تصوير هذه السلسلة والإعداد لها، ومن أجل أن نفهم الدوافع والتحضيرات التي ساقت المخرجة روان ضامن لتصوير السلسلة وتجهيزها، وصولا إلى بثها مؤخرا، التقت مراسلة موقع "بكرا" بالمخرجة وكان لها معها الحوار التالي:

"بكرا": ما هي الفكرة من وراء سلسلة أصحاب البلاد؟ ومن أين جاءت التسميّة؟

روان: "بداية أشكر موقع "بكرا" على المبادرة باللقاء، وأنا أتابع موقعكم، ويعطيكم ألف عافية. السلسلة الوثائقية "أصحاب البلاد" هي من إنتاج شبكة الجزيرة، وتهدف لتسليط الضوء على تاريخ وواقع الفلسطينيين في الداخل منذ عام 1948 حتى اليوم في خمس ساعات وثائقية. وقد بدأ بث السلسلة على قناة الجزيرة الإخبارية كل يوم خميس الساعة السابعة مساء بتوقيت القدس (وتعاد الجمعة في الرابعة صباحا ومنتصف ليل الجمعة) كما ابتدأت إعادتها على قناة الجزيرة الوثائقية كل يوم ثلاثاء الساعة السابعة مساء (وتعاد الأربعاء الساعة الواحدة من بعد الظهر).

أما الاسم، فقد ارتأت إدارة البرامج في شبكة الجزيرة أن اسم "أصحاب البلاد" هو الاسم الأنسب لهذه السلسلة، لان اسم "عرب إسرائيل" هو اسم خاطئ حاولت إسرائيل تعميقه وفرضه إعلاميا لتوحي بأن الفلسطينيين المتبقين هم عرب أنتجوا في المصنع الإسرائيلي. أما اسم فلسطيني الداخل أو فلسطيني 48 أو عرب الداخل أو عرب 48، فهي كلها مصطلحات تناولها الإعلام لكنها لا تعطي المعنى المطلوب، وهو أن الفلسطينيين الذين بقوا في وطنهم هم أصحاب البلاد، وهم ليسوا ضيوفا غير مرغوب بهم كما تراهم السياسات الإسرائيلية المتواصلة، إنما هم أصحاب الوطن والأرض والبلاد. وأنا سعيدة جدا بهذا الاسم".

"بكرا": كم استغرق منك التحضير للسلسلة من الوقت؟ منذُ ولادة الفكرة حتى تجهيزها وبثها؟

روان: "ولدت الفكرة في صيف 2009 ومنذ ذلك الوقت بدأت التجهيز لها بالقراءة والبحث واختيار أماكن التصوير والضيوف، وتم التصوير في شهر تشرين الأول/أكتوبر 2009 ثم بعد التصوير كان البحث عن الأرشيف اللازم والصور والوثائق وبناء الحلقات والمونتاج، واستغرق هذا الأمر حوالي عشرة أشهر حتى بث السلسلة في تشرين الأول/اكتوبر 2010. وتم تحديد موعد البث من قبل شبكة الجزيرة ليتزامن مع تصاعد موجة القوانين العنصرية حول الولاء والمواطنة التي تحاول إسرائيل فرضها على فلسطينيي الداخل. والفيلم الذي ذكرته "فيلم كفر قاسم" المستخدمة أجزاء منه في الجزء الأول والثاني هو من إنتاج عام 1974، وهو قصة عاصم الجندي رحمه الله وإخراج برهان علوية الموجود حاليا في بلجيكا.

وقد حرصت على الحصول على حقوق استخدامه في هذا العمل لأهميته في توضيح ما حدث أمام المشاهد العربي البعيد عما يحدث في داخل إسرائيل".

"بكرا": هل تعتقدين أنك نجحت من خلال "أصحاب البلاد" في نقل الواقع الذي يعيشه عرب الداخل أو تصحيح النظرة المغلوطة التي تنظر إليهم بأنهم متأسرلون؟ ( التمسك بالأرض والتشبث بالجذور من أجل التأكيد أن هذه الأرض عربية رغم احتلالها)...

روان: "لا أستطيع أن أقول إن كنت نجحت أم لا. وإن نجحت فإلى أي مدى. هذا هو رأي الجمهور الذي أحترمه كثيرا. فقد عملت على هذه السلسلة شهورا طويلة بمعدل 16 ساعة يوميا من أجل هدف واحد، هو نقل الواقع بأكبر قدر ممكن من الصدق والوضوح، أي أن أنقل ما أراد الضيوف نقله بصدق وشفافية وبشكل واضح للمشاهد العربي أينما كان.

لقد تعاطفت كثيرا مع أصحاب البلاد وشعرت بالجرح الموجود لديهم من النظرة العربية المغلوطة والمشوهة إليهم، والناتجة عن الجهل بهم وبواقعهم. لا شك أن بعض الفلسطينيين في الداخل تأسرلوا، لكن نسبتهم قليلة جدا بالنسبة للغالبية العظمى التي لا زالت هويتها عربية فلسطينية، وفي نفس الوقت تحمل المواطنة الإسرائيلية من أجل الحفاظ على بقائها في وطنها.

هذه المعادلة: أن تحمل الهوية الفلسطينية وجواز السفر الإسرائيلي هي المعادلة التي لم يفهمها العالم العربي رغم مرور أكثر من 62 سنة عليها. حاولت في هذه السلسلة أن أفتح نوافذ على المزيد من النقاش المطلوب عربيا، وأتمنى أن تساعد هذه السلسلة خاصة الآن مع بثها على شاشة بحجم قناة الجزيرة على فتح هذا النقاش بصوت مرتفع".

"بكرا": تأتي سلسلة "أصحاب البلاد" (أو أصحاب الأرض، كما يطلق عليها البعض) بخمسة أجزاء، أي جزء من بينها كان الأكثر جرأة من جانب طرح القضايا والمواضيع؟

روان: "اسم السلسلة هو (أصحاب البلاد). ولا أعرف لماذا يطلق الكثير من الناس على السلسلة اسم (أصحاب الأرض). بالنسبة لي (أصحاب البلاد) هو الاسم الأدق، لأن (أصحاب الأرض) تبدو وكأنها رد على المقولة الصهيونية أن اليهود شعب بلا أرض جاء لأرض (فلسطين) بلا شعب.

الأرض لا تحمل في طياتها الحضارة والثقافة والتاريخ، لكن البلاد هي أرض وشعب، لذلك الاسم الأدق برأيي هو (أصحاب البلاد). أعود إلى سؤالك.

جاءت السلسلة بخمسة أجزاء، لكن كان كل جزء مستقلا بذاته، فالجزء الأول يتناول الصدمة الأولى، ما حدث عام 1948 وكيف بقي 160 ألف فلسطيني في وطنهم وأسباب البقاء وتداعيات فرض المواطنة وما حدث في السنوات الأولى من الحكم العسكري.

أما الجزء الثاني فقد تناول الصراع الثقافي ومجزرة كفر قاسم عام 56 وصولا إلى يوم الأرض عام 76 ووثيقة الجماهير العربية عام 80. والجزء الثالث يتناول أوائل الثمانينات ووضع فلسطيني الداخل (خاصة مهجري الداخل) بعد أوسلو ثم هبة أكتوبر 2000 ومجزرة شفاعمرو 2005 وأحداث عكا في أكتوبر 2008.

ليأتي الجزء الرابع مركزا على قضايا الأرض والسكن في القرى والمدن، ويختم الجزء الخامس بالواقع اليوم في 2010 من كافة النواحي التعليمية والاقتصادية والإعلامية والحياتية مع نظرة استشرافية لقضايا الترانسفير ويهودية الدولة. لذلك لا أستطيع أن أقول أي الأجزاء كان أكثر جرأة. لكل جزء طعمه الخاص بالنسبة لي. في الأجزاء الخمسة هنالك خمسون ضيفا وضيفة، جميعهم من فلسطيني الداخل، كلهم من (أصحاب البلاد)".

"بكرا": من هي الشخصية التي تأثرت بها خلال تسجيل السلسلة؟

روان: "كل ضيوفي في السلسلة هم أبطالي، وتأثرت بهم. كل من الضيوف التقيت معه ليوم أو نصف يوم فقط، بمعنى أن مدة التصوير معه أو معها كانت ساعات محدودة، وإن طالت وصلت إلى يوم كامل، أو ربما كانت 3 – 4 ساعات فقط.

هم رأوني مرة واحدة فقط في حياتهم، لكن أنا عشت معهم لعشرة أشهر، أراهم كل يوم، أسمع ما قالوه في المقابلة، أكتب ما ذكروه، أدقق في ما جاؤوا على ذكره عرضا أو قصدا، وأعيش مشاعرهم، لدرجة أنني أحس اليوم أن هؤلاء، الضيوف الخمسين، هم جميعا أصدقائي. أتمنى أن يجدوا أن السلسلة في خمس ساعات حققت ما أرادوا أن يعبروا عنه من تاريخهم الذي امتد على مدى 62 عاما".

"بكرا": لماذا تحمل أفلامك الوجع الفلسطيني فقط رغم وجود العديد من القضايا التي من الممكن طرحها على شكل أفلام وثائقية؟

روان: "ربما لأنني فلسطينية الأصل، أحمل الوجع الفلسطيني في داخلي. أول فيلم وثائقي قمت بتصويره وإخراجه كان عن فلسطين، بعنوان "في انتظار النور" عام 2000 وكان في عشر دقائق، بعدها أخرجت أفلاما ليست عن فلسطين، منها "الانطلاق المبكر" الذي فاز بجائزة أفضل فيلم وثائقي على مستوى الجامعات البريطانية في 2004 ثم عملت برنامجا في التلفزيون الأردني بعنوان 12 – 18 كان عن قضايا المراهقين، وهو برنامج أعتز به، ثم سلسلة "رائدات" عن رائدات من الوطن العربي. لذلك فقد أخرجت أفلاما ليست عن فلسطين، لكن سلسلة (النكبة) و(أصحاب البلاد) أعادتني إلى الوجع الفلسطيني لأحاول نقله للمشاهد العربي والعالم. والحمد لله، سلسلة النكبة ترجمت إلى ست لغات وعرضت في أنحاء مختلفة من العالم، وأتمنى لسلسلة (أصحاب البلاد) أن تكون مفيدة وناجحة أيضا".

"بكرا": هل بدأت تلمسين ردود فعل الجمهور وصدى نجاح السلسلة بعد بدء عرضها على شاشة الجزيرة؟

روان: "ردود الفعل وصلت منذ بدء الترويج –(قريبا)- باهتمام الجمهور بأن يفهم وضع الفلسطينيين في الداخل لأن الإعلام العربي ركز لفترة طويلة على الفلسطينيين تحت الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة، لذلك كان هنالك اهتمام. والإعلام الإسرائيلي علق على ترويج البرنامج معترضا على اسم السلسلة، (أصحاب البلاد). ووصلتني رسائل كثيرة من الداخل الفلسطيني ومن العالم العربي فيها ردود فعل إيجابية وتساؤلات حول تفاصيل في السلسلة. وبعض الرسائل كانت مؤثرة وجميلة، وكثير من الناس كتبوا لي أنهم ذرفوا دموعا في الجزء الثاني والثالث، لكن الصدى الحقيقي الذي أنتظره هو أن يزول الظلم عن أصحاب البلاد وتشرق العدالة على واقعهم، وأتمنى أن يعمل كل منا من موقعه من أجل هذا اليوم".

"بكرا": حدثينا عن برامجك وأعمالك المستقبلية:

روان: "لا شيء الآن سوى التفكير باستراحة قصيرة لأنني مرهقة جدا. لكنني أعد مشاهدي الجزيرة أنني سأسعى دائما لأقدم لهم أعمالا تليق بشاشة الجزيرة وبالمشاهد العربي".
 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]